الطيب البكوش: موسم الأعياد والأسفار الرسمية (الحلقة السابعة عشرة)
ندوة منظمة العمل العربية بعمان-الأردن
هي منظمة عربية على غرار منظمة العمل الدولية بجنيف.
حضرت أشغالها ممثلا عن الاتحاد العام التونسي للشغل وألقيت خطابا شد انتباه الحاضرين لأنهم فيما أظن لم يتعودوا في المحافل العربية على مثل هذا الخطاب، والبعض من الحاضرين تساءل: " كيف يمثل دكتور جامعي العمال؟ ولعلهم لا يعرفون أن الحركة النقابية التونسية منذ حركة محمد علي الحامي في عشرينات القرن العشرين قد انبنت منذ قرن من الزمان ثم مع فرحات حشاد على وحدة العاملين بالفكر والعاملين بالساعد، وهو أمر نادر في البلاد العربية.
وكان سفير تونس بعمان محمود شرشور، وهو من الدستوريين القدامى، حاضرا، فاتصل بي وقال: " لم أكن أعرفك الا بالسماع، ولكني أيقنت الآن أن مؤتمر قفصة كان راشدا عندما انتخبك أمينًا عاما".
وكان من المفروض أن يكون حميد جلود، أمين عام اتحاد العمال العرب هو الذي يرأس وفد التفاوض باسم الجانب النقابي العربي، ولكن سوء تصرفه جعل الوفود النقابية العربية تطلب مني رئاستها. وقدت التفاوض مع الطرفين الآخرين أي أصحاب الأعمال والحكومات. وفي نهاية الحوار علق وزير الشغل الأردني د .العناني الذي يرأس كامل الندوة باسم البلد المضيف، ملتفتا إلي وقال:" أرى أني أمام أساطين التفاوض، ولبى اقتراحي بشأن حل المشاكل العالقة، ثم جاء نائبه ليعتذر للوفود النقابية العمالية. وقد اقترح بعضهم أن يتخذ خطابي وثيقة عمل رسمية.
في قصر الجمهورية مع الرئيس بورقيبة
دعيت مع عاشور لحضور حفل غداء يوم 18 مارس 1983 أقامه رئيس الجمهورية على شرف الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. ثم عدنا يعد يومين إلى القصر احتفالا بعيد الاستقلال يوم 20 مارس 1983 بحضور ذات الضيوف. أثناء تقديم التهاني قدمني الرئيس بورقيبة للرئيس بن جديد قائلا:" هذا الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل. وقد انتخبه مؤتمر. أما الآخر (يقصد عاشور) فقد تم تعيينه رئيسا من بعد.
وقد سافرنا معا يوم 7 أفريل 1983 إلى مدريد بدعوة من النقابات الاسبانية. وعند العودة قال عاشور لبعض النقابيين من بينهم محمد الصالح خريجي بالفرنسية: “الطيب كان جيدا في مدريد".
في قصر قرطاج يوم 13 أفريل 1983
دعيت إلى القصر الرئاسي بقرطاج عن طريق وزير التعليم العالي عبد العزيز بن ضياء، ضمن وفد الجامعيين، ومعي عن نقابتي التعليم العالي جنيدي عبد الجواد ومحمد الزواري.
واقترحت على الوزير بن ضياء دعوة عاشور معي. فطلب هاتفيا مراسم القصر،" فأجابه عبد المجيد القروي بعد الاستشارة،" لا نرى مانعا". ولكنه بدل دعوته باقتراح مني، دعاه باسم المراسم، فأجابه عاشور بأن الدعوة وجهت للناس منذ أيام فلماذا لم يتذكروه الاّ يومها؟ ورفض بحدة.
وعندما صافحت الرئيس، سألني عن المادة التي أدرسها في الجامعة. ثم سألني عن عاشور. فقلت له:" لم تصله الدعوة إلا صباح اليوم فلم يتمكن من الحضور لأن له التزامات السابقة" ، فقال لي الرئيس:" كنت أريد أن أقول له إنني قررت إعادة بناء ضريح حشاد ليكون لائقا. فقد كان حشاد يحبني ويقدرني كثيرا رحمه الله. وسوف يدخل الضريح في مشروع القصبة الكبير".
وعندما علم عاشور بجوابي للرئيس عن غيابه دفاعا عنه قال لي:" أهلكتهم"(أي أضررت بمن تأخر في إعلامي) فقلت له": ذلك هو الواقع، فلماذا أخفيه عن الرئيس؟"
عيد الشغل العالمي في غرة ماي 1983
لم يكن عاشور موافقا على تنظيم مسيرة كما اقترحت عليه، متخوفا من رد فعل نقابة التعليم الثانوي إثر قرار توحيدهم. وأمام إصرار محمد شقرون على تنظيمها، حمله عاشور مسؤولية نتائجها.
لكن المسيرة كانت ناجحة جدا مثلما نجحت مسيرة 5 ديسمبر 1982، في ذكرى استشهاد فرحات حشاد.
ولأول مرة يقترح علي عاشور أخذ الكلمة قبله في تجمع غرة ماي، ولعل السبب هو تخوفه من الجوّ السائد في القواعد، فتكون الصدمة الأولى أثناء كلمتي ثم يتولى تعديل الخطاب بعدي، ولعله كذلك ليتجنب الحرج إذا ما طالبت القاعة بكلمتي بعده.
وفعلا، لاحظت محاولات محتشمة لإفساد الاجتماع من أقلية من "الشعلة" و"الإخوان". فعندما طلبت دقيقة صمت للترحم علق أحدهم بأن هذه طريقة مستوردة وطلب قراءة الفاتحة. وعندما شرعت في الخطاب، تعمدت الكلام بنسق سريع واختصار وتركيز على نتائج المفاوضات وما ينتظرنا بعدها من مهام. وكانت الكلمة محلّ استحسان من الجميع.
وعندما تكلم عاشور، أطال في الحديث عن التاريخ، واختلطت عليه الأوراق التي كتبها له شماخية (أحد الكتبة)، فكان يسحبها من الدرج ويتلعثم، تاركا انطباعا بأنه لم يعد قادرا على الخطابة في الاجتماعات العامة.
وفاجأ الحاضرين بالقول إن الاتحاد يجب أن يبقى اتحاد عمال ناسيا أننا نقول" عمال بالفكر والساعد" ولم يكن قط خاصا بعملة اليد.
فلاحظت له أن هذا التمييز خطأ ومخالف لتاريخ الحركة النقابية أصلا، هذا فضلا عن أن دور قطاع التعليم في أزمة 26 جانفي 1978 كان رائدا، وأن حشاد أسس الاتحاد بتوحيد ثلاث مجموعات منها جامعة الموظفين التي تضم التعليم خاصة. فقال لي:" لك الحق، تفطنت إلى أني أخطأت و تداركت ذلك في الآخر.
عيد الشغل في قصر الجمهورية يوم 2 ماي 1983
هو الاحتفال الرسمي الذي يلي بيوم الاحتفال النقابي. وبالمناسبة يوزع رئيس الجمهورية جوائز العامل المثالي وصاحب الأعمال المثالي.
في الاستقبال سأل عاشور الرئيس بورقيبة عن أحوال “الماجدة" وسيلة (وهو اللقب الرسمي لزوجة الرئيس) فأجابه بأنها تعالج في باريس من ارتفاع السكر، وأنها الآن بعد التحاليل في تحسن جعلها تنتقل من السفارة إلى شقة قريبها طارق بن عمار (المخرج السينمائي)، وهو يريد بذلك أن يقول إن إقامتها في باريس ليست على حساب السفارة. ثم أضاف أنه ينتظر عودتها للذهاب إلى الجزائر (لكنه ذهب في نهاية الأمر بدونها).
محاضرة في العراق 17 ماي 1983
تلبية لدعوة من النقابات العراقية، تحولت إلى بغداد لإلقاء محاضرة في معهد الثقافة العمالية في بغداد عنوانها "دور النقابات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية". وقد تخلل البرنامج زيارات تاريخية وثقافية هامة. وقد عرض علي مرافقي الرسمي ظرفا مغلقا، فسألت عن محتواه فقال:" مصاريف جيب بسيطة، فرفضت أخذها قائلا:" إن عندي ما يكفي لمصاريف الجيب . فألح قاءلا إنها عادة مع جميع الضيوف ولا يردون الهدية، فقلت له:" معذرة، بدون إلحاح. لا يمكنني قبولها. فظهر عليه الاستياء.
وقد استجوبتني التلفزة العراقية في بغداد، وتركزت الأسئلة على" العدوان الإيراني" بينما صدام حسين هو الذي بادر بالهجوم كما هو معلوم من الجميع.
فلم أشأ أن أدخل في هذا الإحراج واكتفيت بالقول:" بغض الطرف عن أسباب ومسببات الحرب، فإن العراق اليوم يطلب وقف القتال وإيران ترفض".
وعندما عدت إلى غرفتي في الفندق ليلة السفر والمغادرة فوجئت بأن حقيبتي اليدوية المرقمة قد فتحت.
ذكرت هذا لمرافقي من الغد باستياء، فقال لي:" لقد اضطررنا في غيابك لفتحها للتثبت من تاريخ وتوقيت السفر". فقلت في نفسي:" رب عذر أقبح من ذنب".
هيئة إدارية من نوع جديد يوم 27 ماي 1983
في كلمة الافتتاح أكد عاشور على وحدة الصف وأن الذين يحاولون من المسيّسين التفريق بيننا فاشلون. وأكد لأول مرة أن بعض المسيّسين خيبوا الظن لأنهم يخدمون مصالح أحزابهم أكثر من خدمة مصالح الاتحاد.
وقد أراد في هذه الهيأة تغيير النظام الداخلي بشكل يمكن القيادة من “الإيقاف التحفظي" قبل الإحالة على لجنة النظام، وذلك كما قال في الأمور الخطيرة- لكن حتى أصحابه نصحوه بالتخلي عن الفكرة حتى لا يظهر بمظهر من يريد أن يعود إلى الأساليب التعسفية القديمة. فتراجع وسحب الاقتراح متعللا بأن المثقفين خاصة ضد الاقتراح.
ومن الغد اختتمتُ بالعاصمة تونس أشغال" الدورة العربية للثقافة العمالية".
وسنرى في الحلقة القادمة تواصل المد والجزر في العلاقة مع الحكومة، وتأزم العلاقات العائلية في قصر قرطاج بشكل علني حاد وبروز أطراف جديدة فاعلة.
الطيب البكوش
قراءة المزيد:
الطيب البكوش: الحبيب بورقيبة كما عرفته، زعيما ورئيسا (الحلقة الأولى)
الطيب البكوش: الحبيب بورقيبة كما عرفته، زعيما ورئيسا, عيد الشغل العالمي (الحلقة الثانية)
الطيب البكوش: مفاجآت مؤتمر قفصة 1981 (الحلقة الثالثة)
الطيب البكوش: من منظمة العمل الدولية إلى قصر قرطاج - جلسة 12 جوان 1981 (الحلقة الرابعة)
الطيب البكّوش: الحبيب بورقيبة كما عرفته, من لقاء مزالي إلى زيارة عاشور (الحلقة الخامسة)
الطيب البكوش: من عيد ميلاد الرئيس بورقيبة بالمنستير إلى ذكرى حوادث 5 أوت بصفاقس (الحلقة السابعة)
الطيب البكوش: انتخابات ومحاكمات... (الحلقة التاسعة)
الطيب البكوش: رفضي الترشح للانتخابات التشريعية وتصلب الرئيس بورقيبة (الحلقة العاشرة)
الطيب البكوش: الرئيس الحبيب بورقيبة يناور بشكل مفاجئ (الحلقة الحادية عشرة)
الطيب البكوش: الرئيس بورقيبة والمناورة الكبرى الأخيرة (الحلقة الثانية عشرة)
الطيب البكوش: هشاشة الاستقرار الحكومي والنقابي (الحلقة 13)
الطيب البكوش - بين الرئيس بورقيبة وزوجته وسيلة: تقاسم أدوار؟ (الحلقة الرابعة عشرة)
رسائل الرئيس بورقيبة المشفرة وأجواء نماذج معبرة من الاجتماعات واللقاءات (خريف 1982) - (الحلقة 15)
الطيب البكوش: نهايات 1982 وغرابة الأوضاع الوطنية والاقليمية (الحلقة 16)
- اكتب تعليق
- تعليق