أخبار - 2023.03.02

محمد سعيد كمّون: أصول عائلة كمّون بين نبل القيم وأسرار الامتياز

محمد سعيد كمّون: أصول عائلة كمّون بين نبل القيم وأسرار الامتياز

لا يمكن فهم شخصية العديد من أصيلي صفاقس دون التعرف على ملامح أجدادهم المتميّزين والغوص في مقومات هويّتهم والتمعّن في مسيرتهم. ولعلّ من أبرز الشخصيات التي طبعت تاريخ صفاقس محمد سعيد كمون (1868- 1945)، الرجل العصامي الذي نجح في عديد الأعمال وكان أوّل من مثّل الجهة بالمجلس الاستشاري (1907)، وكان عضوا بالمجلس الكبير (1922) وأوّل من أسّس مدرسة قرآنية (1908) ونال عديد الأوسمة منها نيشان الافتخار، وجوقة الشرف (الفرنسي) وشهادات الامتياز الدولية في الزيت. 

رسخ اسم محمد سعيد كمّون في المخيال علامة مضيئة، ولكن خصائص جذوره ونشأته وانطلاقه في التجارة ثم الفلاحة وعصر الزيت وغيرها، ومناهجه في الأعمال وحياته الأسرية بقيت مغمورة لا نعرف منها سوى شذرات قليلة. وها هو أحد أحفاده، ماهر كمّون، الشغوف بالتاريخ، يتحفنا بكتاب قيّم نشره حديثا تحت عنوان: "محمد سعيد كمّون، أصول متجذّرة وفروع متألقة"، وجاء محلّى بصور تاريخية ووثائق نادرة.

ميزة هذا الكتاب أنّه لا يقتصر فقط على تاريخ عائلة أصيلة من مدينة صفاقس، وإنّما يستعرض من خلال تعاقب الأجيال المتوالية، توارث جملة من القيم والخصال تجلب التقدير والاحترام وتؤسّس للنجاح. ولعلّ هذه الشيم النبيلة التي طبعت مسيرة أفراد العائلة منذ أكثر من قرن ونصف، هي التي صهرت هويتهم جميعا في علامة فارقة أساسها العمل والتواضع وفعل الخير.

أنجب محمد سعيد كمّون من زوجات متتالية 8 أبناء و6 بنات، خلّفوا83 حفيدا وأنجب هؤلاء الأحفاد بدورهم 277 حفيدا، نجد من بينهم عديد الأطباء والقضاة والمحامين والجامعيّين والباحثين والمدرّسين ورجال الأعمال وغيرهم في شتّى القطاعات، يشتركون جميعا في نفس الخصال الحميدة.

الأصول

يذكر المؤلف ماهر كمّون في كتابه أن أصول عائلة كمّون تعود إلى فرع النواولة الذي كان من الأعشاش، من أسس عائلات صفاقس وهو يدل على اسم نبتة لها فوائد شفائية ونكهة في الطبخ، وبرز من بين أفراد هذه العائلة الأوائل الولي الصالح سيدي عَمَره كمّون (بفتح العين) ابن الرايسأحمد كمّون الذي عاصر في القرن 17 الدولة المرادية وكان له فضل في شفاء الباي مراد الثاني الذي أصيب بحمّى عند زيارته لصفاقس.

وقد ولد محمد سعيد كموّن سنة 1868 وعاش وهو في سنّ الثالثة عشر من عمره وقائع مقاومة صفاقس للاحتلال الفرنسي في جويلية 1881 واستبسال الأهالي في التصدي للغزاة المستعمرين، ممّا أثّر كثيرا على شخصيته وجبل في نفسه روح الوطنية.
وانطلق وهو لا يزال يافعا في تجارة التوابل التي كان يحرص بنفسه على انتقاء أجودها وإعدادها وبيعها وسرعان ما راجت تجارته وتوسعت لتمتدّ إلى الجنوب التونسي والعاصمة وسوسة والمهدية وقد حفّزه هذا النجاح على اقتحام التجارة الخارجية تصديرا وتوريدا، لعديد المواد مثل الزيت والتمور وغيرها، وكان يستثمر جزءا هاما من أرباحه في الفلاحة، مهتمّا بغراسة الزياتين، ثمّ بعصر الزيت وترويجه.

أسرار النجاح

ولعلّ سر نجاح محمد سعيد كمّون لا فقط في أعماله وإنّما أيضا في حياته الخاصة، اعتماده على أربع قواعد أساسية هي: توزيع الأنشطة على عدة قطاعات حتى لا تتضرّر من أزمة قطاع، والإلمام الدقيق بتطوّرات الأسواق، حاجيات وعروض وأسعار وكميات، والتزام بالتعهّد احتراما لمصداقيته والانخراط في خدمة الغير وتقديم العون ويد المساعدة للمحتاجين.

وأضحت هذه المناهج نبراسا يهتدي بها جميع أفراد عائلة كمّون، ومثالا يقتادون به، يتوارثونه جيلا بعد جيل.

سجل عائلي

وبقدر ما اعتنى المؤلف بسيرة محمد سعيد كمّون وبيئته، بقدر ما توفّق أيضا في تقديم أبنائه وبناته، وأحفاده والعديد من أحفاد الأحفاد، في تسلسل تاريخي، وتولّى التعريف بمسيرتهم، كما اهتم بإدراج صور ووثائق ثمينة أضفت على مجمل الكتاب صبغة فنية رائعة وميزة توثيقية هامة.

ولئن يتوجه الكتاب بدرجة أولى إلى أفراد عائلة كمّون والعائلات المتصاهرة، فإنّه في الواقع مبعث فخر واعتزاز، يعزف على أوتار هوية أبناء صفاقس، ويحيي في مخيلتهم ذكريات عذبة ويرسّخ في نفوسهم مقوّمات الأصالة وأنبل القيم.

توفيق الحبيّب



 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.