أخبار - 2020.09.08

الطيب البكوش: تونس ومخلفات أزمة الخبز (الحلقة الثانية والعشرون)

الطيب البكوش: تونس ومخلفات أزمة الخبز (الحلقة الثانية والعشرون)

سنة 1984 كانت سنة عصيبة، بدأت بأزمة الخبز التي تعرضت إليها في الحلقة السابقة.
وقد شملت مخلفاتها جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ذكرت بعضها سابقا مثل إقالة وزير الداخلية إدريس قيقة، وتلا ذلك إبعاد أحد صقور الحزب الحاكم محمد الصياح، من تونس سفيرا بروما.

سياسة التصلب

وقد ذكرنا تكريس الانشقاق النقابي رسميا ببعث الاتحاد العام للعمال التونسيين بقيادة عبد العزيز بوراوي.

ولكن الأهم من كل ذلك سياسيا هو الشعور العام بضعف الدولة التي فقدت الكثير من هيبتها، مما خلخل تبعا لذلك  مركز الوزير الأول، الذي اختار لتدارك ذلك نهج التصلب مع الاتحاد والمعارضة، فاستقدم الجنرال بن علي من سفارته بفرصوفيا ليكلف مجددا بإدارة الأمن الوطني التي سبق أن دخلها في عهد حكومة نويرة قبيل أحداث 26 جانفي 1978 التي حفت بالإضراب العام الشهير.

الاجتماع مع مزالي يوم 14 مارس 1984

هو اجتماع مشترك بين المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة. كان النقاش فيه حادّا جدّا، نتيجة الإضرابات التي اعتبرها محمد المزالي هادفة إلى الإطاحة به بعد أزمة الخبز التي اعتبرها أيضا مؤامرة ضدّه، كما رأينا في الحلقة السابقة، وأصبح يعتقد أن عاشور متواطئ مع وسيلة في السعي إلى الإطاحة به.

وفي هذا اللقاء حاول أحد أعضاء المكتب التنفيذي التزلف إليه بديماغوجية تعوّد عليها، فردّ عليه بحدّة قائلا:" كلامك هنا مخالف لما تقوله في الاجتماعات مع العمال حيث تشعل النار".

المجلس الوطني للاتحاد أيام 21 - 24 مارس 1984
تم فيه الإيعاز إلى بعض المتدخلين ليعيدوا مرة أخرى إثارة قضية الحزب العمّالي، وهي ليست الأولى ولا الأخيرة. حرص الحبيب عاشور على إثارته هذه المرة هو ردّ فعل على تأسيس الاتحاد المنشق بتشجيع من السلطة كما رأينا، ولكن إثر خطإ جسيم منه بدفع نصف المكتب التنفيذي إلى مقاطعته ثم إلى طردهم.

شعب أم شعوب/ ثورة أم انتفاضة

أثناء مناقشة اللوائح حصل خلاف حول عبارة الشعوب العربية أو الشعب العربي. لم يفهم الحبيب  عاشور لماذا يدافع البعض بحدة عن شعب لا شعوب فانحنى عليّ مستفسرا عن الفرق فقلت له:" إن القوميين العرب يعتبرون أن البلاد العربية متعددة ولكن سكانها شعب واحد. فأخذ يدافع عن عبارة شعوب بطريقة غير مقنعة. ثم دار نقاش حول اعتبار أزمة الخبر ثورة أم انتفاضة.

وعند التصويت تغلبت عبارة شعب عربي. فثارت ثائرة الحبيب عاشور وهدّد المتسببين في إثارة المشكل. وأمام الحرج الحاصل، اقترحت تعديلات أخرجتنا من شعب وشعوب ومن ثورة وانتفاضة بعبارة “الغضب الشعبي".

أنشطة متنوعة

يوم 16 مارس 1984 ألقيت محاضرة في الملتقى النقابي الافريقي حول "علاقة النقابات بالحكومات والأحزاب" بمشاركة 22 منظمة نقابية افريقية الى جانب منظمة الوحدة النقابية الافريقية "أوزا" والجامعة الفرنسية الديمقراطية للشغل ِCFDT
يوم 29 مارس 1984 شاركت مع الشادلي العياري في الندوة العالمية حول الاكتفاء الذاتي الغذائي التي التأمت بكلية الحقوق بتونس.
يوم 14 أفريل 1984 شاركت في الحمامات في ندوة نظمها مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية (CERES) حول الدولة، وذلك بمحاضرة موضوعها" الدولة والحركة النقابية في تونس".
يوم 27 أفريل 1984 اندلعت بالجامعة التونسية أحداث لمنع حضور فتحية مزالي زوجة الوزير الأول، حفل ذكرى العنابيENAT، وهجوم البوب (BOP) على الطلبة والأساتذة بشراسة جعلت الجامعيين يدخلون في إضراب وينظمون مسيرة احتجاج إلى وزارة التعليم العالي.

وقد تلا ذلك يوم 30 أفريل 1984 اجتماع عام للجامعيين بكلية الحقوق ردّا على الهجوم الأمني الذي رأى فيه الجامعيون عنفا مفرطا.

إفساد الاجتماع النقابي في غرة ماي 1984

رأينا في الحلقات السابقة أن أسلوب الحبيب عاشور في خرق القانون وحلّ النقابات لتعويضها بالأتباع بغير وجه حق، وخاصة بعد طرد نصف القيادة، وحصول انشقاق كبير في الاتحاد، قد خلق جوّا من المعارضة لما يسميه اليساريون خاصة بالبيروقراطية النقابية، تطورت بصفة سلبية إلى التشويش وتعطيل السير العادي للاجتماعات. وقد استغل هذا الوضع بالخصوص دعاة من يسعون إلى افتكاك القيادة في هياكل الاتحاد.

وقد تجلى ذلك بالخصوص في احتفال غرة ماي 1984 ببورصة الشغل، بمبادرة من" الشعلة" و"العامل التونسي" الذين اعتبروا ذلك انتصارا على البيروقراطية وردّ فعل على إيقاف الحبيب عاشور الهيئة الإدارية للتعليم الثانوي التي هاجمت بشدة اتفاقية 13 أفريل 1984 مع الحكومة. فتلا هذه الأحداث تجريد عدد كبير منهم من الصفة النقابية.

وقد أصبح تزامن التجريد وإفشال اجتماع عيد الشغل موضوع تنظير باعتبار ذلك صراعا بين الاتحاد “الثوري" والاتحاد البيروقراطي صلب الاتحاد العام التونسي للشغل ولذلك أفسدوا أيضا اجتماع عبد السلام جراد في قفصة وفي عدة جهات أخرى.
-أما في الكاف حيث أشرفت على الاحتفال، فقد حاول البعض ذلك معي، لكنني نجحت في عزلهم عن جموع العمال وإظهارهم على حقيقتهم وهي أنهم لا يتجاوزون السبعة ولكنهم يحاولون بصياحهم التغطية على فشلهم برفع شعارات فارغة ونشيد حماة الحمى.حتى لفظتهم الأغلبية وتم الخطاب والاجتماع بنجاح.

-وعندما انتقلت من الكاف إلى جندوبة، لم يحاولوا شيئا متعضين بفشلهم في الكاف.

وبعد الانتهاء من الاجتماع. صعدوا إلى المنصة طالبين مني الاجتماع بهم، فرفضت.

مؤتمر التعليم العالي يوم 26 ماي 1984

بعد عودتنا من بروكسيل حيث تباحثنا مع قيادة السيزل في مستقبل علاقاتنا المجمدة دفاعا عن القضية الفلسطينية (يومي 19-20 ماي 1984).التأم يوم 26 جانفي 1984 مؤتمر النقابة الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي الذي أشرفت عليه في رحاب معهد الفلاحة، الذي كان مديره على علم به منذ شهر. لكن فوجئنا بأن وزارة الفلاحة تدخلت لمنع انعقاده هناك.

وبدا للمدير أن يستشير الوزير في آخر لحظة. فاستشار بدوره الوزير الأول محمد مزالي فرفض بحجة عدم طلب رخصة.

وفي صباح يوم المؤتمر دعاني المدير إلى مكتبه وأعلمني أن الوزير راجع مزالي مرة أخرى فأصر على الرفض.

فقلت له:" أعلِم وزيرك والوزير الأول أني سأواصل الإشراف على المؤتمر، وما عليه الا أن يبعث بقوة “البوب" لإخراجنا.
لكن المؤتمر لم يتم لاكتشافي وجود طعون وخلل جدّي اقتضى مني تأجيله.

وتصلب مزالي تجاه الاتحاد أخد يتزايد منذ أزمة الخبز، ورغبته في الانتقام من كل من لم يوافقه على قراره.

إعادة احتفال غرة ماي يوم 27 ماي 1984بقصر المؤتمرات ولكن باتخاذ تدابير تنظيمية صارمة.

احتفال غرة جوان بالقصر الرئاسي

هذه الذكرى العزيزة على الرئيس بورقيبة أصبحت منذ بدأ الاحتفال بها" عيد النصر" وهي ذكرى رجوعه من المنفى في غرة جوان 1955 وقد سبق الحديث عنها في الحلقة الأولى.

لكن حلول شهر رمضان في هذا التاريخ جعل الاحتفال يقدم بيوم أي 31 ماي 1984.

لم ندخل هذه المرة من الباب الذي تعوّد كلانا الدخول منه وهو الذي يدخل منه الوزراء وأعضاء الديوان السياسي للحزب باعتبار رؤساء المنظمات أعضاء فيه باستثناء عاشور المستقيل منذ أزمة جانفي 1978. فقد تم إحالتنا على الباب الآخر. ولما رأى عاشور جماعة من الاتحاد المنشقّ، طلب مني أن نخرج إلى مكان آخر، فدخلنا الرواق ومررنا أمام مكتب الرئيس ثم القاعة المؤدية إلى الباب الخارجي، فاعترضنا علالة لعويتي كاتب الرئيس، فتبادل معه عاشور مزحا ثقيلا، ثم طلب مني أن نخرج ونذهب إلى أملكار حيث ينتظرنا مؤتمر الاتحاد الجهوي ببن عروس الذي يقوده محمد شقرون.

أثناء الخروج التحق بنا عبد المجيد القروي مدير المراسم الرئاسية وطلب منا العودة. فقال له عاشور إنه نسي شيئا في السيارة ثم يعود. فقلت له:" كان من الأجدر ذكر الحقيقة، وهي تحويلنا إلى باب دخول آخر خلافا للعادة.

علمت فيما بعد أن وسيلة قالت للرئيس إن عاشور خرج غاضبا لأن علالة العويتي شتمه. وهذا غير صحيح. لكن يبدو لي أن عاشور أراد الخروج لأنه لا يريد الالتقاء بالجماعة الذين طردهم وكونوا اتحادا منشقا.

في جنيف

بعد ذلك، سافرت إلى جنيف يوم 4 جوان 1984 مرورا بروما، بدعوة من الجامعة السويسرية لإلقاء محاضرات في معهد علوم التنمية (ISD). ثم اغتنمت الفرصة لحضور جانب من أشغال المنظمة الدولية للشغل.

وفي يوم 27 جويلية 1984، اختتمت أشغال الندوة النقابية المغاربية في تونس، في الوقت الذي عقدت فيه ثلاثة اجتماعات مع الحكومة (24-25 و31 جويلية 1984) لحملها على التراجع في "منشور الخصم" الذي كان يهدف إلى ضرب الاتحاد ماليا.

وسنرى في الحلقة القادمة ما جدّ في شهر أوت 1984 بعد عيد ميلاد الرئيس وخاصة قضية الشيخ إمام وملابساتها العديدة وانعقاد المؤتمر السادس عشر للاتحاد ثم أزمة جريدة الشعب.

الطيب البكوش

قراءة المزيد:

الطيب البكوش: الحبيب بورقيبة كما عرفته، زعيما ورئيسا (الحلقة الأولى)

الطيب البكوش: الحبيب بورقيبة كما عرفته، زعيما ورئيسا, عيد الشغل العالمي (الحلقة الثانية)

الطيب البكوش: مفاجآت مؤتمر قفصة 1981 (الحلقة الثالثة)

الطيب البكوش: من منظمة العمل الدولية إلى قصر قرطاج - جلسة 12 جوان 1981 (الحلقة الرابعة)

الطيب البكّوش: الحبيب بورقيبة كما عرفته, من لقاء مزالي إلى زيارة عاشور (الحلقة الخامسة)

الطيب البكوش: بين قصر الحكومة وقضية الإخوان (30-07-1981) وزيارة عاشور الثانية (1981-07-31) (الحلقة السادسة)

الطيب البكوش: من عيد ميلاد الرئيس بورقيبة بالمنستير إلى ذكرى حوادث 5 أوت بصفاقس (الحلقة السابعة)

الطيب البكوش: الرئيس الحبيب بورقيبة يقرر نقل الحبيب عاشور إلى قربص ومعالجة أهم الإضرابات (الحلقة الثامنة)

الطيب البكوش: انتخابات ومحاكمات... (الحلقة التاسعة)

الطيب البكوش: رفضي الترشح للانتخابات التشريعية وتصلب الرئيس بورقيبة (الحلقة العاشرة)

الطيب البكوش: الرئيس الحبيب بورقيبة يناور بشكل مفاجئ (الحلقة الحادية عشرة)

الطيب البكوش: الرئيس بورقيبة والمناورة الكبرى الأخيرة (الحلقة الثانية عشرة)

الطيب البكوش: هشاشة الاستقرار الحكومي والنقابي (الحلقة 13)

الطيب البكوش - بين الرئيس بورقيبة وزوجته وسيلة: تقاسم أدوار؟ (الحلقة الرابعة عشرة)

رسائل الرئيس بورقيبة المشفرة وأجواء نماذج معبرة من الاجتماعات واللقاءات (خريف 1982) - (الحلقة 15)

الطيب البكوش: نهايات 1982 وغرابة الأوضاع الوطنية والاقليمية (الحلقة 16)

الطيب البكوش: موسم الأعياد والأسفار الرسمية (الحلقة السابعة عشرة)

الطيب البكوش: صراعات في الداخل والخارج (الحلقة الثامنة عشرة)

الطيب البكوش: الخلافات ترشح في الصحافة (الحلقة التاسعة عشرة)

الطيب البكوش: موقفي وموقف بورقيبة من الانشقاق وطرد الإخوة السبعة (الحلقة العشرون)

الطيب البكوش : أزمة الخبز وملابساتها (الحلقة الحادية والعشرون)

 




 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.