الطيب البكوش: هكذا كانت مجريات الحوار الوطني الّذي قاده الرباعي الدّاعي له (الحلقة العشرون)
عندما اشتد الضغط على حكومة علي العريض (الترويكا) من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، بادر منصف المرزوقي بدعوة بعض الأحزاب إلى الحوار في قصر قرطاج، فحضر عن حركة نداء تونس الرئيس الباجي قايد السبسي وحضرت بصفتي أمينا عاما، واتفقت مع الباجي أن أتكلم وأقترح أن لا يكون التنسيق من أي طرف من السلطة وإنما من طرف محايد ممثل عن المجتمع المدني، وهو الاتحاد العام التونسي للشغل، فقال المرزوقي سأرأس هذا الاجتماع الأول وأنسحب لأترك للأحزاب الستة الحاضرة أمر تدبير الحوار. ورفض الآخرون حضور الاتحاد التونسي للشغل مؤكدين أن القضية سياسية لا تهم غير الأحزاب السياسية. بعد انتهاء الاجتماع والاتفاق على موعد آخر. أعلمني الباجي بأنه لن يعود وطلب مني أن أواصل إن شئت.
في الاجتماع الموالي أكدت في كلمتي مرة أخرى ضرورة أن ينسق الاجتماعات طرف محايد سياسيا يكون شاهدا وحكما. فرفضوا الاقتراح. فقلت لهم: لن تصلوا إلى نتيجة ونحن لن نحضر معكم ما لم تغيروا موقفكم.
وقد عقدوا ستة اجتماعات دون أن يصلوا إلى نتيجة. عند ذلك تكثفت الاتصالات والمشاورات، وتبلورت فكرة الرباعي الراعي للحوار الوطني، بقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل بالإضافة إلى الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان وعمادة المحامين التّونسين.
في سياق هذا الحوار الذي واكبتُه بانتظام، تبلورت فكرة تعويض حكومة الترويكا بحكومة انتقالية من الكفاءات الوطنية تُعد للانتخابات في ظرف سنة دون أن يشارك أعضاؤها فيها كما فعلنا نحن سنة 2011، واقترحتُ أن يرأس هذه الحكومة محمد الناصر الذي شغل عدة مناصب سياسية في السابق أبرزها وزارة الشؤون الاجتماعية، فاعترض عليه راشد الغنوشي مدعيا أنه غير محايد.
وعندما تحدثت مع الأمين العام لاتحاد الشغل حسين العباسي في الموضوع على هامش الاجتماعات وكذلك مع قياديين من منظمة أصحاب الأعمال، تبين لي أنهم لا يرون مانعا في اختيار وزير الصناعة في حكومة علي العريض وهو مهدي جمعة الذي لم أكن أعرفه من قبل لأنه من التكنوقراط الذين قدموا حديثا من فرنسا. وهكذا تشكلت حكومة مهدي جمعة التي استلمت مهامها من حكومة علي العريض القيادي بحزب النهضة الإخواني، وهي التي نظمت انتخابات 2014.
مناورات الترويكا وصياغة الدستور
عندما اشتد الضغط من الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، سعت الترويكا إلى تحقيق مهمة واحدة من المهام التي أوكلت إليها ولم تشأ تحقيقها. ولما كانت الانتخابات لا تتم إلا بالدستور الجديد الذي كان من المفروض أن ينجزه المجلس التأسيسي في ظرف سنة، فقد أعد التأسيسي نسخة من الدستور خلال سنة 2013، وصفها رئيس المجلس مصطفى بن جعفر بأنه أفضل دستور في العالم، وهو دستور لا يعتبر المرأة مساوية للرجل وإنما "مكملة" له. هذا فضلا عن عديد المطبات والعيوب مما جعل أغلبية المواطنين ترفضه فاضطر المجلس لإعداد نسخة أخرى معدلة أعطت لحقوق الإنسان مكانتها رغم بقاء بعض المطبات المتمثلة في تناقضات بين مفهومي مدنية الدولة وأسلمتها، تجعل النص قابلا لتأويلات متناقضة.
والخلاصة هي أن الدستور الجديد هو الذي تم اعتماده لإعداد الانتخابات أواخر 2014.
الطيب البكوش
قراءة المزيد
الطيب البكوش: الحكومة الأولى الانتقاليّة والمجلس الوزاري الأول، جانفي 2011 (الحلقة الثانية)
الطيب البكوش في ورقات جديدة من مذكراته: بين وزارتي التربية والخارجية (الحلقة الأولى)
الطيب البكوش: موقف الاتحاد العام التونسي للشغل من الحكومة الانتقاليّة (جانفي 2011) (الحلقة الثالثة)
الطيب البكوش: بين لجنة الإصلاح السياسي وهيأة حماية الثورة (الحلقة الرّابعة)
الطيب البكوش: استغلال الثورة لبث الفوضى (الحلقة الخامسة)
الطيب البكوش: مباشرة مسؤولياتي في وزارة التربية (الحلقة السادسة)
الطيب البكوش - جانفي 2011: عقد ندوة صحفية بمقر وزارة التربية (الحلقة السّابعة)
الطيب البكوش: قضية مديري المعاهد الثانوية (الحلقة الثّامنة)
الطيب البكوش: قضية النقاب في المؤسّسات التربوية خلال إشرافي على وزارة التربية (الحلقة التّاسعة)
الطيب البكوش: قضية الكاباس وقضايا الانتدابات في التعليم الثانوي (الحلقة العاشرة)
الطيب البكوش: قرارات مختلفة ومواقف مبدئية (الحلقة الثّالثة عشر)
الطيب البكوش: التنسيق بين وزارة التربية والوزارات الأخرى (الحلقة الرابعة عشر)
الطيب البكوش: هكذا كانت الفكرة الأوليّة لتأسيس حركة نداء تونس (الحلقة الخامسة عشر)
الطيب البكوش: لقاءات ومشاورات لتأسيس حركة نداء تونس (الحلقة السادسة عشر)
الطيب البكوش: قضية مقر النداء (الحلقة السابعة عشر)
الطيب البكوش: قضية الجبهات والتحالفات داخل النداء (الحلقة الثامنة عشر)
الطيب البكوش: العنف والاغتيالات السياسية في عهد الترويكا (الحلقة التاسعة عشرة)
- اكتب تعليق
- تعليق