الطيب البكوش - جانفي 2011: عقد ندوة صحفية بمقر وزارة التربية (الحلقة السّابعة)
عقدت منتصف نهار السبت 22 جانفي 2011 بمقر وزارة التربية ندوة صحفية شرحت فيها أسباب قبولي منصب وزير التربية بعدما كنت أرفض التوزير، لاعتقادي أن أخطارا جسيمة تحدق بالبلاد في هذه الظروف الاستثنائية، من الداخل والخارج. لذلك دعوت الى اليقظة من الذين يستغلون مَناخ الفوضى لتحويل الثورة الى فوضى عارمة، تعمل الحكومة الانتقالية على تجنيب البلاد ويلاتها وتحقيق أهداف الثورة، وأن من ثبت تورطه في فساد يحاسب حتى ولو تبين أنه عضو بالحكومة الانتقالية، مع التأكيد على أن قرارات الحكومة الانتقالية أساسية وهي ثورية، مثل فصل الدولة عن الحزب الحاكم حتى لا ينفرد بالسلطة شخص أو حزب أو فئة.
وفي خصوص ما ذكره لي المعتصمون من فساد في وزارة التربية، قلت إني لن أعاقب أحدا إلاّ بحجج ثابتة. وكنت طلبت من المدير العام للتعليم الثانوي توضيحات في شأن الشكاوى فأكد لي وجود تجاوزات، وأمدني بجملة من الوثائق تَبين لي بعد فحصها أن الأرقام المعلنة رسميا في المناظرات لا تتجاوز نصف الحاجة الحقيقية وأن ملأ النقص يتم من خارج المناظرة بأشكال متعددة منها بالخصوص التدخلات. فطلبت نماذج من التدخلات، تبين منها أنها صادرة أساسا عن محيط الرئاسة بقرطاج وبعض الوزارات والنافذين في الدولة والحزب الحاكم. وأمدني حتى بتدخل من مسؤول نقابي.
هذه المعلومات أفادتني كثيرا في القرارات الجديدة التي اتخذتها في ما يخص عدالة الانتدابات وشفافيتها.
وأعلنت في الندوة الصحفية عن تاريخ العودة المدرسية يوم 24 جانفي 2011، وأجبت الصحافيين عن الضمانات التي ستتوخاها الوزارة لإنجاح العودة المدرسية رغم تواصل حالة الطوارئ، ووضحت لهم الكيفية التي سأتوخاها لتجاوز الخلافات مع نقابات التعليم المضربين والرافضين للحكومة الانتقالية، ووضحت أن قرار العودة قرار سياسي لثقتنا في التحسّن التدريجي للأوضاع الأمنية، وتلبيةً لرغبة الأولياء الذين يخشون بقاء أبنائهم في الشوارع عرضة لعديد المخاطر.
وفي ما يخص سير الوزارة أكدت أنني سأواصل الإجراءات الإصلاحية التي بدأها سلفي حاتم بن سالم وأكدت ذلك أيضا بحضوره في لقاء تسلّم المهام، لإيماني بضرورة تواصل الدولة.
المشاورات مع مختلف الأطراف التربوية
أصبحت المشاورات واللقاءات جزءا من النشاط اليومي مع مختلف الادارات في الوزارة ومع مختلف النقابات وهي حوالي العشرة، بمن فيهم من المديرين، ومع الأولياء.
وللحقيقة أقول إنني لم أفكر في اجتماعي بالتلاميذ إذ ليس لهم هياكل مثل الطلبة في الجامعة، الى أن حدث أمر لم يكن منتظرا، إذ سمعت وأنا في مكتبي بالوزارة ضجيجا وشعارات غير مفهومة بأصوات أطفال، فسألت مدير الديوان عن الأمر، فابتسم في حرج ثم قال هم تلامذة المدرسة الصادقية القريبة في مسيرة. فسالته عن الشعارات المرفوعة، فقال لي باسما: يقولون " يا بكوش، سمعت الناس كلهم إلا التلميذ ما سمعتوش" (لم تسمع التلميذ). فقلت كم عددهم؟ قال حوالي الخمسين، فقلت له أدخلهم جميعا الى القاعة الكبرى. وعندما امتلأت بهم القاعة، دخلت فلاحظت وجود التلفزة التونسية التي كانت تغطي تحركهم في الشارع، فتركتها في القاعة، وحضر معي طبعا كاتب الدولة وأعضاء الديوان وبعض المديرين المعنيين.
بعد الكلمة الافتتاحية، أعطيت الكلمة لكل من طلبها منهم، ودام اللقاء بهم خمس ساعات سجلتها القناة الوطنية كاملة. ولم أتوقع أن تبث منها ثلاث ساعات فيها مآخذ للتلاميذ على بعض الأساتذة وخاصة الذين يجبرونهم على متابعة دروسهم الخاصة بمقابل، وهو أمر أغضب بعض الأساتذة ورأو أن في ذلك إثارة للتلاميذ ضدّ أساتذتهم.
وامام الصدى الذي أحدثه ذلك البث التلفزي اتصل بي مديرون جهويون ليؤكدوا لي أن التلاميذ في جميع الولايات يريدون اللقاء بي. ولما كان الانتقال الى الولايات للقاء التلاميذ أمرا غير ممكن، طلبت من المديرين أن ينظموا لقاءات جهوية ينتخب فيها التلاميذ فتى وفتاة من كل جهة حتى يحصل التناصف. وعينت لهم تاريخا قريبا وهو يوم السبت 5 فيفري 2011 للمجيء الى الوزارة.
وبذلك اجتمعت بعدد لا يقل عن الذين اجتمعت بهم صدفة وتساوت فيها الجهات من الجنسين. وكان لهم ذلك. وشعرت انهم كانوا يرغبون في ان تبثّ التلفزة ذلك اللقاء، لكنهم اقتنعوا بان الجدوى تتمثل في أخذ مقترحاتهم الإيجابية المشروعة بعين الاعتبار في الخطة التربوية التي سنتوخاها. ولعل الإضافة في هذا اللقاء الثاني بالتلاميذ هو المشاكل في الجهات المختلفة التي أخذناها أيضا في الاعتبار.
ولكن للحقيقة أيضا أقول إن جلّ تدخلات التلاميذ كانت تدل على نضج ووعي بقضايا التعليم وإشكالياته وخاصة غياب قنوات الحوار، مما دفعني إلى التفكير ثم اتخاذ قرار تكوين أو تفعيل، حسب الأوضاع الخصوصية، لجان المؤسسة التربوية التي تضم ممثلين عن الأطراف الأربعة وهي المربون والتلاميذ والاولياء والإدارة. فأنا مقتنع بجدوى الحوار ونشر ثقافته بين الأطراف المعنية بالعملية التربوية. وهو يُحمّل جميع الاطراف مسؤولياتها ويُدرّب التلميذ على التفاوض والحوار والنقاش، وهو شكل من أشكال ممارسة حقوق المواطنة وواجباتها ويساعد على حل المشاكل الطارئة وإزالة الاحتقان وتجاوز سوء التفاهم بالتكامل والتفاعل الإيجابي الخلاّق.
وقد أفادتني في ذلك خلفيتي النقابية والحقوقية دون ريب، فضلا عن تجربتي التربوية في المعاهد والمؤسسات الجامعية وفي مختلف المنتديات الفكرية والعلمية والثقافيّة.
الطيب البكوش
قراءة المزيد
الطيب البكوش: الحكومة الأولى الانتقاليّة والمجلس الوزاري الأول، جانفي 2011 (الحلقة الثانية)
الطيب البكوش في ورقات جديدة من مذكراته: بين وزارتي التربية والخارجية (الحلقة الأولى)
الطيب البكوش: موقف الاتحاد العام التونسي للشغل من الحكومة الانتقاليّة (جانفي 2011) (الحلقة الثالثة)
الطيب البكوش: بين لجنة الإصلاح السياسي وهيأة حماية الثورة (الحلقة الرّابعة)
الطيب البكوش: استغلال الثورة لبث الفوضى (الحلقة الخامسة)
الطيب البكوش: مباشرة مسؤولياتي في وزارة التربية (الحلقة السادسة)
- اكتب تعليق
- تعليق