الصحبي الوهايبي: الأسـد الأطرش

بقلم الصحبي الوهايبي - هذه حكاية أرويها لكم، كما رواها لي أخي حميد، وهو لا يتذكّر أين قرأ أو سمع، فقد اختلط عليه الأمر، فلا يدري أَمِنْ نَسْج خياله، أم نَسْج خيالٍ غير خياله؛ ولأنّها حكاية مجهولة النّسب، فقد قرّر أن ينسبها لنفسه، أو يتبنّاها، أو يكفلها حتّى تبلغ سنّ الرّشد؛ فلمّا سألته:"ومتى تبلغ حكايتك سنّ الرّشد؟"؛ قال:"عندما ينسبها كلّ راوٍ لنفسه، أي عندما يذهب نسبها وأصلها وفصلها بين النّاس"... كان هناك مدينة عجيبة، وحول المدينة العجيبة غابة عجيبة، تسكنها وحوش عجيبة، تتصاعد أصواتها آناء اللّيل وأطراف النّهار، فتنخلع لها قلوب الصّيّادين، فلا يغامرون بالدّخول ويبيتون مترصّدين طرائدَهم على أطراف الغابة، علّ أرنبا شاردا يضلّ سبيله إليهم... في ذلك اليوم القائظ، كان آخر الصّيّادين يغادر مكمنه خائبا، خاويَ الوفاض، حين تناهى إلى مسمعه صوت رجل يطلب النّجدة من خلف الأكَمَة، فَكَرِهَ أن يغامر فيدخلَ الغابة، وشقّ عليه ألاّ يُنْجِدَه، ثمّ حزم أمره، فتسلّل مقتفيا أثر الصّوت، حتّى بلغ حفرة عميقة، في جوفها عجوز يستغيث؛ فمازال يجاهد، حتّى أخرجه من حفرته؛ فقال العجوز:"لا أدري كيف أشكر لك شجاعتك؛ ليس لي ما أهديك، غير هذا المزمار، إذا نفخت فيه، فرّت من حولك الوحوش خائفة، ذلولا. أنت الآن سيّد الغاب"؛ وصَدَقَ العجوز، فقد غدا الصّيّاد يرتاد الغابة متى عنّ له، فإذا توجّس خطرا نفخ في مزماره.

ومضى على حاله ردح من الزّمن؛ إلى أن كان يوم، لجأ فيه إلى ظلّ صفصافة يستريح؛ وكان في أعلى الشّجرة قردان خبيثان يتقافزان ولا يستقرّان على غصن؛ ولاح من بعيد أسد عظيم الجثّة، يزأر، فتتصدّع الأرض لزئيره وترجع السّماء؛ وهو يذهب نحو الرّجل، والرّجل يكابر ولا ينفخ، والقردان الخبيثان يتغامزان؛ ومازال الأسد يدنو؛ فلمّا أوشك أن يبلغه، نفخ الصّيّاد في مزماره، ولكنّ الأسد ظلّ يمضي إليه قُدما، والرّجل ينفخ، والأسد على حاله إليه، والقردان الخبيثان يتغامزان ويتصايحان؛ ثمّ وثب الأسد على الصّيّاد فافترسه؛ وقال أحد القردين لصاحبه:"ألم أقل لك سيكون هلاكه على يد الأسد الأطرش؟"... لا يكفي أن تنفخ الحكومة في المزمار؛ هذا الذي يأتي إليها أسد أطرش شارد!... حالُها كذلك الذي، معصـــوبَ العينين، يبحث في غرفة مظلمة عن قطّ أسود، لا وجود له، ومع ذلك يصيح:" لقد أمسكتُ به! لقد أمسكتُ به!" يده اليمنى تمسك يدَه اليسرى!

أسوأ ما يأتي على المرء أن يُنكر جسدُه بعضَ جسده، وألاّ تعرف يمناه يسراه، كأنّها من جسد غير جسده! …

***

رجلان يقفان على زاوية وليّ صالح، يتوسّلان. يقول الأوّل:"يا رب! أنا في ورطة، تجارتي كاسدة، والسّيّاح هجروا فنادقي، فأنجدني، مُنّ عليّ بعشرة مليارات، تصرّف يا رب وأنجدني"؛ ويقول الثّاني:"يا رب! أنا جوعان، لم أتعشّ البارحة، والنّاس من حولي لئام، لا يتصدّقون، جُدْ عليّ بمائة ملّيم، نصف خبزة، أنا جوعان يا رب! مائة ملّيم، فقط، هل هذا كثير عليك؟"؛ وما زال الرّجلان يتوسّلان، حتّى ضجّ الأوّل بالثّاني، فحشر يده في جيبه ورمى إليه بمائة ملّيم وهو يصيح:"هذه مائة ملّيم، خذها وانصرف، ودعِ الرّبّ يركّز معي!".

الصحبي الوهايبي