الطيب البكوش: مضاعفات أزمة الشعب (الحلقة السادسة والعشرون) -ألبوم صور-
أشرت في الحلقة السابعة إلى أن زوجة الرئيس "وسيلة"، عبرت عن مساندتها لعاشور بعد أن يئست مني. إلا أنها سعت إلى تغطية ذلك بمبادرة لا تخلو من الدّهاء.
فقد دعاني ذات يوم الوزير منصف بالحاج عمر، وهو من المقربين منها، إلى العشاء، صحبة عدد من الضيوف وجدتهم قبلي حول موائد بالحديقة. ولا أذكر إن كان ثمة مناسبة لهذه الدعوة. وقد خصّني بالمائدة الأقرب الى مكان الدخول والخروج. وقبل انتهاء العشاء انحنى علي الوزير وطلب مني همسا أن أدخل من باب أشار إليه، وكان مكاني أقرب الأماكن إليه. فلما فتحت الباب ودخلت وجدت قاعة استقبال تصدّرت الأريكة فيها وسيلة زوجة الرئيسة بورقيبة. وكأنما تفطّن للأمر شخص لا أعرفه دلف خلفي، فنهرته وسيلة قائلة: “هيا، اتركني وحدي مع الطيب" وهي أول مرة اسمعها تسميني باسمي فقط كأننا أصدقاء.
وما أن انغلق الباب خلفي وجلست قبالتها قالت:" لقد حرصت على مقابلتك لأقول لك إن الرئيس بورقيبة يكرهكما معا أنت وعاشور. وهو يستغل خلافكما لضرب الاتحاد. وأنا أريد أن تضع اليد في اليد مع عاشور.
فقلت لها:" هذا الكلام قوليه له، فهو الذي بادر بمهاجمتي في السرّ والعلن، بينما أنا أجادله داخل هياكل الاتحاد، فيضطرني بذلك للدفاع عن نفسي والرد عليه علنا". فقالت:" أعرف ذلك، وقد نبّهته إلى خطئه". فقلت لها:" إن عاد إلى مهاجمتي والكذب علي، فإني لن أتردد في الدفاع عن نفسي بالرّد عليه. وإن غيّر سلوكه فلن يرى مني الا "التعاون"، فشكرتني وودّعتها وعدت إلى مكاني قبل توديع الوزير المضيف.
رسالتي للرد على الانقلاب والتحوير
تونس في 15 ماي 1985
الأخ الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل
تحية نقابية.
وبعد،
على إثر اجتماع المكتب التنفيذي الموسع المنعقد مساء الاثنين 13 ماي 1985 بأملكار، والذي دعي لتزكية قرار اتخذ منذ يوم الجمعة الفارط في غيابي بتعيين شخص غيري للإشراف على جريدة الشعب، هذا الاجتماع الذي رفع دون أن يناقش حتى المسؤولية التي يتعيّن علي الاضطلاع بها ضمن مسؤوليات المكتب التنفيذي، فقد بلغني صباح الأربعاء أن بلاغا ممضى من قبل الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل قد وزع على الصحف ويتضمن اسناد العلاقات العربية لي دون علمي ودون مناقشة الموضوع في المكتب التنفيذي كما ينص على ذلك القانون الأساسي للاتحاد العام. لذا، واعتبارا أنني لست عضوا في حكومة يعين فيها الوزراء ويعزلون، فإني أرفض هذا التعيين المخالف لقوانين الاتحاد، وأؤكد من جديد موقفي المتمثل في دعوة الهيأة الإدارية للاتحاد لدرس الوضع الخطير الذي يمر به الاتحاد الان، طبقا لمقتضيات القانون الأساسي للاتحاد، وتكليف لجنة النظام المنتخبة من المجلس الوطني بالبحث في أسباب وظروف وملابسات إيقاف جريدة الشعب، وانعكاسات ذلك الخطيرة على مستقبل الجريدة ومشروع “الشعب اليومية"، وعلى الاتحاد العام بأكمله، وتقديم نتائج بحثها لهيأة إدارية خاصة تتولى اتخاذ القرارات اللازمة طبقا لمصلحة الاتحاد العام. والسلام.
الأمين العام المساعد
الطيب البكوش.
ردود الفعل النقابية على الانقلاب
تزايد عدد العرائض الممضاة من إطارات نقابية جهوية وقطاعية، منددة بالانقلاب ومساندة لموقفي.
وبدأت تصلني دعوات من عديد الجهات للتباحث في القضية مع الاطارات النقابية في أماكن عامة أو خاصة بما في ذلك منازل قياديين نقابيين. وصادف أن كانت هذه الزيارات في شهر رمضان المناسب للسّهر.
وعلم الجميع بمسؤولية حبيب عاشور الشخصية في إيقاف جريدة الشعب ومحاولة إقحام السلطة فيها.
واغتنمت السلطة هذه الأزمة لاستضعاف الاتحاد والشروع في هرسلته والتضييق عليه بمحاكمة النقابيين والردّ بعنف على الإضرابات والاعتداء على النقابيين في عديد الجهات.
مكتب تنفيذي وطلب "هدنة"
دعاني حبيب عاشور إلى اجتماع المكتب التنفيذي. وحين دخلت، نظرت إليهم وهم صامتون واجمون، فبادرني حبيب عاشور بالقول:" إن السلطة قد استغلت خلافاتنا لضرب الاتحاد، لذلك نطلب منك هدنة". فقلت له باستغراب:"هدنة! هل نحن في حرب كأننا دولتان في حرب للحديث عن هدنة!" فقال:" نعم نعم، هدنة لندافع عن الاتحاد ثم نتقاتل من بعد" فقلت له:" أنت المسؤول عن كل هذا، وإذا واصلت في هذا النهج فإنك ستضر بنفسك وبالاتحاد وبالبلاد، فتحمل مسؤوليتك". ولم يفتح أحد من أعضاء المكتب التنفيذي فمه بكلمة إلى أن خرجت. وقد أيقنت أن الاتحاد دخل منعرجا خطيرا لأنه يمر بأزمة داخلية أخطر من أزمة ،1978 حيث كان موحّد الصفوف، يحظى بمساندة القوى الوطنية التونسية والأجنبية. أما اليوم، فقد بدأ، بسوء التدبير، يخرب نفسه من الداخل ويجهض بنفسه مشروع "الشعب اليومية" قبل أن تولد.
ولعل حبيب عاشور، أراد بافتعال هذه الأزمة التقرّب في ذات الوقت من جماعة الإخوان ومن الوزير الأول محمد مزالي، لكن النتيجة كانت عكسية ووبالا عليه شخصيا وعلى الاتحاد، كامل سنة 1985 و1986 وما بعدها.
وسنرى في الحلقة القادمة السابعة والعشرين تواصل تداعيات أزمة الشعب.
الطيب البكوش
قراءة المزيد
الطيب البكوش: الحبيب بورقيبة كما عرفته، زعيما ورئيسا (الحلقة الأولى)
الطيب البكوش: الحبيب بورقيبة كما عرفته، زعيما ورئيسا, عيد الشغل العالمي (الحلقة الثانية)
الطيب البكوش: مفاجآت مؤتمر قفصة 1981 (الحلقة الثالثة)
الطيب البكوش: من منظمة العمل الدولية إلى قصر قرطاج - جلسة 12 جوان 1981 (الحلقة الرابعة)
الطيب البكّوش: الحبيب بورقيبة كما عرفته, من لقاء مزالي إلى زيارة عاشور (الحلقة الخامسة)
الطيب البكوش: من عيد ميلاد الرئيس بورقيبة بالمنستير إلى ذكرى حوادث 5 أوت بصفاقس (الحلقة السابعة)
الطيب البكوش: انتخابات ومحاكمات... (الحلقة التاسعة)
الطيب البكوش: رفضي الترشح للانتخابات التشريعية وتصلب الرئيس بورقيبة (الحلقة العاشرة)
الطيب البكوش: الرئيس الحبيب بورقيبة يناور بشكل مفاجئ (الحلقة الحادية عشرة)
الطيب البكوش: الرئيس بورقيبة والمناورة الكبرى الأخيرة (الحلقة الثانية عشرة)
الطيب البكوش: هشاشة الاستقرار الحكومي والنقابي (الحلقة 13)
الطيب البكوش - بين الرئيس بورقيبة وزوجته وسيلة: تقاسم أدوار؟ (الحلقة الرابعة عشرة)
رسائل الرئيس بورقيبة المشفرة وأجواء نماذج معبرة من الاجتماعات واللقاءات (خريف 1982) - (الحلقة 15)
الطيب البكوش: نهايات 1982 وغرابة الأوضاع الوطنية والاقليمية (الحلقة 16)
الطيب البكوش: موسم الأعياد والأسفار الرسمية (الحلقة السابعة عشرة)
الطيب البكوش: صراعات في الداخل والخارج (الحلقة الثامنة عشرة)
الطيب البكوش: الخلافات ترشح في الصحافة (الحلقة التاسعة عشرة)
الطيب البكوش: موقفي وموقف بورقيبة من الانشقاق وطرد الإخوة السبعة (الحلقة العشرون)
الطيب البكوش : أزمة الخبز وملابساتها (الحلقة الحادية والعشرون)
الطيب البكوش: تونس ومخلفات أزمة الخبز (الحلقة الثانية والعشرون)
الطيب البكوش - تونس : أحداث أوت 1984 (الحلقة الثالثة والعشرون)
الطيب البكوش: أزمة الشعب وملابساتها (الحلقة الخامسة والعشرون)
- اكتب تعليق
- تعليق