الطيب البكوش: بين قصر الحكومة وقضية الإخوان (30-07-1981) وزيارة عاشور الثانية (1981-07-31) (الحلقة السادسة)
اتصل بنا السيد منجي الكعلي ورغب في أن آتي إلى مقر الحكومة بالقصبة لأمر هام. وقد أصبح يدعوني هناك بصفته وزيرا، متفهمًا موقفي الرافض لزيارته في مقر الحزب الحاكم بصفته مديرا له إذ سبق لي أن قلت له إني أتعامل مع الحكومة لا مع حزب سياسي ولو كان في الحكم.
وعندما وصلت بعد الزوال صحبة بعض أعضاء المكتب التنفيذي، لا أذكر عددهم ولا أريد تسمية البعض مهملا البعض الآخر، وجدنا وزير الداخلية ادريس قيقة ينهي ندوة صحفية حول قضية"الخوانجية"[تنظيم الإخوان].
وكان هدف لقاء الوزيرين بنا هو إطلاعنا على الوضع في البلاد قبل أن نقرأ ذلك في الصحافة.
حدثنا وزير الداخلية عن الاعتقالات في صفوف "الإخوان" والتهم الموجهة لهم والوضع العام. وما ذكره لنا وجدناه من الغد في الصحافة.
كما أشار إلى الصدى في الخارج. وكان تقديمه للمعطيات ذكيا.
قلت لهما نحن في الاتحاد عبرنا عن موقفنا، ولا ندافع عمن ارتكب جرما أو له علاقة بالعنف. لكننا لا نساند الحكومة في الظلم والقمع أو تصفية الحسابات السياسية، لذلك نلح على احترام حقوق الإنسان في محاكمة عادلة تتوفر فيها حقوق الدفاع.
لاحظت أيضا نقصا في الإعلام فيما يخص العنف وأحداث قربة (النادي المتوسطي). كما أثرنا في هذا اللقاء قضية إنشاء حزب باسم الدين في بلاد إسلامية واستعمال المساجد سياسيا.
وألح المنجي الكعلي على أن يكون الاتحاد مساندا للحكومة، “معانا"، فقلت له لسنا معكم بصفة مطلقة، فعبر قيقة عن تفهمه لموقفنا هذا.
ومن الغد، وبحكم الجوار، قمت بزيارة الأخ الحبيب عاشور للتباحث معه في تطور الوضع.
وقد دام اللقاء أكثر من ساعتين آخر النهار. وجدته غاضبا ثائرا إذ بلغه خبر نقله إلى المركز الاستشفائي في قربص. وهو أقرب إلى تونس من جزيرة قرقنة بكثير.
لم أفهم أول الأمر سبب غضبه ورفضه لهذا الإجراء كمرحلة أولى حسب ما بلغني من السلطة خصوصا وأنه كان يتردد على قربص ويحجز بها غرفة بعينها. فقال لي: لقد طلبت الذهاب إلى قربص في الشتاء عندما كنت أشكو من البرد ولم يلب طلبي. فقلت له: في الشتاء لم تكن هناك قيادة شرعية في الاتحاد تدافع عنه وتتضامن معك. فطلب مني التدخل بحزم ضد هذا الإجراء الذي يعتبره تصلبا. وطلب مني تمكين الهياكل النقابية من أخذ موقف دون الوصول إلى الإضراب العام.
ثم قال: "أنا صمدت أكثر منكم ومن الجميع ومن حقي العودة معكم فلماذا الاستثناء، أنا ما كنت أقبل استثناء أي واحد منكم وأنت تذكر رفضي استثناء بورقيبة لك".
فأردت التعمق معه في هذا الكلام الذي يختلف عن كلامه في المقابلة السابقة. فسألته عن تصوره لمستقبل الاتحاد، مؤكدا له حرصي الشخصي ألا يكون كبش فداء، وأن يبقى معنا لا ضدنا حفاظا على وحدة الاتحاد ودوامه.
فقال: أنا صمدت أربع سنوات ولا أقبل أن أخرج بعد ذلك" كوال صباطا " [عبارة شعبية مستوحاة من لعب الورق يمكن أن تقابل"بخفي حنين" أو" بيد فارغة والأخرى لا شيئ فيها"]
وانطلق قائلا بحماس" لست مستعدا لأكون خارج الاتحاد مجرد conseiller [مستشارا] للصادق العلوش [مسؤول العلاقات الخارجية في المكتب التنفيذي]. إما أن أكون مسؤولا أول أو لا شيء. إما أن تشركوني أو أن تطردوني. أفضل أن أخرج من الاتحاد dignement[بكرامة] على أن أشارك بصفة ثانوية أو هامشية كممثل للاتحاد لدى السيزل، "هدرة فارغة" [وضع لا قيمة له]" آش نزمر بها، ماحاشتيش [ما جدوى ذلك؟ لا حاجة لي بهذا] .أريد أن أرجع كاتبا عاما ولو لبضعة أشهر ثم أخرج بمحض إرادتي.
قلت له" إذن تريد أن نلغي مؤتمر قفصة؟"
قال لا، لكن يمكن أن نرجع إلى وضع 26 جانفي (1978)كما كنا ونقرر معا ونعوض الجدد أو نجري تحويرا يمكنني من الرجوع أنا ومن كان موجودا من قبل.
[لم أتصور في تلك اللحظة أن من يتكلم هكذا سوف يأتي يوم بعد أن أرجعناه رئيسا، سيقدم استقالته مكرها للرئيس بن علي لا للنقابيين].
فقلت له" كلامك هذا يعني إلغاء مؤتمر قفصة. فقال: نعرف كيف تنظم المؤتمرات. أنتم دافعتم عن قائمتكم". فقلت له:" أنا لم أشارك في أي قائمة". ثم نهضت لإنهاء المقابلة عندما بدا لي أن الحوار أخذ منحى عقيما. وهممت بالمغادرة. فتراجع وقال لي: اقعد اقعد، لا أحب أن تخرج بهذا الانطباع، فما اقترحته عليك قابل للنقاش ويمكن أن نتفق معا على حل مقبول.
فقلت له أنا لا أوافق الا على الحل الذي يضمن وحدة النقابيين لأن ما حدث من خلاف وما قيل في الإخوة من ثلب وشتم ترك آثارا تجعلهم يعتقدون أنك لا تفكر الا في الانتقام، وهو ما لا يخدم مصالح الاتحاد ولا يؤدي الا إلى الانقسام والتفكك. وأؤكد لك أن أغلبية النقابيين ليست مستعدة للتضحية بمصالح الشغالين وإضاعة الوقت في مؤتمرات جديدة. فقال" إذن التحوير الداخلي في المجلس القومي الذي دعوتم إليه في ظرف ستة أشهر يكفي. ثم ختم بالقول" حسين بن قدور، تحصل على ترخيص لزيارتي وحده، وقد انتقد زملاءك في المكتب التنفيذي وقال" لا يوجد الا الطيب البكوش يخدم في خدمة باهية" [يقوم بعمل جيد].
فتساءلت في قرارة نفسي: هل توجد علاقة بين هذه الزيارة وتغير موقفه في ظرف عشرة أيام.
بعد هذه اللقاءات في تونس، توجهت من الغد إلى المنستير بمناسبة عيد ميلاد الرئيس الحبيب بورقيبة والتقيت الرئيس أول أوت ثم في 3 أوت بقصر الجمهورية بسقانص. وعلى هامش اللقاءات الرئاسية تحادثت مع الوزير الأول وعدة وزراء حول مجموعة من القضايا.
وما جرى في قصر الجمهورية بسقانص سيكون موضوع الحلقة السابعة القادمة.
الطيب البكوش
قراءة المزيد:
الطيب البكوش: الحبيب بورقيبة كما عرفته، زعيما ورئيسا (الحلقة الأولى)
الطيب البكوش: الحبيب بورقيبة كما عرفته، زعيما ورئيسا, عيد الشغل العالمي (الحلقة الثانية)
الطيب البكوش: مفاجآت مؤتمر قفصة 1981 (الحلقة الثالثة)
الطيب البكوش: من منظمة العمل الدولية إلى قصر قرطاج - جلسة 12 جوان 1981 (الحلقة الرابعة)
الطيب البكّوش: الحبيب بورقيبة كما عرفته, من لقاء مزالي إلى زيارة عاشور (الحلقة الخامسة)
- اكتب تعليق
- تعليق