الطيب البكوش: المؤتمر الوطني السادس عشر للاتحاد العام التونسي للشغل من 15 إلى 20 ديسمبر 1984 (الحلقة الرابعة والعشرون)
هو مؤتمر وطني عادي ضم 528 نائبا منهم عشر نائبات فقط.
وقد نشرت "الشعب" في 14 ديسمبر 1984 قائمة المؤتمرات التي لم تحتسب فيها مؤتمرات التنصيب، فبعد مؤتمر ربيع 1977 (عدد14) احتسب مؤتمر قفصة الاستثنائي (عدد15) وبينهما عدة مؤتمرات صورية لتنصيب قيادات صفراء موالية للنظام.
كان عاشور يستعجلني في إعداد مقدمة التقرير الأدبي، واقترح علي أن أبدأ من المؤتمر الرابع عشر، فقلت له:"هذا أمر طبيعي".
وبعد الصياغة حرصت على تلاوة المقدمة على جميع أعضاء المكتب التنفيذي حتى يلتزم بها الجميع. وقد عبّر عاشور صراحة عن إعجابه بالمقدمة قائلا بالفرنسية (جيد للغاية).
وأبرز ما جاء فيها تقييم الفترة الفاصلة بين مارس 1977 و1984 مرورا بمؤتمر قفصة باعتباره مرحلة ضرورية هامة لإعادة بناء الاتحاد بعد أزمة 26 جانفي 1978.
لكن يبدو أن بعضهم اعتبر أن عدم ذكر الذين قاطعوا المؤتمر يعد نقصا. وقد يكونوا نصحوا عاشور بتقديم تقرير خاص به. فتم إعداده سرّا إلى أن نشرت جريدة" الرأي" تصريحا له تهجم فيه على مؤتمر قفصة واصفا إياه بمؤتمر أشرف عليه الحزب الحاكم.
وأثناء الهيأة الإدارية الأخيرة قبل المؤتمر لامه حبيب قيزة على التصريح باعتباره لا يخدم الوحدة في هذا الظرف، فردّ عليه بأن حشاد أشرف عليه باسم الحزب الحاكم، ولكنه سيبين في خطابه الافتتاحي أن الذين شاركوا فيه ينقسمون قسمين: قسم عن سوء نية وقسم عن حسن نية.
وعندما أخذت الكلمة في نهاية أشغال الهيأة الإدارية نبهته إلى ضرورة الاحتياط من بعض الأسئلة الخبيثة للباحثين عن الإثارة من الصحافيين.
وإثر الهيأة الإدارية قلت له:" إذا كنت تنوي تقديم تقرير مواز للتقرير الأدبي الرسمي، فهل يكون شخصيا أم باسم المكتب التنفيذي؟ وفي هذه الحالة لا بد من إطلاعنا عليه مسبقا لنوافق عليه حتى لا تتضارب مواقفنا في مؤتمر شعاره الوحدة"، فوعدني بإطلاعي عليه. ثم تلاه علينا في المكتب التنفيذي، بصوت حسين بن قدور الذي علّق بأن هذا التقرير يحتاج إلى أن يقرأ بلهجة حماسية مؤثرة. واقترح عليّ عاشور أن أتدخل في الهيأة الادارية بعد الجميع، حتى لا يتأثروا بموقفي.
كان الأول خليفة عبيد الذي أثنى على القرير معتبرا أنه لا يتحمل زيادة ولا نقصانا. وتلاه بنفس الموقف الصادق علوش واسماعيل السحباني وعبد السلام جراد. لكن خير الدين بوصلاح كان أول من لاحظ له أن الفقرة التي تطعن في شرعية مؤتمر قفصة يجب حذفها لأن جل أعضاء المكتب التنفيذي شاركوا في المؤتمر والا فإنه شخصيا لا يمكنه الترشح على هذا الأساس. فجادله عاشور. واستدرك جراد بأنه من الأفضل تنقيحها. فاقترحت الاستماع أولا إلى البقية، فذكر أحمد بن رميلة بمواقفه في عهد التنصيب على أن مشاركته صمود ضد التيجاني عبيد (أمين عام المكتب التنفيذي المنصب بعد دخولنا السجن).
أما حسين بن قدور فاعتبر كامل التقرير جيدا باستثناء عبارة" مؤتمر غير شرعي" "فبحذفها يكون ممتازا".
وعندما أخذت الكلمة، اقترحت تغيير ثلاث فقرات، الأولى يجب أن تفسر الصبغة الاستثنائية لمؤتمر قفصة، والثانية لتأكيد شرعيته، والثالثة لتأكيد اقتراح حبيب بن عاشور حول محاكمة سوسة في 26 جانفي 1978. ثم توليت تحرير التنقيحات التي غيرت تماما اتجاه التقرير ما عدا ترك اسم نور الدين حشاد.
خصوصيات المؤتمر 16 ومداولاته
تمت دعوة عدد كبير من الضيوف من الخارج، للإشهار بحملة إعلامية، تبدو تحسبا للطوارئ إذا ما تعكرت الأجواء مع الحكومة.
تفاجأ الطاعنون في مؤتمر قفصة بكثرة التدخلات التي تنوه بمؤتمر قفصة، وخاصة كلمة السكك الحديدية التي كانت بلهجة قوية حماسية.
-دار نقاش حول المسؤولية الثانية، فتظاهر عاشور بأنه لا يرى مانعا في بقاء الرئاسة والأمانة العامة مضيفا أن "الجماعة" ضد، بل حتى ضد فكرة نائب أول التي طرحها البعض.
وكنت على يقين أنه حريص على الانفراد وتسويتي ببقية الأعضاء. ولم أشارك في هذا الجدل حتى لا أجعل منها قضية أو أن أبدو متمسكا بالمناصب، التي أكدت للرئيس بورقيبة أثناء دفاعي عن عاشور أن المناصب ثانوية بالنسبة إلي رغم إغراءات بورقيبة المتعددة لي.
وعندما كنا بصدد مراجعة مشروع القانون الأساسي في المكتب التنفيذي بأملكار، ووصلنا إلى تحديد المسؤوليات في المكتب التنفيذي، خرج عاشور بدعوى الهاتف ولم يرجع الا بعد أن تجاوزنا هذه النقطة.
وقد تصرف عاشور بنفس الطريقة عندما كان المؤتمر يناقش في اليوم الأخير القانون الأساسي، حيث اقترح كثيرون إحداث خطة نائب أمين عام أو مساعد. استغرقت هذه النقاشات كثيرا من الوقت إلى حدّ أن ستة أيام لم تكف فزيد يوم سابع لمناقشة اللوائح والقانون الأساسي بعد أن تمت عملية الاقتراع والتصريح بالنتائج حوالي الثالثة من صباح الثلاثاء.
ويبدو أن إرادة تمرير اللوائح دون نقاش كانت وراء تمطيط الوقت إلى حدّ أن اللائحة المهنية أجّل البت فيها إلى المكتب التنفيذي بدل المؤتمر.
- قضية رئاسة المؤتمر لم تقع إثارتها إلا في اليوم الثاني حيث عارض 30 تقريبا الجمع بين الترشح ورئاسة عاشور للمؤتمر.
في اليوم الرابع تفاجأ المؤتمرون بقول عاشور: "إن سالم عبد المجيد، أحد كتبة المؤتمر، يعتذر للذهاب إلى مجلس النواب، بصفته أحد أعضاء الكتلة النقابية". وإذا به يقف في المنصة ويقترح انتخاب عاشور أمينًا عاما بالإجماع، بينما كان كثيرون خارج القاعة. فتعالت أصوات مؤيدة وأخرى معارضة. فقال عاشور:" سالم قدم اقترحا وأنا قبلته فلنصوت عليه" فقام المؤيدون يهتفون ووقف أعضاء لجنة النظام لإخفاء أصوات المعارضين في أقصى القاعة، لذلك لم يظهر من الأيدي المعارضة إلا قليل، بينما عمت خيبة الظن أغلبية المؤتمرين، ولا سيما الشباب الذين حضروا لأول مرة مؤتمرا وطنيا، فبدا لهم لا يختلف عن مؤتمرات الشعب في الحزب الحاكم.
-ولجنة النظام هذه لم يقع الاتفاق عليها وعلى تركيبتها وعددها، فكان جل أعضائها من قطاع واحد هو قطاع النقل، وشاركوا في التصويت بصفة غير قانونية لانتخاب عاشور، بل إنهم استفزوا بعض المؤتمرين والصحافيين. إلى حدّ ان حبيب قيزة الذي صوت ضد الانتخاب المباشر، سقط مغشيا عليه في بهو النزل تأثرا بما تعرض له من استفزاز.
-في نهاية التدخلات، أحيلت إلي الكلمة. وما إن قمت متوجها إلى الميكروفون حتى عم القاعة تصفيق حار، ووقف المؤتمرون، فكان ذلك تعبيرا عن تقديرهم للدور الذي قمت به منذ مؤتمر قفصة الذي أشرت إليه بالقول:" إن من طعن في مؤتمر قفصة فقد طعن في نتائجه ومقرراته ولوائحه بما فيها لائحة رفع الاستثناء عن عاشور التي حققناها في الآجال المحددة". وقد هنأني الجميع، بمن في ذلك الضيوف على تدخلي الذي أكد تمسكي بوحدة الصف رغم الخروقات.
كان جوا مؤثرا، شعرت فيه أن المؤتمرين أرادوا التعبير بذلك عن تمسكهم بمن يعتبرونه رمزا لمؤتمر قفصة، تأكدوا اليوم أنه لا يجري وراء المناصب ولم ينافس عاشور فيها بالترشح للأمانة العامة كما كان البعض يرغب.
وبعد المؤتمر اجتمع المكتب التنفيذي الموسع بالكتاب العامين للاتحادات الجهوية لتوزيع المسؤوليات، ولم أشأ أن أترشح إلى أي مسؤولية.
وقد دار نقاش محرج، إذ تمسك خليفة عبيد بالتكوين النقابي وتمسك السحباني بالدراسات، فاقترح عاشور عليّ معهد حشاد والإعلام، فقبلت، رغم إحساسي بالخدعة لأن معهد حشاد لا يخلو من التضارب مع التكوين النقابي الذي تمسك به عبيد ولم يكن راضيا عن فصله عن معهد حشاد وهو خطة جديدة، سببها أنني حين كنت أمينا عاما وضعت الحجر الأساسي للمعهد في المكان الذي اغتيل فيه حشاد بطريق رادس. ومن المفارقات أن رخامة الحجر الأساسي أزيلت في عهد اسماعيل السحباني الذي عوضها برخامة تحمل اسم الرئيس زين العابدين بن علي. و المؤسف أن المعهد لم يبن فبقي أثرا بعد عين.
وإذا كنت ذكرت بعض تفاصيل المؤتمر وكواليسه فليعرف الجيل الجديد من النقابيين أن معركة الديمقراطية في الاتحاد لم تنته وتقتضي نضالا متواصلا.
وسوف نرى في الحلقة القادمة (25) ملابسات أزمة "الشعب" التي هي من أخطر أزمات الاتحاد الداخلية وكانت لها مضاعفات وطنية.
الطيب البكوش
قراءة المزيد
الطيب البكوش: الحبيب بورقيبة كما عرفته، زعيما ورئيسا (الحلقة الأولى)
الطيب البكوش: الحبيب بورقيبة كما عرفته، زعيما ورئيسا, عيد الشغل العالمي (الحلقة الثانية)
الطيب البكوش: مفاجآت مؤتمر قفصة 1981 (الحلقة الثالثة)
الطيب البكوش: من منظمة العمل الدولية إلى قصر قرطاج - جلسة 12 جوان 1981 (الحلقة الرابعة)
الطيب البكّوش: الحبيب بورقيبة كما عرفته, من لقاء مزالي إلى زيارة عاشور (الحلقة الخامسة)
الطيب البكوش: من عيد ميلاد الرئيس بورقيبة بالمنستير إلى ذكرى حوادث 5 أوت بصفاقس (الحلقة السابعة)
الطيب البكوش: انتخابات ومحاكمات... (الحلقة التاسعة)
الطيب البكوش: رفضي الترشح للانتخابات التشريعية وتصلب الرئيس بورقيبة (الحلقة العاشرة)
الطيب البكوش: الرئيس الحبيب بورقيبة يناور بشكل مفاجئ (الحلقة الحادية عشرة)
الطيب البكوش: الرئيس بورقيبة والمناورة الكبرى الأخيرة (الحلقة الثانية عشرة)
الطيب البكوش: هشاشة الاستقرار الحكومي والنقابي (الحلقة 13)
الطيب البكوش - بين الرئيس بورقيبة وزوجته وسيلة: تقاسم أدوار؟ (الحلقة الرابعة عشرة)
رسائل الرئيس بورقيبة المشفرة وأجواء نماذج معبرة من الاجتماعات واللقاءات (خريف 1982) - (الحلقة 15)
الطيب البكوش: نهايات 1982 وغرابة الأوضاع الوطنية والاقليمية (الحلقة 16)
الطيب البكوش: موسم الأعياد والأسفار الرسمية (الحلقة السابعة عشرة)
الطيب البكوش: صراعات في الداخل والخارج (الحلقة الثامنة عشرة)
الطيب البكوش: الخلافات ترشح في الصحافة (الحلقة التاسعة عشرة)
الطيب البكوش: موقفي وموقف بورقيبة من الانشقاق وطرد الإخوة السبعة (الحلقة العشرون)
الطيب البكوش : أزمة الخبز وملابساتها (الحلقة الحادية والعشرون)
الطيب البكوش: تونس ومخلفات أزمة الخبز (الحلقة الثانية والعشرون)
الطيب البكوش - تونس : أحداث أوت 1984 (الحلقة الثالثة والعشرون)
- اكتب تعليق
- تعليق