علي بن خليفة النفاتي: المقاومة من وراء الحدود
بقلم علي الجليطي - رأينا في الحلقات الماضية دور علي بن خليفة في الكفاح المسلح ضد الاستعمار انطلاقا مما يسمَّى بعهد الحماية الفرنسية بتاريخ 12 ماي 1881 وتابعنا ما لقيه من عنت في مواجهة الغزو بسبب قلة الإمكانيات مما أجبره على الهجرة إلى طرابلس مع أنصاره أملا في الاستنجاد بدعم من سلطات الخلافة العثمانية.
وما إن استقر به المقام حتى انطلق في جمع الأسلحة والعتاد والمؤونة ويرسلها إلى المجاهدين ممن بقوا في تونس للقيام بغارات على القوات الفرنسية في كافة أنحاء البلاد وحاول عديد المرّات القيام بعمليات إغارة على المواقع الفرنسية المتاخمة للحدود.
وفي نفس الوقت ثابر على ربط الصلة والاجتماع بباشا طرابلس (الوالي العثماني فيها)، ولم تنقطع اتصالاته بالخلافة العثمانية مطالبا بإمداده بالإغاثة لمعاودة الجهاد ضد فرنسا. وكان ابن أخيه محمد بن صالح أهم سفرائه إلى تركيا، حيث قام سنة 1882 بالاتصال بالوزير خير الدين باشا الذي كان قد تخلى عن منصبه وغادر تونس، للوقوف على موقفه من الثورة، غير أن هذا الأخير قابله بكثير من البرود.
وعمل علي بن خليفة من ناحية أخرى على إفشال كافة المساعي التي كان يبذلها رسل الباي إلى المهاجرين، لإغرائهم وتشجيعهم على العودة، حتى أنه اتهم مرة أحد الشيوخ المعممين من سفراء الباي بالجوسسة وأوعز للسلطات العثمانية بطرده. وحرص كذلك على التصدي بالرد لما نشرته بعض الجرائد العثمانية، مما رأى أنه تثبيط لعزائم المجاهدين فكان الرد الذي نشرته جريدة "الجوائب" الصادرة بالأستانة، والذي كذب فيه خبرا حاولت الاستخبارات الفرنسية الترويج له، ويفيد باستسلام المجاهدين ورجوعهم إلى أوطانهم(1).
وجاء في الرد: " طالعت في العدد 1077 من جريدتكم خبرا أثار عجبي، إذ لا بد أنه صادر عن بعض المفسدين، فقد نسبوا إلينا أننا سلمنا أنفسنا للفرنسيين، والواقع أنه لا أصل لذلك أبدا، فنحن لن نتوقف عن الجهاد من أجل وطننا وديننا وشرفنا العربي الموروث، بكل إرادة وحزم. نحن لا نعترف إلا بدولة واحدة (دولة الخلافة)، وقد تركنا أرزاقنا وعائلاتنا وبلادنا، ويظهر أنكم لم تطلعوا على أعمالنا، فإياكم أن تصدقوا ما تروجه الصحف من أخبار. كونوا على يقين أني ومن معي لا نزال متشبثين بطاعة الباب العالي، فنحن رعاياه وبلادنا بلاده ورأيه رأينا. كم من رجال منا يخوضون المعارك الحربية كالأسود، ويرون الموت في ساحة الوغى أهون من الاستسلام للأعداء. وعندما يحين الوقت الذي يتحقق فيه أملنا، سترون إذا كان تحتي جوادا أم حمارا. هذا وأرجوا أن تنشروا رسالتي هذه جوابا عما صدر في صحيفتكم، ولو أن العقلاء العارفين يفرقون بين الحق والباطل من المنشورات. التوقيع: الكولونيل علي بن خليفة".
ورغم كل الجهود التي بذلها علي بن خليفة فقد فشلت محاولاته مع الباب العالي. ونظرا للحالة التي كان عليها المجاهدون في طرابلس لكثرة عددهم وقلة عتادهم ومؤونتهم تملكه اليأس خاصة وأن الأخبار التي تصله من تونس كانت تؤكد تمركز الفرنسيين واستحواذهم التام على السلطة.
وهكذا بدأت بين 1882-1884 عودة مهاجرو نفزاوة من طرابلس بدفع من قايد قابس المدعو يوسف الليقرو.. وغلب الحزن على الشيخ علي بن خليفة واشتد به المرض فأدركته المنون في 18 جويلية 1885 حسب البعض فيما يذكر بعض آخر 18 نوفمبر 1885 ، ودفن بالزاوية الغربية التي تبعد حوالي 40 كم عن مدينة طرابلس بليبيا.
وإثر وفاته رجعت عائلته إلى ولاية قابس، كما رجع أغلب المهاجرين الذين غادروا البلاد التونسية معه خصوصا بعد أن يئسوا من الحصول على العون والمساندة لكفاحهم ضد الاستعمار من الرجل المريض الذي تنعت به تركيا آنذاك. وقد ألقى الشاعر محمد الغضبان (أصيل منطقة السمران الغريبة حوالي 40 كم عن صفاقس في اتجاه قابس وجل سكان هذه المنطقة هم من قبيلة النفافته) في الستينات قصيدة من 93 بيت من الشعر الملحون أمام الزعيم بورقيبة يروي فيها ما جرى للقائد علي بن خليفة النفاتي. ومن هذه القصيدة المأخوذة من ديوانه المكتوب بخط يده الموجود في دار الكتب الوطنية، يقول الشاعر ابتداء من البيت الخمسين:
"علي بن خليفة القايد المشهور ... جا داخل السامور ... وحشد خيوله حامين السور
وين شاف للمدفع رزم بالكور ... يرموه بالميزان ما يعرضاش بمكحلة صوان
وقت اللي كشف الشي بالمنعات وتبدلوا الأوقات ... و تفك رأس المال م البيات
علي بن خليفة قال يا نفات ... الفرار يا لخوان ... خير م الذل و حكومة الرومان"
علي الجليطي
(1) الملاحظ أن هذه الجريدة التي كان يصدرها احمد فارس الشدياق بدعم من السلطنة العثمانية قامت بدسّ نفس الأخبار ضد ثورة أحمد عرابي في مصر بإيعاز من المحتل الانقليزي حينما نشرت موقف السلطنة التي اعتبرت الثورة المصرية من قبيل "العصيان".
قراءة المزيد
كيف أجبرعلي بن خليفة النفاتي على الهجرة إلى طرابلس
الدور المحوري لعلي بن خليفة النفاتي في معركة صفاقس ضد المستعمر الفرنسي
"المقاوم الثائر" علي بن خليفة النفاتي: صفّا يوسف وشدّاد
المقاوم التونسي الثائر: علي بن خليفة النفاتي
علي بن خليفة النفاتي و ثورة بن غذاهم
انتصاب الحماية في تونس و ردّة فعل علي بن خليفة النفاتي
- اكتب تعليق
- تعليق