الطيب البكوش: موقف الاتحاد العام التونسي للشغل من الحكومة الانتقاليّة (جانفي 2011) (الحلقة الثالثة)
كان الاتحاد العام التونسي للشغل مساندا لمبدأ حكومة وحدة وطنية إذ راسل الأمين العام عبد السلام جراد الوزير الأول محمد الغنوشي مقترحا ثلاثة أسماء لوزراء يشاركون باسم الاتحاد وهم مصطفى بن جعفر وحسين الديماسي وعبد الجليل البدوي، ثم تم سحبهم لأسباب سياسية.
كان الاتحاد حريصا على عودة الحياة الطبيعية الاقتصادية والإدارية والتربوية ولكن بعض نقابات التعليم قد دعت إلى مقاطعة الحكومة الانتقالية بسبب وجود أسماء محسوبة على النظام السابق مطالبة بتغييرها. وهذه النقابات تهيمن على قياداتها تيارات سياسية قد تُغلف مواقفها بغطَاء نقابي، مما دفعني في بعض الأحيان أثناء لقائي بهم الى الخوض معهم في مسائل سياسية. وأعتقد أنني أقنعتهم بأنني لم أقبل وزارة التربية لذاتها وإنما للمساهمة في تحقيق أهداف الثورة وشعاراتها المشروعة ولا سيما الشغل والكرامة ورفع المظالم. ويتمثل ذلك في السياسة الجديدة في الانتداب في جميع الأسلاك. وما سهّل علي ذلك هو أنني تحملت مسؤوليات نقابية في السبعينات والثمانينات بما فيها جامعة التعليم في السبعينات والأمانة العامة للاتحاد العام التونسي للشغل خلال السنوات الأربع الأولى من الثمانينات.
وبعد التشاور مع جميع الأطراف بما فيها نقابات التعليم تم الاتفاق على وضع حد لتعطل الدروس منذ العاشر من شهر جانفي 2011 واستئنافها طبقا لرزنامة تدريجية ابتداءا من يوم 24 جانفي 2011 وتتواصل يومي 25 و26 جانفي مع تفصيل الزمن المدرسي الذي يأخذ بعين الاعتبار منع الجولان من الثامنة مساءا الى الخامسة صباحا مع التوصية بافتتاح الدروس بالترحم على الشهداء وأرواح ضحايا الأحداث.
كان ذلك رغم تواصل حالة الطوارئ والاحتجاجات وحتى دعوة قيادة نقابة التعليم الأساسي الى إضراب سياسي مفتوح ضد أعضاء الحكومة غير المرغوب فيهم. لكن هذا الإضراب لم يحض بمساندة الرأي العام. وقد كان لقرار العودة المدرسية صدى إيجابي لدى الجميع رددته مختلف وسائل الاعلام في تلك الفترة.
والملاحظ أن بعض النقابات في المجال التربوي مشاغلها مهنية بالأساس، تتعلق بحقوق مادية ومعنوية لابد في نظري من ربطها بالواجبات. فالحق والواجب وجهان متلازمان لعملة واحدة تؤكدهما المجالات الدلالية لمصطلحاتها، فما كان حقا لك، هو واجب على غيرك، وما كان واجبا عليك هو حق لغيرك، فالحقوق والواجبات ليست من المفاهيم والقيم الفردية وإنما هي جماعية.
التعديل الوزاري الأول
الوزراء الجدد الذين أدّوا اليمين أمام رئيس الجمهورية يوم الجمعة 28 جانفي 2011 في آخر الصباح هم:
• فرحات الراجحي، وزير الداخلية (خلفا لأحمد فريعة)
• حبيبة الزاهي بن رمضان، وزيرة الصحة العمومية (خلفا لمصطفى بن جعفر)
• محمد الناصر، وزير الشؤون الاجتماعيّة (خلفا لمنصر الرويسي)
• مختار الجلالي، وزير الفلاحة والبيئة (خلفا لحبيب مبارك)
• سعيد العايدي، وزير التكوين المهني والتشغيل ( خلفا لحسين الديماسي)
• الياس الجويني، وزير معتمد لدى الوزير الأول مكلف بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والتنسيق مع الوزارات المعنية. وهو لا يعوض وزيرا بعينه وإنما يعني إعادة تشكيل وتوصيف مهام.
• عبد الكريم الزبيدي وزيرا للدفاع (خلفا لرضا قريرة)
• أحمد ونيس وزيرا للخارجية (خلفا لكمال مرجان)
ورغم هذه التعديلات فإن الاحتجاجات لم تكفّ والاعتصامات بالقصبة لم تنقطع. وبعد اعتصام القصبة الأول، قرر محمد الغنوشي أن يغادر القصبة ويستقر في الجناح الإداري من قصر قرطاج. وهناك انعقد أول اجتماع للحكومة بتركيبتها الثانية يوم الثلاثاء غرة فيفري 2011 برئاسة فؤاد المبزع.
وإثر الاجتماع، أدليتُ للصحافيين بتصريح يهم المحاور التي تناولها المجلس وهي سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية.
وفي هذا الصدد، نظر المجلس في مشروع قانون يفوض للرئيس اتخاذ مراسيم طبقا للفصل 28 من الدستور للتسريع بإجراءات الانتقال الديمقراطي وتنظيم الانتخابات ومراجعة القوانين المنظمة للأحزاب والجمعيات ومجلة الصحافة وقانون الإرهاب. هذا الى جانب إصدار أوامر لإحداث لجان وطنيّة وهي:
• لجنة الإصلاح السياسي.
• لجنة تقصي الحقائق في التجاوزات المسجلة في الفترة الأخيرة.
• لجنة تقصي الحقائق في قضايا الفساد والرشوة.
كما نظر المجلس في :
• إعادة هيكلة المجلس الأعلى للاتصال.
• اتخاذ الإجراءات والآليات لتأمين الإعداد الجيد للانتخابات القادمة.
• النظر في موضوع التصريح على الشرف المُلزِم لجميع كبار المسؤولين في الدولة، حكومة وولاة ومديرين عامين لمؤسسات وطنية.
• القيام بالمبادرات المطروحة داخليا وخارجيا لاسترجاع الأموال المنهوبة.
• انضمام تونس الى اتفاقيات دُوليّة هامة منها:
- الحماية من الاختفاء القسري.
- البروتوكولات الاختيارية الملحقة بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وكذلك البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية الأممية لمناهضة التعذيب وكل أشكال المعاملة المهينة.
- الانخراط في منظومة روما (المحكمة الجنائية الدولية).
- رفع عديد التحفظات المتصلة بالاتفاقية الدولية لمكافحة التمييز ضد المرأة (سيداو).
أما في خصوص الوضع الاقتصادي والاجتماعي، فقد أقر المجلس إحداث لجنتين وزاريتين هامتين تتولى الأولى:
• مساعدة المؤسسات المتضررة من الأحداث الأخيرة للحفاظ على مواطن الشغل، وتعزيز الإحاطة بالمستثمرين في المناطق ذات الأولوية.
• تعيين متصرفين قضائيين في المؤسسات الراجعة بالملكيّة الى من هم محلّ تتبعات عدلية بسبب الفساد، مع الحرص على صيانة العاملين فيها.
أما اللجنة الثانية فتتكفل بقضايا التشغيل.
وتقرر كذلك التسريع بتقديم مساعدات اجتماعية للعاطلين من خريجي الجامعات وأُسر ضحايا الثورة والأحداث الأخيرة.
وعبّر المجلس عن حرصه على رفع كل الالتباسات بين السلطة السياسية والجهاز الأمني الذي يجب تعزيز ثقة المواطن فيه. وفي هذا الصدد وجّه تحية إكبار لقواتنا في الجيش والأمن ومختلف أجهزتهما الذين قدمّوا تضحيات جساما حفاظا على مكاسب الشعب ومؤسسات الدولة وأمن المواطنين.
وقد توجهت أخيرا باسم المجلس بنداء إلى كافة المواطنين للرجوع إلى مراكز عملهم حتى تعود الحياة إلى طبيعتها ضمانا لتحقيق أهداف الثورة في كافة المجالات.
قراءة المزيد
الطيب البكوش: الحكومة الأولى الانتقاليّة والمجلس الوزاري الأول، جانفي 2011 (الحلقة الثانية)
الطيب البكوش في ورقات جديدة من مذكراته: بين وزارتي التربية والخارجية (الحلقة الأولى)
- اكتب تعليق
- تعليق