الطيب البكوش: الحبيب بورقيبة كما عرفته، زعيما ورئيسا, عيد الشغل العالمي (الحلقة الثانية)
انتهى مؤتمر قفصة الاستثنائي فجر يوم غرة ماي 1981 على الساعة 4 بعد أن حل إشكال انتخاب الأمين العام وبذلك تم تتويج تسعة أشهر من مجهود تجديد جميع الهياكل النقابية القطاعية والجهوية وهي حوالي الألفين، بإشراف مزدوج من القيادة المنصبة ومن القيادة الشرعية التي غادرت السجن في مارس 1980 على دفعتين.
وقد ترأس المؤتمر نجل فرحات حشاد، نور الدين بصفته طرفا محايدا قبل به الطرفان مع السلطة. وبعد الاحتفال بعيد الشغل صباحا في مدينة قفصة بمشاركة عدد هام من الوزراء يقودهم الوزير الأول محمد مزالي، تم إعلامي في الحين رسميا أن الرئيس بورقيبة يريد استقبالي بقصر قرطاج صباح الغد 2 ماي 1981.
وقد فاجأتني سرعة الموعد خصوصا وأن ميشال دوري مراسل جريدة لوموند الفرنسية الذي حضر المؤتمر أسر إلى سهير بالحسن مراسلة جون أفريك الحاضرة معه أيضا، بأن المدة التي يتطلبها قرار الرئيس باستقبال الأمين العام الجديد، ستكون معبرة عن موقفه من المؤتمر ونتائجه.
اضطررنا جميعا إلى مغادرة قفصة نحو العاصمة تونس بمجرد انتهاء الحفل.
لم يكن استقبال الرئيس بورقيبة لي مصحوبا بالمكتب التنفيذي وبرئيس المؤتمر نور الدين حشاد بحضور محمد الناصر وزير الشؤون الاجتماعية والمنجي الكعلي الوزير المعتمد لدى الوزير الأول ومدير الحزب الحاكم وعدد من الصحافيين والمسؤولين عن الإعلام.
لم يكن هذا اللقاء بروتوكوليا بسيطا وإنما حفت به مفاجآت عدة.
كانت بداية الاستقبال مفاجئة ومختلفة عن استقباله لي مع عاشور سنة 1977. بعد التسليم أخذ يتهجم على حبيب عاشور لعلاقته بمحمد المصمودي وزير الخارجية الأسبق الذي ألف كتابا عن العرب(Les arabes dans la tempête) وذكر أشياء أغضبت بورقيبة وقدم فيها عاشور على أنه الرجل المناسب لخلافة بورقيبة، وهي خلافة أصبح عاشور يفكر فيها بتأثير المصمودي الذي تقابل معه في ليبيا لدى القذافي. وقد اعتبر الرئيس بورقيبة هذا التصرف خيانة له واستغلالا للاتحاد العام التونسي للشغل. كما تعرض الرئيس وبنبرة غاضبة للإضراب العام رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات عليه. ومن أخطر التهم التي وجهها لعاشور تهديده بحرق تونس حسب قوله والتفت إلي قائلا "أنت تعلم هذا" فأجبت بالنفي.
وعندما شرعت في تقديم أعضاء المكتب التنفيذي وذكرت عبد الرزاق غربال ثم الصادق بسباس التفت إلي وقال مازحا:" الصفاقسية ادخل الكجينة وسمّ" ويقصد بذلك أن أهل مدينة صفاقس الكثير من أسمائهم مستمد مما يوجد من أدوات ومواد في المطبخ. وكأن بورقيبة أراد بذلك أن يتجاوز تشنج البداية بمسحة من الدعابة خاصة وأن التشنج بلغ أوجه قبيل ذلك، عندما قدمت له حبيب قيزة الذي أراد استباق الأحداث بأن طلب من الرئيس "النظر في قضية عاشور" فصاح بورقيبة " شنوة! " ماكنتش تسمع في آش نقول" (ما هذا! الم تسمع ما كنت أقول عن عاشور؟) وهجم عليه لضربه لكن حال دون ذلك نور الدين حشاد والمنجي الكحلي قائلين "لم يسمعك لأنه كان بعيدا في الخلف"
ورغم أنه قد تسرع في موضوع هو من مشمولاتي كأمين عام، أعرف متى وكيف أثير مثل هذا الموضوع الذي التزمت به بتحرير لائحة خاصة وتلاوتها في المؤتمر.
لكني أردت أن أطيب خاطر قيزة فيما بعد معتبرا أنه حماس شاب وإن كان في غير المقام، فشكرته على مبادرته فارتاح لذلك وقال لي "أنت الوحيد الذي فهمني".
وبعد ذلك وسمت الرئيس بوسام الشغل النقابي لأنه كان يعتبر نفسه "الشغال الأول".
بعد انتهاء التقديم تحدث الرئيس في مواضيع شتى فأردت بعد أن هدأ الجو، أن أعقب على تهجمه في البداية، وقلت له " لا أحد يستطيع أن يستعمل الاتحاد ضد مصلحة البلاد أو لغايات شخصية، فما بلغه النقابيون من وعي ونضج يحول دون ذلك" بعد توديعه دعاني للرجوع والغداء معه.
وجدته وقد شرع في التجول مع ضيوفه في مسكنه (بقصر قرطاج ) فلما رآني قال: أنت لم تر غرفة نومي، وأخذني من يدي ورجع بي إلى غرفته ثم الحجرة التي فيها تجهيزات عيادة أسنان. وقد أراد بذلك إكرامي بصفة خاصة.
وفي طاولة الغداء كان محاطا بالمنجي الكعلي على يمينه ومحمد الناصر على يساره ومكاني على يسار الناصر.
- بعد الغذاء، كان يسير بنا في الرواق قبل التوديع. وضعني على يساره وهو يتوقف طويلا يحدثني ويسألني عن عملي واختصاصي، ويذكر لي أسماء بعض الشخصيات الوطنية والوزراء ملحا على أنهم دون مستواي العلمي. فاغتنمت الفرصة لأقول له عن حبيب عاشور " هو ولدك ورفيقك في الكفاح" فقال " ماعادش ولدي" وألحّ على أن قضيته تهمّه هو، وأنه صاحب القرار فيها.
فاكتفيت بهذا القدر عازما على العودة إلى الموضوع مرة أخرى في ظروف غير ظروف الحفل ودون إحراجه كثيرا أمام الناس.
- بعد شهر من ذلك، دعيت لزيارة الرئيس بمناسبة غرة جوان وهي ذكرى عزيزة جدا على الرئيس بورقيبة إذ هي ذكرى عودته من المنفى سنة 1955 وأصبحت "عيد النصر" مقرونة بعيد الشباب.
وكان مقررا أن أسافر إلى جنيف للمشاركة في أشغال منظمة الشغل العالمية فأجلت سفري.
عندما دخلت القصر وصافحته التفتت إلي زوجته وسيلة وهنأتني على انتخابي أمينًا عاما قائلة" مبروك" ثم أردفت بالفرنسية ما معناه" لم تسنح لي الفرصة لتهنئتك مباشرة"
عند ذلك تذكر بورقيبة مسألة حفل التكريم بجمال فقال ويدي مازالت في يده: أنت من جمال، وقد قالوا لي أن أهل جمال يريدون تنظيم حفل تكريم لك، فقلت لهم: " لم لا، فلا مانع من ذلك، ولهم الحق، برز فيهم واحد يحبون أن يفرحوا بتكريمه".
وبعد التسليم، والانتقال إلى القاعة الرسمية، جاءني للتسليم عدة سفراء أذكر منهم أمريكا وبولونيا وألمانيا .وكان سفير ألمانيا يجيد العربية، فقدم لي زوجته السويدية التي تتكلم العربية أيضا. فدار بيننا حديث طويل حول اللغة والآداب والحضارة العربية الاسلامية.
ومن الغد سافرت إلى جنيف حيث تدوم أشغال المؤتمر السنوي لمنظمة العمل الدولية ثلاثة أسابيع، يواكبها وفد الاتحاد وأعود أنا بعد تقديم كلمتي في الجلسة العامة.
وبعد أسبوع، عدت إلى تونس فوجدت مفاجأة في انتظاري آلت إلى لقاء مع الرئيس بورقيبة يوم 12 جوان حفت به ملابسات عدة هي موضوع الحلقة القادمة.
قراءة المزيد:
- اكتب تعليق
- تعليق
Mr Taieb Baccouche est et restera un des symboles honorifiques de notre chere Tunisie.C est la seule chose que je comprenne en politique et qui est loin d etre de mon domaine..