انتصاب الحماية في تونس و ردّة فعل علي بن خليفة النفاتي
بقلم علي الجليطي - تطرقنا في الحلقة الماضية إلى الانتفاضة التي شهدتها البلاد سنة 1864 بسبب مضاعفة الجباية في عهد الصادق باي بما ساهم في اندلاع ثورة العديد من القبائل بقيادة علي بن غذاهم وكيف ساهم علي بن خليفة - حليف الباي والسلطة القائمة- في مقاومة هذه الثورة لأنها بنظره فتنة من شأنها إضعاف الدولة الإسلامية. ورأينا كيف كان جزاؤه كسنمار بفقدان صلاحياته وانقلاب الحاكم عليه.
وتتالت المحن على تونس من الداخل والخارج حيث ظهر وباء الكوليرا سنة 1865 وتلته حمى التيفوس سنة 1867 ومجاعة عظمى أدت إلى خراب عدة جهات. وبسبب تفاقم الأزمة أعلنت الدولة عجزها المالي، وأقصي خزندار وحل مكانه الوزير خير الدين سنة 1873 حيث تم برئاسته تشكيل لجنة مالية لقبض المداخيل وتسوية الحسابات وتعديل الديون وتواصلت الإصلاحات في عهده غير أنه تخلي عن منصبه سنة 1877 لفائدة مصطفى بن إسماعيل خليل الباي وفاقد الخبرة مما ادخل البلاد من جديد في دوامة من الأزمات.
وفي ظل تفاقم وتدهور الوضع وانفجار صراع بين سكان جبال خمير وبعض الأهالي على الحدود الجزائرية، استغلت السلطات الفرنسية هذه الفرصة بزعم ردع المعتدين ووجهت جيشا سرعان ما احتل جهة الكاف ثم توجه نحو الوسط والجنوب واحتلت فرقاطة الجنرال بريار بنزرت، ثم حاصرت مقر إقامة محمد الصادق باي بباردو وانتهت بفرض الحماية على تونس بمقتضى معاهدة باردو يوم 12 ماي 1881. وفي تلك اللحظة عاش علي بن خليفة منعرجا حاسما في حياته حيث ما أن تم توقيع معاهدة الحماية حتى صرّح بتمرده على الباي وخلع بيعته له في مقر حكمه بمدينة قابس معلنا : "الآن أصبحتْ طاعة الباي كفرا". وهكذا بعد أن تصدى للثورة الأولى التي قادها علي بن غذاهم إيمانا منه بالدفاع عن الدولة وحماية لها من الفتنة، ها نحن نجده متزعما ومفجّرا للثورة الثانية لأنها برأيه واجبا مقدسا ضد المستعمر الكافر وضرورة ملحّة من أجل صيانة وحدة الدولة الإسلامية.
لذلك بادر علي بن خليفة بإرسال مبعوثين إلى طرابلس لإعلام الباشا نائب الخليفة العثماني برغبته الملحة في النجدة بالسلاح والمال. وانطلق في عملية توحيد جهود المقاومة وتعبئة الإمكانيات بتسليح كل من يقدر على حمل السلاح من أبناء قبيلته "نفات". و سعى إلى جمع الثوار من مختلف القبائل وتنظيمهم في إطار موحد. وهو ما لم يكن عملا يسيرا بسبب ما كانت عليه النزاعات القبلية من تفش في تلك الفترة.
ومما يذكر من جهوده في هذا الصدد تحوله مع ابنه راشد إلى جهة صفاقس حيث اجتمعا يوم 15 جوان 1881 مع الشيخين الحاج محمد كمون والحاج محمد الشريف، واتفقوا على تنسيق أعمال المقاومة وعدم الاستجابة لدعوات الباي في تسليم المدينة للفرنسيين. واشرف اثر ذلك على اجتماع كبير في مسجد عقبة بن نافع بالقيروان بحضور قادة العروش و أعيان المدينة. وركّز في خطابه على ضرورة الجهاد مذكرا بواجب المسلم نحو دينه وأرضه وأهمية الولاء للخلافة المركزيّة مؤكدا الأمل في نجدة الخلافة العثمانية عبر المبعوثين الذين وجههم إلى طرابلس بهدف تبديد الخوف من نفوس الأهالي.
وبقدر ما كانت هذه اللقاءات تستهدف كشف وفضح محاولات الباي الجارية بإيعاز من السلطات الفرنسية لاستقطاب زعماء القبائل إلى جانبه بذريعة أن مصلحة البلاد كانت تقتضي التوقيع على معاهدة الاحتلال، بقدر ما يتجلى أن جهود علي بن خليفة كانت تصب بالأساس في خانة التعبئة وحشد الأنصار استعدادا للمقاومة المسلحة دفاعا عن البلاد باعتبارها باتت واجبا مقدسا لا محيد عنه. وهو ما سنراه في حلقة قادمة.
علي الجليطي
قراءة المزيد
"المقاوم الثائر" علي بن خليفة النفاتي: صفّا يوسف وشدّاد
المقاوم التونسي الثائر: علي بن خليفة النفاتي
علي بن خليفة النفاتي و ثورة بن غذاهم
- اكتب تعليق
- تعليق