أخبار - 2020.06.29

الطيب البكوش - بين الرئيس بورقيبة وزوجته وسيلة: تقاسم أدوار؟ (الحلقة الرابعة عشرة)

الطيب البكوش - بين الرئيس بورقيبة وزوجته وسيلة: تقاسم أدوار؟ (الحلقة الرابعة عشرة)

عيد الاستقلال 20-3-1982

الرئيس بورقيبة يعانق مرتين حبيب عاشور ويذكر بمؤتمر صفاقس [وهو مؤتمر الحزب الحر الدستوري (1955) الذي حسم الخلاف بين الزعيمين الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف “الزعيم الكبير“، وهو الذي أطلق على بورقيبة لقب “المجاهد الأكبر"، وكان الحسم لصالح بورقيبة لأن بن يوسف فضل الغياب، وقام الحبيب عاشور، فيه بدور الحماية والتنظيم باعتباره زعيما نقابيا ودستوريا بجهة صفاقس. ثم ذكر الرئيس بفراره من تونس عبر قرقنة ،وهي جزيرة عاشور، لأن السلطة الفرنسية قررت اعتقاله، وبذلك بدأت رحلة الزعيم بورقيبة إلى الشرق العربي عبر ليبيا ثم مصر..

وكان بورقيبة يتحدث عن ذلك وهو يبكي ويرسل رسائل غير مباشرة إلينا بتعريجه على خطر الزيادة في الأجور مع وجود الفقر والخصاصة والتعاسة.

وقالت زوجته وسيلة ساخرة:" ها إنه يعيد التاريخ". وسألني الرئيس:" هل سمعت ما قلته للحبيب عاشور؟" فأشرت بالإيجاب. أراد بورقيبة أن يؤكد بذلك أن رسالته موجهة من خلالنا إلى جميع النقابيين.

وبينما كنت أتحدث في قصر قرطاج مع بعض المسؤولين بعد الغداء عن قضية شركة STIL (المختصة في الحليب والتمور)، جاءني الوزير المنجي الكعلي وأخذني من يدي إلى مجلس كانت تتوسطه وسيلة زوجة الرئيس وعلى يسارها فتحية مزالي (زوجة الوزير الأول) وعلى يمينها حبيب عاشور ثم ادريس قيقة ثم محمد مزالي ثم الطاهر بالخوجة، وثمة أيضا شاشة قيقة ومنصور معلى وكمال بورقيبة.

عندما دخلت على المجلس وسلمت قالت وسيلة:" أنا أحب الشباب ويجب تواجد الأجيال". وهي بذلك تفسر للحاضرين معنى دعوتها لي.

وبالمناسبة انتقدت الطاهر بالخوجة وزير الاعلام لأن وسائل الاعلام تبالغ في نظرها في إطراء محمد مزالي وتهمل الباجي قايد السبسي.
وليست المرة الأولى التي تدافع فيها عن الباجي، فهو من المدللين عندها منذ الاستقلال، فهي التي نصحت بورقيبة بتعيينه في وزارة الداخلية من مساعدي الطيب المهيري.

وقد بدأت وسيلة طوال هذه المدة تسعى إلى تعويض مزالي بالباجي قايد السبسي في الوزارة الأولى بالقصبة.
وكانت المؤشرات عديدة، أشرت إلى بعضها في الحلقات السابقة، ومنها خصوصا حادثة تدشين الحي الأولمبي بالمنزه.
إذ جاءت بنفسها مع العمال لتشرف على هدم نصب التدشين.

كما أن الباجي قايد السبسي عبّر عن رغبته في ملاقاتي دون أن يتصل بي، وكأنما كان ينتظر أن أبادر بذلك، لكنني لم أفعل لأنه هو الطالب، ولم ألتق به رأسا.
 وفي مجلس وسيلة، تعرض الكعلي إلى امكانية رجوع عاشور الى عضوية الديوان السياسي للحزب الدستوري (وهي التي استقال منها قبيل أحداث 26 جانفي 1978) وفي المساء، أظهرت التلفزة الوطنية في نشرتها الإخبارية محمد مزالي  والباجي قايد السبسي معا حول الرئيس طويلا.

ويبدو أن وسيلة بورقيبة بمثل هذه المبادرات تسعى لجعل الاتحاد مساندا لها في تغيير الوزير الأول الذي كان يشعر بقرب عاشور من وسيلة ، ولذلك حرص على المحافظة على علاقة طيبة معي ، خصوصا أن وسيلة نجحت في وضع وزير الداخلية ادريس قيقة في صفها، فأصبح يقول لبعض المقربين منه:" العمل مع الباجي أفضل منه مع مزالي". ولذلك قال قيقة لوالي قابس احمد بن جميع: " مصلحتنا أن يكون عاشور في الاتحاد، اذ يمكن التفاهم معه. أما الطيب البكوش فيصعب التفاهم معه" .

ولا شك أن الرئيس كان شاعرا بكل ذلك، حريصا على المحافظة على التوازنات، وهو ما قد يفسر تقديمه ورقة لمحمد مزالي تتضمن اقتراحا بتعويض البشير بن سلامة، القريب جدا من مزالي، بالجامعي عبد الوهاب بوحديبة، في وزارة الثقافة . لكن مزالي رفض الاقتراح ودافع عن بن سلامة. وكان المرشح قبل بوحديبة هو عز الدين قلوز، لكنه اعتذر وفضل أن يعين ممثلا لتونس لدى اليونسكو في 18 افريل 1982.

كما أن الرئيس رفض اقتراح زوجته وسيلة تعيين محمد كريم سفيرا لتونس بالجزائر.

ولا تخلو علاقة الرئيس بزوجته من الغرابة ، وإن كانت التناقضات بينهما أحيانا فيها شيء من تقاسم الأدوار.

ولعل وسيلة، بعد أن يئست مني منذ الانتخابات ورفضي الترشح ضمن الجبهة ، بدأت تساند عاشور لينفرد بالسلطة النقابية التي تريد توظيفها أيضا ضد مزالي.

وفي هذا الإطار بدأ عاشور يهيئ الناس لخطته الجديدة، لذلك قال أثناء الجولة التي قام بها في الجهات للولاة جميعا ، مثل صفاقس والمنستير " سأخلصكم من المتطرفين والشيوعيين، فأعينوني ، وبعد عام من الآن، سأنظم مؤتمرا استثنائيا آخر لهذا الغرض.

في يوم 8 أفريل 1982، دعاني وزير التربية فرج الشادلي، ثم اصطحبني إلى الوزير الأول مزالي، و لحق بنا المازري شقير. فوجدت مزالي غاضبا متألما مما قامت به وسيلة بتحطيم نصب التدشين، لأنه نقشت عليه جملة من خطاب مزالي سنة 1967 قال إنها أعجبت الرئيس ولذلك نقشها. ووصفت النصب بأنه كالقبر وأن مزالي أصبح ينقش على الحجارة أقواله بدل أقوال الرئيس، كل هذا لتبرر هدمه بحضورها تهرئة لمحمد مزالي واستنقاصا، إذ أمرت بحجب الحفل في الأخبار التلفزية، وافتخرت في إحدى المناسبات أمام عاشور وحشاد بأنها أزالت" البلاكة"[أي رخامة الشاهد].

وكأنما أراد مزالي إشهادي على ما تقوم به وسيلة من ضرب لهيبة الدولة وإضعاف الحكومة.

فاغتنمت الفرصة لاستفساره عن سبب منع الاحتجاجات النقابية في المؤسسات كما حدث بالبرمة. فقال:" لا علم لي بالبرمة. لكن ادريس  قيقة اتخذ قرار المنع في جميع المؤسسات بحجة أن ذلك مناسبة للاستفزازات والاضطرابات فلم أشأ معارضته بعد أن قرّر ذلك.  ونفى لي أحد الوزراء أن يكون الموضوع نوقش في مجلس الوزراء، إلا إذا كان في مجلس مضيق.

ومن الغد دعتني سهير بالحسن لعشاء حضره مدير جون أفريك البشير بن يحمد وأحمد المستيري ومحمود المستيري وخميس الشماري والدالي الجازي والطبيبان العرابي والغرياني. ودار حديث في الجلسة:

- نفى أحمد المستيري مشاركته في حكومة. وعبّر عن اقتناعه بوحدة الاتحاد العام التونسي للشغل كقوة تضمن الديمقراطية والحريات.
- وسألني بشيربن يحمد عن المصلحة من وجود الموظفين والعمال في منظمة واحدة وقال لي :" أليس من الأصلح أن يكونوا في منظمتين؟" فشرحت له خصوصية الاتحاد تاريخيا في الجمع بين العمال بالساعد والعمال بالفكر لتكاملهما.
- عزوز الأصرم ذكر بالرسالة التي حملها محمد المصمودي إلى الرئيس الفرنسي ديقول الذي رد عليها ردا جافا جعل بورقيبة متأثرا لذلك.

مكتب تنفيذي مضيق يوم 13 أفريل 1982

لاحظت تغييرا في السلوك والتكتيك. فالجميع يؤكدون على الوحدة والإخاء. حتى عاشور هدّد الذين يهاجمون الطيب البكوش من جماعته برد الفعل وقال:" لم أشعر يوما أن الطيب يجبدلي في ساقيّ" أي يعرقلني ويعمل ضدي.
فتساءلت في نفسي عن أسباب ذلك: فلعّل له علاقة بموقف ما في السلطة، وبما راج من رغبة الباجي قائد السبسي الاتصال بي، وهو مرشح وسيلة لمنصب الوزير الأول.
المهم أن الاجتماع كان ثريا، واتفقنا فيه على تهدئة الأجواء، مما سرع باجتماع ثان مع وفد حكومي بعد اجتماع أمس، حضره محمد الناصر والمازري شقير ومنصور معلى، حول البنوك والتعليم والأسعار والعقود المشتركة والتفرغ للعمل النقابي وقضية منع الاجتماعات في المؤسسات وإحياء يوم فلسطين.
وعندما سافرت وعاشور إلى بروكسيل لحضور اجتماع" السيزل" قال لنا رئيس النقابات البلجيكية : " أنا مسرور برؤيتكما معا. إني لم أثق في الآخرين ولكني وثقت في الطيب البكوش، وأكدت لي الأحداث صدقه».

وسبب هذا الكلام، هو أنه عند زيارتي لبروكسيل في المرة السابقة، كان هو أول من استقبلني وتحادث معي طويلا، وأكدت له عزمي رفع الاستثناء عن عاشور.

وقلت له:" إني سأقترح في الاجتماع أن يبقى عاشور نائب رئيس السيزل كما كان، ولا رغبة لي في تعويضه كما ينص على ذلك القانون الذي يخول للأمين العام الجديد أن يكون نائب الرئيس. وقلت للجميع إن موقفي هذا فيه رسالة للسلطة التونسية وهي أني محترم للالتزام الذي قطعته على نفسي بلائحة رفع الاستثناء عن عاشور. وقد اكبروا مني هذا الموقف ، وهوما ذكّر به رئيس النقابات البلجيكية. ولكن صفاء الجوّ هذا لم يدم، وتبين أنه تكتيك ظرفي لتجاوز بعض العقبات.
هذه نماذج من الأجواء السايدة في تلك الفترة نقابيا و سياسيا مع ترابط المسارين.

وسنرى في الحلقة القادمة انكشاف النوايا والغوص في التناقضات وتواصل هشاشة الأوضاع اجتماعيا وسياسيا.

الطيب البكوش

قراءة المزيد:

الطيب البكوش: الحبيب بورقيبة كما عرفته، زعيما ورئيسا (الحلقة الأولى)

الطيب البكوش: الحبيب بورقيبة كما عرفته، زعيما ورئيسا, عيد الشغل العالمي (الحلقة الثانية)

الطيب البكوش: مفاجآت مؤتمر قفصة 1981 (الحلقة الثالثة)

الطيب البكوش: من منظمة العمل الدولية إلى قصر قرطاج - جلسة 12 جوان 1981 (الحلقة الرابعة)

الطيب البكّوش: الحبيب بورقيبة كما عرفته, من لقاء مزالي إلى زيارة عاشور (الحلقة الخامسة)

الطيب البكوش: بين قصر الحكومة وقضية الإخوان (30-07-1981) وزيارة عاشور الثانية (1981-07-31) (الحلقة السادسة)

الطيب البكوش: من عيد ميلاد الرئيس بورقيبة بالمنستير إلى ذكرى حوادث 5 أوت بصفاقس (الحلقة السابعة)

الطيب البكوش: الرئيس الحبيب بورقيبة يقرر نقل الحبيب عاشور إلى قربص ومعالجة أهم الإضرابات (الحلقة الثامنة)

الطيب البكوش: انتخابات ومحاكمات... (الحلقة التاسعة)

الطيب البكوش: رفضي الترشح للانتخابات التشريعية وتصلب الرئيس بورقيبة (الحلقة العاشرة)

الطيب البكوش: الرئيس الحبيب بورقيبة يناور بشكل مفاجئ (الحلقة الحادية عشرة)

الطيب البكوش: الرئيس بورقيبة والمناورة الكبرى الأخيرة (الحلقة الثانية عشرة)

الطيب البكوش: هشاشة الاستقرار الحكومي والنقابي (الحلقة 13)



 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.