أخبار - 2023.03.03

اتفاق الحبوب بين روسيا و أوكرانيا... هل هي عودة طائر النوء المنذر بالعاصفة؟

اتفاق الحبوب بين روسيا و أوكرانيا... هل هي عودة طائر النوء المنذر بالعاصفة؟

بقلم عبد المجيد الشعار - في غضون هذا الشهر تنتهي ''صلوحية'' الاتفاق المبرم بين روسيا و أوكرانيا في أوائل شهر جويلية من السنة الماضية بوساطة تركيا و الأمم المتحدة، ذالك الاتفاق الذي سمح بتصدير السلع الزراعية من موانئ البحر الأسود و عبر ممر امن للبواخر التي تخضع لمراقبة المفتشين الامميين  والأتراك والروس والاكرانيين المتواجدين في مركز المراقبة باسطنبول.

عودة الوعي و لو إلى حين...

عندما استأنفت روسيا المشاركة في الاتفاق في أوائل نوفمبر الماضي بعد أن انسحبت منه قبل شهر احتجاجا على استهداف أسطولها في بحر القرم، تمكنت اوكرانيا خلال مائة و عشرين يوما من تصدير 22 مليون طن من القمح مما ساهم في تهدئة أسواق المنتجات الفلاحية في العالم.

و في أوقات السلم كانت أوكرانيا تزود الأسواق العالمية بحوالي 45 مليون طن من الحبوب سنويا و تعتبر ضمن الخمس دول الأولى المصدرة للحبوب واكبر مصدر للزيوت النباتية مستحوذة على 45 بالمائة من الناتج العالمي، و هي بذلك تعتبر مطمورة العالم.

كرونولوجيا الأحداث...

لقد أدى نشوب النزاع المسلح الروسي الأوكراني في فيفري من السنة الماضية إلى تجميد الصادرات الغذائية لأوكرانيا وأشعل أسعار الحبوب في البورصات العالمية حسب ما أعلنت عنه منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة على ضوء مؤشر الأسعار العالمي الذي سجل ارتفاعا لم تشهده البشرية منذ ثلاثين عاما.

و في 14 مارس 2022 أي بعد شهرا من اندلاع الحرب أطلق الأمين العام للأمم المتحدة صيحة الفزع منبها لوشوك حلول كارثة إنسانية سترمي بحوالي مليار وسبعة مائة مليون شخصا في براثن الفقر وسوء التغذية ...
و حسب منضمة الفاو، فان هناك 45 دولة افريقية ذات الدخل المنخفض والعجز الغذائي ستتعرض لهذه الأزمة الغذائية وتعصف باقتصادياتها الهشة ... وضمن هذه المجموعة هنالك 18 دولة تستورد 50 بالمائة من احتياجاتها من الحبوب من أوكرانيا.
و في افريل 2022 ناقش الأمين العام للأمم المتحدة مع الرئيسين بوتين وزيلانسكي  أهمية تواصل الإمدادات الغذائية إلى الدول الإفريقية المحتاجة و كذالك إلى دول أخرى على حافة الانهيار الاقتصادي والمجاعة مثل سوريا و اليمن و جنوب السودان و أثيوبيا و الصومال...

أزمة الأخلاق وخطاب الصدق...

نظرا لدقة الأوضاع الجيواستراتيجية العالمية من جراء الحرب الروسية الأوكرانية و تفاديا لتفاقم الأزمة الغذائية، عين الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثا خاصا للمسائل الإنسانية وهو مارتن قرفيث، وفي الأثناء، تزايدت الأسئلة حول مصير صادرات الحبوب ونصيب الدول الفقيرة والمحتاجة منها علما بان الاتفاق الروسي الأوكراني لم يشر إلى خريطة توزيع الأغذية إلا أن الأرقام المصرح بها في الدوائر الأممية تخفي حالة من عدم التوازن والضيم في حق الدول السائرة في طريق النمو و خاصة في إفريقيا.
نلاحظ انه خلال الخمس الأشهر الأخيرة أكثر من 12 مليون طن من الحبوب والذرة غادرت الموانئ الأوكرانية نحو البلدان التالية، حسب التدرج:

اسبانيا (2.5 مليون طن)

الصين (2 مليون طن)

تركيا (1.9 مليون طن)

ايطاليا ( 1.3 مليون طن)

هولندا ( 898 ألف طن)

مقابل ذالك حصلت الدول الإفريقية على 17 بالمائة فقط من مجموع الكميات المصدرة!

ويبدو جليا على ضوء هذه الأرقام، أن الاتفاق المبرم لم يكن هدفه الأساسي هو تفادي حدوث المجاعة الداهمة في ربوع إفريقيا، بقدر ما كان منشغلا بالعمل على تثبيت الأسعار في الأسواق الدولية والبلدان الغنية ..وهكذا غابت الأخلاقيات السياسية وحل الجشع الغذائي على موائد الكبار...

دول الجنوب و البحث عن صدريات النجاة...

على ضوء التحركات التصعيدية على جبهة القتال في أوكرانيا وعدم توقع انفراج قريب في مسار الحرب ومال فرص تجديد اتفاق التصدير بين روسيا وأوكرانيا، بدأت الدول الفقيرة تبحث عن صدريات النجاة توقيا لاستفحال الأزمة الغذائية والقلاقل الاجتماعية التي تصطحبها، معلنة عن العديد من الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية تحسبا لما قد يحدث...

فهذه مصر، التي تعتبر ضحية مباشرة للحرب في أوكرانيا تستورد سنويا 12 مليون طن من الحبوب من كلا البلدين، تصبح بفعل تناقص مخزونها من الحبوب من أول دول العالم استيرادا لهذه المادة، لضمان رغيف الخبز المدعم لمواطنيها.

هنالك بلدان أخرى مثل لبنان الذي يعتمد بنسبة 51 بالمائة على استيراداته من روسيا وأوكرانيا في حين تعول تركيا بنسبة 100 بالمائة تقريبا على استيراداتها الغذائية من نفس المنطقة.

في هذه الأثناء تنغلق أوروبا على نفسها و تعمل في زمن الحاجة، إلى تكوين مخزون استراتيجي محلي يقيها من تقلبات الأسواق ويدفعها إلى الحد من مبادرات التصدير، في توجه تدريجي يذكرنا بحقب الحماية التجارية المتشددة.

وحسب إحصائيات الأمم المتحدة فان انخفاض الأسعار تدريجيا بعد الإعلان عن اتفاق تصدير الحبوب في فيفري من السنة الماضية، أنقذ حوالي 100 مليون شخص من السقوط في حالات الفقر القصوى!

أما بالنسبة لأوكرانيا فان تواصل عمليات التصدير لمنتوجاتها يمثل مسالة حياة أو موت... إلا أن الخناق بدأ يشتد حولها وستتعثر طرق التصدير البحرية إذا لم يجدد اتفاق التصدير في موفى شهر مارس الحالي، مما سيحتم على أوكرانيا اللجوء إلى استعمال النقل الحديدي و تلك صعوبة كاداء في وجه المسؤوليين الأوكرانيين الذين يقرون بصعوبة ذلك نظرا لعدم تلاؤم سكك الحديد المحلية مع المواصفات الأوروبية في الدول المجاورة كرومانيا على سبيل المثال، و حتى و إن حصل ذالك، فان عملية النقل إلى خارج الحدود الأوكرانية قد تتجاوز الاثني عشر يوما  و تلقي بضلالها على مستوى الأسعار العالمية...

هل تجديد الاتفاق وارد؟

الجواب هو بالإيجاب، إذ أن ذلك يخدم مصالح البلدين، فروسيا سيمكنها الحصول على المستلزمات الفلاحية من أسمدة ومواد أخرى خاضعة للعقوبات المسلطة عليها وسيمكنها تجديد الاتفاق من التمكن من ورقة ضغط جديدة في جولة المفاوضات القادمة ولعب دور أكثر تأثيرا على أوكرانيا ومستقبلها السياسي والاقتصادي.

وحتى الوسطاء التقليديون مثل الرئيس التركي اردوغان الذي يثق بدوره كوسيط فاعل بين روسيا و الغرب وكذلك أيضا الأمين العام للأمم المتحدة، هو الأخر، سيحتفظ بدور هام في متابعة الإشراف على هذا الاتفاق الاستراتيجي الهام و القيام بدور المدافع عن مصالح الدول الفقيرة التي كانت أثار الحرب هي الأشد تدميرا على اقتصادياتها وأمنها الغذائي، و لعل ذلك سيجعل انطونيو قوتيراس، اقل عرضة للانتقادات الموجهة إليه لعدم قدرته على إصلاح الأوضاع المتردية جراء الإعصار غير المسبوق الذي أحدثته الحرب في أسواق الدول المصنعة و الفقيرة على حد سواء.....و هكذا، و خلافا لما يقال، ستجري الرياح... بما تشتهي السفن، إن شاء الله!

عبد المجيد الشعار
إعلامي اممى

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.