أخبار - 2023.03.03

الطيب البكوش: قضية الكاباس وقضايا الانتدابات في التعليم الثانوي (الحلقة العاشرة)

الطيب البكوش: قضية الكاباس وقضايا الانتدابات في التعليم الثانوي

الكاباس هي مناظرة انتداب أساتذة التعليم الثانوي. وقد أصبحت قضية وطنية لِما شابها من خروقات من الصعب معرفة نسبتها. لكن صحيفة مثل "الصريح" غطت القضية بملف مثير بعناوينه الضخمة من نوع : "حان وقت صلاة الجنازة على الكاباس" أو "الصريح تكشف فضائح الأكتاف والرشوة في الكاباس" أو "بالأكتاف تهدى برقيات التعيين وسعر انتداب الأستاذ فاق عشرة ملايين".

بمثل هذا لا نستغرب ثورة العاطلين عن العمل من حاملي "الأستاذية" خصوصا أن التسمية التي عوضت "الإجازة" توحي بأن حاملها لا يصلح الا ليكون"أستاذا". وهو خطأ كبير في فهم الشهادات الجامعيّة وعلاقتها بعالم الشغل فضلا عن أن المصطلح هو نسخ لكلمة فرنسية تعني التمكن لا التدريس وحده. وفي هذه الملفات نقد للوزراء السابقين الذين حسب الصحيفة "يطلعون علينا بتأكيدات على أن كل انتدابات الأساتذة تمت بالاعتماد على الكفاءة ولا شيء غير الكفاءة، ربما كانوا يقصدون الكفاءة في الدفع، من يدري؟".

هذا الأسلوب الساخر، في جو مناخ ثوري، يزيد من الاحتقان وردّ الفعل العنيف.

والكاباس قيمتها هنا رمزية، لكن المشكل يهم منظومة الانتداب في جميع الاسلاك التي تحتاج الى مراجعة، فالأوضاع الجديدة تقتضي القطع مع الأساليب القديمة في الانتداب لجميع الاسلاك واتباع منهجيّة واضحة شفافة عادلة، لذلك يجب بدءاً أن تضبط الإدارة الحاجيات الحقيقية في كل سلك لضبط الميزانية ضبطا دقيقا للمستقبل.

الإشكال هو أن ميزانية 2011 قد ضُبطت منذ 2010 على الأسس القديمة. ولهذا من الهام تقديم مثال وهو انتداب أساتذة التعليم الثانوي الذي شُرع فيه بقانون صدر منذ 2010 وقد حدد عدد الانتدابات ب 1300 وأُنجزت المرحلة الأولى منه بتَرشح 92 ألفا قُبل منهم خمسة آلاف في الاختبار الأول متعدد الاختيارات (QCM).

حدث هذا قبل الثورة، وكان عليّ أن أكمل المراحل الباقية، فنظمنا الامتحان الكتابي الذي حدد القانون عدد الفائزين فيه بألفين، يتقدمون للمرحلة الثالثة الأخيرة وهي الاختبار الشفاهي الذي يتخرج منه 1300 حسب القانون المنظم. عندما تم الإعلان عن نتائج الاختبار الكتابي بتاريخ أواسط شهر جويلية 2011 اعتصم الناجحون رافضين الاختبار الشفاهي ومطالبين بانتدابهم جميعا، وأصدر المعتصمون بالمدرسة الصيفيّة بسوسة بيانا مطالبين بإلغاء الشفاهي ومعلنين تضامنهم مع المعتصمين في المنستير وبنزرت. وقد وصلني البيان رسميّا يوم 18 جويلية 2011.

أمام خطورة هذا الاعتصام، طلبت من الإدارات الجهوية التي اعتصموا بها أن يجمعوهم وينتخبوا ممثليهم منهم وعينت لهم موعدا بالوزارة.

أعطيتهم الكلمة أولا لأتبين حججهم، فكان جوابهم مؤثرا اذ شكوا طول البطالة وتعدد المناسبات التي شاركوا فيها للانتداب، والبعض منهم لم يسعفه الحظ الاّ هذه المرة. وطلبوا مني أن انتدبهم جميعا وأن أعتبر ذلك "هدية الثورة".

قلت لهم: إني أتفهم جيدا مشاغلكم تلك، ولو لم يكن القانون المنظم سابقا لي، ولم تنجز المرحلة الأولى والثانية، لغيرت تماما المعطيات بقانون مختلف، ولكننا مجبرون عل تطبيق القانون الحالي. ولو لبّيت طلبكم، واشتكى واحد ممّن لم ينجحوا في المرحلة الأولى لحكمت المحكمة ببطلان كامل المناظرة ولخسرتم ما ربحتموه الى الآن وتكونوا قد جنيتم على 1300 من بينكم يسمح القانون بانتدابهم هذه السنة، ولن يغفروا لكم ذلك.

ووعدتهم بأن أبذل قصارى جهدي لتحقيق هدية الثورة التي طلبوها. ويتمثل الوعد في أنّ من تبقى من الألفين، بعد استكمال الشفاهي، يُنتدب في بداية السنة الموالية برتبة أستاذ تعليم ثانوي مكلف بالمكتبة التي يعمل على إنشائها أو إثرائها في معهده بكتب تتولى الوزارة توفيرها. وله أن يتقدم إن شاء الى المناظرة الجديدة لانتداب الاساتذة بقانون جديد يرفع من العدد المطلوب حسب الحاجيات الحقيقية والميزانية الجديدة، وتكون له مكافأة خاصة لأنه نجح في مرحلتين على ثلاث. فاقتنعوا بالتقدم إلى الاختبار الشفاهي على هذا الأساس.

وبعد أن ضبطت مع الإدارة الماليّة بالوزارة كلفة هذا الوعد، وهي سبعة ملايين دينار، في ميزانية 2012 طلبت من زميلي جلول عياد، وزير المالية أن يوفر لي هذا المبلغ. ومن الغد قال لي إن بإمكانه أن يرصد هذا المبلغ في ميزانية السنة الجديدة.

وأذكر أن محمد عبو الذي عُين في حكومة الترويكا وزيرا للإصلاح الإداري، اتصل بي هاتفيا في بداية سنة 2012 لأوضح له سرّ هذا المبلغ الإضافي الموجود في الميزانيّة، فشرحت له الأمر وقلت له إنني عرضت الأمر على المجلس الوزاري الذي وافق عليه، وطلب مني نسخة من المحضر فقلت له: تجد ذلك في وثائق الوزارة الأولى لأنني لم أحمل معي هذه الوثائق عند المغادرة.

قراءة المزيد

الطيب البكوش: الحكومة الأولى الانتقاليّة والمجلس الوزاري الأول، جانفي 2011 (الحلقة الثانية)

الطيب البكوش في ورقات جديدة من مذكراته: بين وزارتي التربية والخارجية (الحلقة الأولى)

الطيب البكوش: موقف الاتحاد العام التونسي للشغل من الحكومة الانتقاليّة (جانفي 2011) (الحلقة الثالثة)

الطيب البكوش: بين لجنة الإصلاح السياسي وهيأة حماية الثورة (الحلقة الرّابعة)

الطيب البكوش: استغلال الثورة لبث الفوضى (الحلقة الخامسة)

الطيب البكوش: مباشرة مسؤولياتي في وزارة التربية (الحلقة السادسة)

الطيب البكوش - جانفي 2011: عقد ندوة صحفية بمقر وزارة التربية (الحلقة السّابعة)

الطيب البكوش: قضية مديري المعاهد الثانوية (الحلقة الثّامنة)

الطيب البكوش: قضية النقاب في المؤسّسات التربوية خلال إشرافي على وزارة التربية (الحلقة التّاسعة)



 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.