الطيب البكوش: موقفي وموقف بورقيبة من الانشقاق وطرد الإخوة السبعة (الحلقة العشرون)
رأينا في الحلقة السابقة كيف أفسد عاشور اجتماع المكتب التنفيذي بدون مبرر.
وفي الفترة الفاصلة بين الخميس 10 نوفمر 1983 والجمعة 18 نوفمر 1983، بذلت جهدا كبيرا لإصلاح ذات البين، ومنع الانشقاق، والحفاظ على وحدة الاتحاد. فقد دعاني الصادق بسباس إلى منزله حيث وجدت الإخوة السبعة مجتمعين.
فأطلعوني على مشروع البيان الذي يعتزمون إصداره ضد عاشور. بعد قراءته، طلبت منهم تعديل بعض الجزئيات وقلت لهم" أنا موافق إجمالا على محتواه.ولكنني ضد لكنني ضد نشره في الصحافة، وأدعوكم إلى حضور الهيأة الإدارية وعرضه على أعضاءها ،وسأكون أول مدافع عن محتواه، لأن تصرفات عاشور ليست مقبولة، وستكون الأغلبية مساندة لهذا الموقف بحضوركم". ولذلك رفضت الإمضاء عليه لأني قادر على الدفاع عن محتواه أمام الجميع.
فقال بوراوي، أنا موافق على عدم النشر وضد الانشقاق، ولكن لا يمكن الاجتماع مستقبلا مع عاشور، ونحن مجمعون على ذلك، واقترح حلّا وسطا، هم لا يحضرون وأنا لا أمضي، ولكن أتكلم باسمهم في الهياكل، وهو اقتراح لا يستقيم. فطلبت منهم أمام هذا التناقض مزيد التفكير، لأن المقاطعة تعني القطيعة وانقسام الاتحاد، وتجعل موقفهم ضعيفا بالغياب، وتسهّل على عاشور تحقيق رغبته في طردهم.
بعد ذلك كثّفت الاتصال بهم فرادى أو مجموعات. وما أكده لي بالخصوص عبد الحميد بلعيد وناجي الشعري هو أن الأغلبية مقتنعة برأيي ولكنهم لا يريدون أن ينقسموا، لأن بعض الإخوان الآخرين لم يعودوا يحتملون العمل مع عاشور إلى حدّ أن أحدهم قال: "عاشور لم يعد رئيس منظمة نقابية بل رئيس عصابة". وبعضهم لا يجرؤ على مجابهته.
ومما جعلني أيأس من إصلاح الوضع أنهم نشروا البيان يوم الأحد الموالي في جريدة "الأنوار. وتأكدت أن تصلب الجماعة في موقفهم مرده تشجيع السلطة لهم على تكوين منظمة أخرى، فقد قال لي أحدهم أن وزيرا هاما قال لهم أن الرئيس بورقيبة مستعد لوضع مقرّ هام في قلب العاصمة على ذمتكم إذا كوّنتم منظمة نقابية مستقلة، وبالخصوص إذا كان معكم الطيب البكوش.
وعلمت أن حرصهم على توريطي هو أن من كان منهم على اتصال بالسلطة أكدوا للسلطة أني معهم، دون أن يميزوا بين مساندة الموقف والدفاع عنه صلب هياكل الاتحاد لا في وسائل الإعلام وخارج الهياكل وبين الانشقاق .وعلمت فيما بعد أنه تمت مغالطة الرئيس بورقيبة بأن الطيب البكوش تراجع في موقفه بعد أن كان مع الجماعة، كما سنرى من بعد.
التأم بعد هذا مكتب تنفيذي موسع يوم26 نوفمر 1983 في أملكار، تعددت فيه المواقف من هذه القضية فأرجأنا البت فيها إلى الهيئة الإدارية.
هيئة إدارية ماراطونية أيام 26-30 نوفمر1983
عديد الأعضاء أرادوا معرفة موقفي من القضية لكثرة الإشاعات المتناقضة التي تم ترويجها، فتدخلت في الآخر بعد سماع الجميع، وشرحت لهم موقفي بوضوح رفع جميع الالتباسات والشكوك. وأثناء الاجتماع، وقبل تدخلي، دخل القاعة الصادق بسباس، وسلمني صامتا رسالة تبيّن لي أنها البيان المذكور، وكان واضحا أن الجماعة يريدون مني تلاوته نيابة عنهم في الهيئة الإدارية، رغم رفضي ذلك حين التقيت بهم.
ولاحظت أن أغلب المتدخلين استاءوا من غيابهم، حتى الذين يساندون موقفهم، ولذلك أيّدوا موقف الطرد الذي أراده عاشور، لكنني اقترحت بدل الطرد التجميد المؤقت في انتظار المؤتمر الذي يحسم الأمر.
وعند التصويت أيدني 16 عضوا من الثمانين، وهي نتيجة متوقعة لضعف موقف الغياب.
مكتب تنفيذي موسع لسد الشغور يوم 1 ديسمبر 1983
حاولتْ في الكواليس قلة من الأعضاء اغتنام الفرصة لتغيير الأمين العام، لكنها لم تجد صدى وفشلت دون أن تثار في الاجتماع. وتم تسديد الشغور الحاصل.
ندوة صحافية
إثر المكتب التنفيذي عقد عاشور ندوة صحافية أجاب فيها عن الأسئلة بما في ذلك توضيح موقفي فقال:"إن الهيئة الإدارية استفسرت الأخ الطيب ووصلت إلى نتيجة أن كل ما قالوه ونسبوه له كذب ومغالطة".
الصدام مع الرئيس بورقيبة في ضريح حشاد، بمناسبة ذكرى اغتياله
يوم 5 ديسمبر 1983 بالقصبة حيث ضريح الشهيد فرحات حشاد، بمناسبة ذكرى اغتياله، حضر الرئيس بورقيبة مصحوبا بزوجته وسيلة.
وما أن رآني حتى قال لي بغضب:" أنت معهم وتخليت عنهم" فأجبته:" لست مع أحد، أنا مع الاتحاد" فقال بحدة:" لا لا، بل كنت معهم وتخليت عنهم" فأجبته بحدة أشد وبصوت يسمع من بعيد مشيرا إليه بأصبعي:" قلت لك أنا دائما مع الاتحاد ومصلحة الاتحاد لا مع الأشخاص".
وفهمت وسيلة أن الوضع لا يليق بالرئيس، فتقدمت بيني وبينه وجذبته إلى الوراء قائلة:" كلهم أبناء الاتحاد،هيا هيا. وقال مزالي:" كلهم إخوة".
فابتعد بورقيبة وهو يردّد كلامه بغضب، فقال له عاشور:" الطيب البكوش موقفه باهي في هذه القضية ولا يمشي إلا بما يقوله له مخه".
وتبين لي أن الرئيس أتى خصيصا ليقول لي ما قال لأنه لم يتجه نحو الضريح وإنما ذهب إلى المحكمة القريبة حيث يحتفل بخمسينية المحاماة. ولهذا التحق به عاشور ولم يذهب لا إلى الضريح ولا إلى منزل أرملة حشاد.، وإنما قمت أنا بهذا الواجب مع النقابيين.
الاجتماع العام ببورصة الشغل
في المساء، اعتذر عاشور عن الإشراف على الاجتماع العام متعللا بالمرض، ثم بالبقاء مع مزالي.
ويبدو أنه كان يخشى أن يُفسد عليه الاجتماع عمّالُ سوق الجملة حسب ما بلغه من معلومات، بعضها عن طريق وزير الداخلية.
كان الخطاب الذي ألقيته في الاجتماع العام، حسب تعاليق عديد النقابيين من أحسن خطبي وأقواها، إلا أن الإعلام الرسمي طمسه تماما، ولا شك أن ذلك بأمر من السلطة، لأن الوكالة الرسمية، وكالة تونس إفريقيا للأنباء، لم تسمح لأعوانها بالحضور لنقله، ثم نقلته عن تسجيل الإذاعة ولم تبثه إلاّ ليلا.، وبذلك يتأخر الإعلام بثلاثة أيام، فلا تنشره الصحف، كما أن مدير الإذاعة والتلفزة منصف بن محمود تراجع عن تغطية ذكرى اغتيال حشاد بالفيديو. وقد بقيت التلفزة في القاعة دون أن تسجل الحفل كاملا.
ولعل أهم مغزى من كل هذا هو أن ردّ فعل الرئيس بورقيبة ليس فقط لأنهم كذبوا عليه، بل لأنه أيضا لم ينجح في استقطابي واستعمالي لضرب عاشور، ولأن الانشقاق الجدّي الذي كان يرغب فيه هو الذي يكون بقيادتي، خصوصا أن عاشور رآكم الأسباب التي تقود إليه، وبقائي في الاتحاد أصبح في نظره حجر عثرة أمام تسلطه وانفراده بالقرار، خصوصا أنه كان يدرك أن استعماله الاتحاد في الصراع السياسي على السلطة وخلافة بورقيبة غير ممكن ما دمت في قيادة الاتحاد، لأنني كثيرا ما كنت أنبّهه إلى ضرورة ترك الاتحاد خارج صراع أجنحة السلطة وأجنحة الحزب الحاكم.
و سنرى في الحلقة القادمة انتفاضة الخبز و مخلفاتها.
الطيب البكوش
قراءة المزيد:
الطيب البكوش: الحبيب بورقيبة كما عرفته، زعيما ورئيسا (الحلقة الأولى)
الطيب البكوش: الحبيب بورقيبة كما عرفته، زعيما ورئيسا, عيد الشغل العالمي (الحلقة الثانية)
الطيب البكوش: مفاجآت مؤتمر قفصة 1981 (الحلقة الثالثة)
الطيب البكوش: من منظمة العمل الدولية إلى قصر قرطاج - جلسة 12 جوان 1981 (الحلقة الرابعة)
الطيب البكّوش: الحبيب بورقيبة كما عرفته, من لقاء مزالي إلى زيارة عاشور (الحلقة الخامسة)
الطيب البكوش: من عيد ميلاد الرئيس بورقيبة بالمنستير إلى ذكرى حوادث 5 أوت بصفاقس (الحلقة السابعة)
الطيب البكوش: انتخابات ومحاكمات... (الحلقة التاسعة)
الطيب البكوش: رفضي الترشح للانتخابات التشريعية وتصلب الرئيس بورقيبة (الحلقة العاشرة)
الطيب البكوش: الرئيس الحبيب بورقيبة يناور بشكل مفاجئ (الحلقة الحادية عشرة)
الطيب البكوش: الرئيس بورقيبة والمناورة الكبرى الأخيرة (الحلقة الثانية عشرة)
الطيب البكوش: هشاشة الاستقرار الحكومي والنقابي (الحلقة 13)
الطيب البكوش - بين الرئيس بورقيبة وزوجته وسيلة: تقاسم أدوار؟ (الحلقة الرابعة عشرة)
رسائل الرئيس بورقيبة المشفرة وأجواء نماذج معبرة من الاجتماعات واللقاءات (خريف 1982) - (الحلقة 15)
الطيب البكوش: نهايات 1982 وغرابة الأوضاع الوطنية والاقليمية (الحلقة 16)
الطيب البكوش: موسم الأعياد والأسفار الرسمية (الحلقة السابعة عشرة)
الطيب البكوش: صراعات في الداخل والخارج (الحلقة الثامنة عشرة)
الطيب البكوش: الخلافات ترشح في الصحافة (الحلقة التاسعة عشرة)
- اكتب تعليق
- تعليق