علي بن خليفة النفاتي و ثورة بن غذاهم
بقلم علي الجليطي - كان الشيخ علي بن خليفة النفاتي حسب عديد المصادر(1) بطلا من أبطال تونس في القرن التاسع عشر ورمزا من رموز مقاومة الاستعمار، نقدمه للقراء في حلقات مبسطة عبر هذا الفضاء عسى أن يجد فيها الراغب في المعرفة سراجا يسلط ولو بقدر يسير الضوء على هذا الرجل "المقاوم الثائر" القابع في تاريخ حركتنا الوطنية.
علمنا في الحلقة الماضية مدى تفاقم الصعوبات المالية في عهد احمد باي تونس في منتصف خمسينات القرن التاسع عشر وكيف ساهمت في صراع دموي بين قبائل المملكة والدور الكبير الذي لعبه علي بن خليفة النفاتي الذي ترأس سنة 1861عساكر الشق المساند لمحلة الباي مما أهله لتولي منصب "الخليفة" على قبائل بني زيد. وحيث كان "قايد" الأعراض، الذي يرجع إليه بالنظر الخليفة الجديد، قاطنا بالحاضرة في اغلب الأوقات فقد بات علي بن خليفة ماسكا بكل الصلاحيات غير انه لم تكن له سلطة على شيوخ بني زيد.
في هذه الأثناء كانت بذور الأزمة الاقتصادية للدولة قد نبتت حيث فضّل الباي الجديد محمد الصادق باي الاستعانة بمن لا خبرة له من المقربين وألقى مقاليد سلطته لوزيره الأكبر مصطفى خزندار الذي عاث فسادا في أموال الدولة. فرغم ضريبة المجبى, تدهورت المالية العمومية مما اقتضى اللجوء إلى اقتراض 28 مليون فرنك بفائدة فادحة ثم قرضا آخر بـ35م ف بعثرته الأيادي قبل وصوله للخزينة فتم رفع المجبى من 36 الى 72 ريالا سنة 1864 مما فجر ثورة علي بن غذاهم في قبائل البادية ولا سيما في صف شدّاد ومنهم قبائل بني زيد الذين رفضوا تضعيف الإعانة مما دفع علي بن خليفة للمشاركة في قمع هذه الثورة لأنها بنظره فتنة تساهم في إضعاف الدولة الإسلامية. لكنه فشل في إخضاع قبائل بني زيد. وعندئذ وبعد أن نكّل بأهالي الساحل، قرر احمد زروق وزير الحرب القدوم بنفسه لقيادة القوات الحكومية، فتوجه على رأس محلته إلى منطقة الأعراض القائمة تحت سلطة علي بن خليفة النفاتي وسلّط على قبائل الجهة ومنهم بنو زيد والحمارنة غرامات ثقيلة. كما تولى تعيين صالح بن سعيد شيخ الشعل خليفة لبني زيد بدلا من علي بن خليفة.
بعد رحيل المحلة، ضاعف بنو زيد غاراتهم الثأرية ضد قبائل صف يوسف المجاورة وخاصة على قبيلة "نفات" التي ينتمي إليها علي بن خليفة، وأرسلوا سنة 1868 خليفتهم صالح بن سعيد إلى قصر باردو في مهمة للتفاوض. ومن جهته أرسل علي بن خليفة أنصاره حيث جرت معركة أمام قصر الباي القي على إثرها القبض على صالح بن سعيد وأودع السجن حيث توفي. وخلفه شقيقه بلقاسم بن سعيد ولكن فشل في مهمته في فرض النظام والأمن فبادر أمير الأمراء سليم بإيداعه السجن وأعاد علي بن خليفة إلى منصبه.
لم يستسغ بنو زيد هذا الأمر وثاروا من جديد ودعوا في ميعادهم بحضور العون القنصلي الفرنسي بقابس يوم 22 مارس 1869 إلى إطلاق سراح بلقاسم بن سعيد معربين عن استعدادهم لطلب الحماية الفرنسية إلا أن القنصل العام رفض حسبما يبدو هذا التدخل. ولم تمض ثلاثة أشهر على هذا الميعاد حتى قامت قوات علي بن خليفة في جوان 1869 بحملة على بني زيد مستعينة في ذلك بعناصر من صف يوسف ولا سيما من بين قبائل نفات والهمامة والجلاص وورغمة. وبعد معارك ضارية، فرّ بنو زيد الى مطماطة فاقدين ما يناهز الألف قتيل.
وفي محاولة لحسم هذا الصراع، قدم يوم 22 جوان احمد زروق وبادر بفرض غرامة حرب ثقيلة من جديد على قبائل شدّاد من جهة و إقالة علي بن خليفة بصفته خليفة على بني زيد من جهة أخرى. إلا أن الباي قرر التخفيف من العقاب بالتراجع والأمر بالتخلي عن جزء من الغرامة المالية بما يشير إلى تردده في القضاء على صف شدّاد. وهكذا انقلبت التحالفات حيث خسر علي بن خليفة منصبه وأصبح الباي يعتمد على بني زيد الذين باتوا مخلصين ومناصرين له كلما تعلق الأمر بمعاقبة صف يوسف. والى اللقاء في حلقة جديدة.
علي الجليطي
(1) من بين المصادر نشير بالخصوص إلى "صراع مع الحماية"، محمد المرزوقي، مطبعة الاتحاد العام التونسي للشغل، تونس 1973/ و"إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان"، احمد بن أبي الضياف، الدار التونسية للنشر، 1990/ و"خلاصة تاريخ تونس"، حسن حسني عبد الوهاب، تقديم وتحقيق حمادي الساحلي، دار الجنوب للنشر تونس، 2007 / وأعمال الندوة الدولية السابعة حول المقاومة المسلحة في تونس في القرنين التاسع عشر والعشرين 18-20 نوفمبر/1993، منشورات المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية جامعة تونس1، تونس1995/ وكذلك أعمال الندوة الدولية حول الجنوب التونسي من الاحتلال إلى الاستقلال 6-8 ماي 2004، جامعة منوبة - منشورات المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية/ سلسلة تاريخ الحركة الوطنية عدد12 تونس 2005/ وعدد من المصادر الالكترونية مثل "من معارك علي بن خليفة"، عبد العالي الشرقاوي، موقع مشاهد 24/ و"في ذكرى وفاة الشيخ المجاهد علي بن خليفة النّفاتي"، منجي باكير، موقع الصحفيين التونسيين بصفاقس/ ومراجع أخرى مثل "أعلام ومشاهير"، علي بن خليفة النفاتي، ثورة تونس المنسية...
قراءة المزيد
- اكتب تعليق
- تعليق