محمّد الرشيد باي: الحاكم المتسـامح والشـاعر والموسِيقِيّ الموهوب (1710-1759)
ساد الاعتقاد إلى ماض غير بعيد أنّ كلّ من حكم تونس قبل انتصاب الحماية الفرنسية سنة 1881 من ملوك وأمراء وسلاطين وبايات... هم من طينة الحكام الجبابرة أو الطغاة الذين لا همَّ لهم غير البقاء أكثر ما يمكن في سدّة الحكم، واستباحة الأعراض والأرواح والممتلكات بوجه حقّ أو دونه. غير أنّ المتأمّل مليّا في مسيرة حكّام تونس يلاحظ وجود الكثير ممّن كانوا من فئة «العلماء» العارفين بثقافة البلاد وتاريخها وعادات وطباع سكانها....ويوجد حتّى الموهوبون منهم في أكثر من مجال واختصاص. ومن بين هؤلاء يمكن ذكر ابن مؤّسس الدولة الحسينية، الحاكم «المستنير» والأديب والشاعر والموسيقيّ، الأمير محمّد الرشيد باي الذي حكم تونس بين 1756 و1759 في أعقاب حرب أهلية دمّرت البلاد ومزّقتها على امتداد أكثر من 28 سنة (بين 1728 و1756).
هو الأمير أبو عبد الله محمّد الرشيد بن حسين بن علي تركي، ولد ببلاط والده بباردو في ذي الحجّة الحرام سنة 1122 هـ/1710م. اعتنى والده بتربيته وتعليمه وحنّكه بما أهّله لتبوّؤ المراتب العالية، واختصّه بإمامه الشيخ الحاج يوسف برتقيز، فعكف على تعليمه العلوم العقلية والدينية إلى أن بلغ خمس عشرة سنة، فأجمع رجال الدولة على طلب تقديمه لولاية الأمحال ليكون وارث الملك بعد والده، وألحّوا بالطلب على والده لما رأوا فيه من الأهليّة لذلك فاستجاب لمطلبهم، وقدّمه لولاية الأمحال أوائل سنة 1137هـ/1725م، وظهرت فيه الكفاءة لذلك مع ملازمته لتلقّي العلوم.
ولع محمّد الرشيد منذ نعومة أظفاره بالعلوم العقلية (الحساب والجبر والفلك والنحو والبلاغة والتاريخ والجغرافيا والأدب)، ناسجا على منوال ملوك الأندلس ليبدع رقيق الشعر بعناية قاضي محلّته وأستاذه الشيخ محمّد بن محمّد الشافعي الشريف ومن انضمّ إليه من الأدباء (حسب ما ورد في مسامرات الظريف لمحمّد بن عثمان بن محمّد السنوسي نقلا عن المشرع الملكي في سلطنة أولاد علي تركي لمحمّد الصغير بن يوسف المتوفّي سنة 1764).
محنة الإقامة بالجزائر(1756-1740)
بعد مقتل والده من قبل يونس باي خرج محمّد الرشيد من القيروان بعد طول الحصار، هو وأخواه علي باي ومحمود باي ومعهم الموفّون بالعهد من أشياخهم وكتّابهم وأتباعهم في أوائل صفر من سنة 1153هـ/ 1740م خوفا من تنكيل الباي الجديد علي باشا، فقصدوا الجزائر وطلبوا من حاكمها نصرتهم على ابن عمّهم. وبعد حوالي ثلاث سنوات جهّزهم بمحلّة خرجوا بها في ربيع الأول سنة 1159هـ/1746م. وكان قائد المحلّة الأمير حسين، باي بقسنطينة فوصلوا بها إلى غاية مدينة الكاف معوّلين على مساعدة نجوع العرب بالرجال والمدد بجهة الشمال الغربي. لكنّ قائد المحلّة خذلهم لما تلقّاه من مال علي باشا فتفرّقت جموع الحاشدين وكان أن مات محمود باي بقسنطينة في 11 شوال سنة 1159هـ/1746م. لذا لازم الأخوان الصبر على أمل إعادة الكرّة ثانية.
ولم يكن الأمير محمّد الرشيد خلال هذه المدّة يعلّق آماله بغير الله وأوليائه حسب ما ورد في ديوان شعره المملوء بالتوسّلات. ومن أجمل ما أورده في الغرض، قصيد من نظم شيخه الشريف الشافعي منقول بخطّه المختوم بختم الأمير في البحر الطويل، كان قد وّجهه إلى الوليّ العارف بالله، الشيخ أبي العباس أحمد بن باباس جاء فيه:
رفعــــت إليك الحــــال يا نجل باباس **** وليــــس لهذا الأمر غيرك من آسي
فأنت نهـــارا كوكب الخــــور في الـدنا **** وبالليـــل نبراس السمـــا أيُّ نبـراس
فكُـــنْ فــــارسا حـامي الذمـار بسيفه **** وجئني بعبــاس وجئنــــي بمـرداس
يحـــاربني قـــوم بأصنـــاف مكـرهم **** وجـــاءوا بأنـــواع الحـــروب وأجنــاس...
استعادة حكم والده
بالتوازي مع ذلك طالب الأميران المنفيان محمّد الرشيد وعلي باي في سنة 1755 من باي الجزائر بابا علي بوسباع مساعدتهما على استعادة عرش والدهما الشرعي المسلوب. وقد قبل هذا الأخير طلبهما وأوكل مهمّة ذلك إلى باي قسطنطينة، حسن زرق عيونو. سلك الجيش الجزائري طريقه نحو تونس بقيادة باي قسنطينة يرافقه محمّد الرشيد وعلي باي. وبعد حصار دام ثلاثة عشر يوما اجتاز الجيش قلعة الكاف ليُخضع باجة ويتحرّك نحو الحاضرة التي استولى عليها في 31 أوت 1756 بعد حصار دام شهرين تخلّلته عمليات نهب من قبل الجنود الجزائريّين والميليشيات التونسية الموالية لهم.
وفي 22 سبتمبر 1756 قُتل علي باي مخنوقا على يدي مماليك «روامة» - أي أوروبيّين-. وفي الوقت الذي دعا فيه باي قسنطينة قوّاته إلى العودة، آثر محمّد الرشيد الاختفاء في حصن باردو. أمّا شقيقه علي باي فقد توجّه إلى صفاقس لتجهيز قوّات من الحلفاء السابقين لوالده، قائدي جربة وصفاقس. وبعد أن استنفر محمّد الرشيد شقيقه الذي قدم من صفاقس مع قوّات نظامية متكوّنة في معظمها من فرسان القبائل، نجح علي باي في هزم المتمرّدين واستعادة السلطة الشرعية لأخيه وإجبار الجيش الجزائري على مغادرة تونس العاصمة مقابل غرامة مالية ثقيلة وأتاوة سنوية رمزية تتضمّن شحنتين من زيت الزيتون لإنارة مساجد الجزائر العاصمة (حسب نصّ المعاهدة)...وهكذا أمكن لابنَيْ حسين بن علي استرجاع حكم والدهما المسلوب بتلقى محمّد الرشيد البيعة من سكان الحاضرة بداية من 02 سبتمبر 1756 «بغصب من أخيه وهرعت له الوفود وقعد مقعد أبيه، نازعا يده من علائق الملك، متأسّفا على ما وقع بمسقط رأسه واجدا ممّا قاساه من حسن باي (ابن المملوك أحمد شلبي كاهية والده حسين باي) على حدّ قول صاحب «الإتحاف» أحمد بن أبي ضياف.
الباي المتسامح
بعد تخلّصه من حضور الجزائريّين بالحاضرة تفرّغ ثالث بايات الأسرة الحسينية لإعادة ترتيب البيت الحسيني فساد (حسب ما ورد في كتاب ‹المشرع الملكي، بدولة أولاد علي تركي›)، « الأمن الأهالي بعود الدرّ إلى معدنه وتنادى الناس بالفرح المديد، من ولاية محمّد الرشيد، فاقتعد دست الملك التونسي وعمّ بإحسانه كلّ من وفد عليه سائلا، وأنشأ من حماسة عزة نفسه الملوكية قائلاً في البحر الطويل»:
أيُــشبهــــنـــا في العـــالمين قبيــــــل **** ونيـــــل عـــلانا مـــــا إليه سبيـــــل
أرى العــزّ لا يأوي سوى بيت مجدنا **** ولا في حــــمـــــانا يستــــذُّل ذليـــل
وأعــــراضنا بيــن الأنـــام جـــواهــر **** وجـــوهـــرنا في الخـــافقــينْ يسيـــل
ترى السعـــد والأيـــام ملك يمينـنـــا **** تميـــل على العِـــلات حـيـــث نميــل...
وحسب ما جاء في «الإتحاف» فقد «افتتح أمره بإبدال كرسي المملكة إلى حالة قريبة من التواضع والأوضاع الإسلامية، نعيا على ابن عمّه علي باشا، لنسبته إلى الكبر والتعاظم. ومن تعاظم على الزمان أهانه. ثمّ لازم البساتين والتخلّي في غالب مدّته وأخوه بين يديه يباشر أحوال المملكة ويسند الأمر في المكاتيب إلى اسمه ويحملها إليه بنفسه أينما كان ليمضيها بختمه... واستمرّ حال أخيه معه يسافر بالمحالّ ويستوفي الجباية ويسوس المملكة بتأمين طرقها وقمع جناتها مطلق التصرّف. وهو مع ذلك ينزلُ نفسه منزلة العبد لأخيه... « وعن علاقته بالرعية داخل البلاد يضيف: «...وكان محبّا للرعيّة مرهوبا عند العمّال، ضاربا على أيديهم عدوانهم عيونه معهم. وأعمل الجهد في بناء سور القيروان المدينة المؤسّسة على الدين والتقوى وفي ردّ مظالم علي باشا لأربابها، وهما من أعظم مآثره...». وكان (حسب نفس المصدر) «عالي الهمّة عزيز النفس ضخم الدولة مشيداً لدعائم شارات الملك وتعظيم شأن الدولة والميل إلى المعالي وحبّ العلم والعلماء وهو منهم، له ديوان شعر بديع جيّد النظم والنثر والتوشيح».
أمّا عن شكل تعامله مع أنصار الشقّ الباشي فيذكر صاحب الإتحاف: «... وعفا عن أصحاب الباشا، يردّ الكثير من أموالهم وتسريح المسجونين، ومنهم الشاعر أبو عبد الله محمّد الورغي...».
وعن محبته لأهل العلم وإجلاله لهم يضيف: «... وله في العلماء محّبة وتعظيم يجالسهم ويباسطهم ويحنّ إلى مسامرتهم ويستدعي أهل المجلس الشرعي وغيرهم من العلماء للضيافة في بستانه (قصر النحاس اليوم) ويحتفل لإكرامهم ويدور معهم خلال الشجر ممتزجا بهم امتزاج الأصحاب ويطيل معهم السمر...».
وإجمالا وحسب «مسامرات الظريف بحسن التعريف» لمحمّد السنوسي، (المجلد 1، ص 8) فقد «ساعده البخت فأخصبت البلاد، وأعلن أصحابه ومن كانوا بمعيّته بأفراحهم فاستعملوا الآلات المطربة للأنس بعد طول غربتهم، وجرى معهم في ذلك الميدان غيرهم. حتّى كانت أيّام تلك الدولة كأنّها أعراس، وفاقت به وسطى دول بني العباس، ولا سيّما وقد أكرم الله هذا الأمير بولديه أبي الثناء محمود باي وأبي الفداء إسماعيل باي اللذَيْنِ جعل الله الملك مخلداً في عقب أولهما جزاء من الله على حسن طويّة هذا الأمير».
الشاعر الموهوب
حسب ابن أبي الضياف نظم محمّد الرشيد قصيدتين نبوية وتوسّلية تدلّان على حسن وثوقه بالله وأوليائه. أمّا قصيدتاه الميميّة والقافية فهما آية الله في الإبداع. وقد سمّى أولاهما «محرّكات السواكن إلى أشرف الأماكن» يقول في مطلعها:
هــــل زَورَة تشمِـي فـــؤاد متــــيّـــم **** يا أهــــل مكّة والحطيـــــم وزمـــــزم
وقد شرحها أستاذه الشريف الشافعي في جزئين ضخمين التزم في شرح كل بيت منها خمسة فنون. وهي اللغة والنحو والمعاني والبيان والبديع، عدا حاصل المعنى وسمّى شرحه المذكور: «إظهار النكات، من خبايا المحرّكات»، فكان شرحاً مشحونا علما وأدبا...
ويذكر صاحب مسامرات الظريف: «... كان الأمير يرسل له ليلة كل جمعة فرسه الأشهب، ولم يمتطه غير أستاذه المذكور فيحضر عنده بباردو للمبيت ومن الغد يرجع الفرس المذكور موصولاً بجميل الصلات، ووافر العطيات، وهو في رغد العيش من إقبال السعد، بإنجاز الدهر لجميل الوعد، يرصع تيجان تلك القصيدة، بالجواهر النضيدة، حتّى أظهر ما احتوت عليه من النكات، بالآيات البيّنات، فرحم الله الناظم والشارح، إذ أخصبا تلك المسارح. وأمّا القصيدة الثانية القافية فقد شرحها الشيخ محمّد الكواش وقيل شارحها والده الشيخ صالح الكوّاش...». وقد تولى الأستاذان نور الدين صمّود ومحمّد الهادي الطرابلسي تحقيقها ونشرها سنة 2005 في180 صفحة (بالشركة التونسية للنشر وتنمية فنون الرسم).
العازف والملحّن ومدوّن المالوف التونسي
كان محمّد الرشيد عازفا على آلة العود وملحّنا. وأثناء إقامته بالجزائر لمدّة 16 سنة كان يقضي جلّ وقته بالقصر المعدّ من قبل دايات الجـــزائر لآل حسين بن علي بالعاصمة في جمع نوبات المالوف التونسي والجزائري واستقبال الفنانين وأهل الاختصاص من أندلسيّي الجزائر والوافدين عليه من تونس. وقد وفّق في تدوين وترتيب الأربع عشرة نوبة للمالوف التونسي (13 نوبة تقليدية ونوبة أخرى ضائعة) على الطريقة المستعملة اليوم. كما تولّى إضافة استهلال موسيقي آلي للنوبة في ثلاثة إيقاعات متتالية: «الطوق والمصدّر والسلسلة « تتدرّج حركتها من البطيء إلى السّريع. كما أضاف «التَوشِيَة» كفاصل آلي يتخلل أجزاء النوبة التي يتركّب من مجموعة جمل لحنية أساسها الارتجال تعلن عن المقام (الطبع/الطبوع) الذي يليها في التّرتيب. أمّا الأبيات التي تنشد فتختار من قصيد بالفصحى وتعتمد إيقاعا بطيئا يسمّى البطايحي، مسبوقة بمقدمة موسيقية مرتجلة قبل إحداث معهد الرشيدية للموسيقي سنة 1932. ويُبنى البَرْوَلْ على إيقاع بنفس الاسم، حيث تشتمل كل نوبة على إيقاع من 2 إلى 4 براول ويكون آخرها سريعا يختم به الجزء الأول منها. أمّا الأدراج فهي جزء غنائي ملّحن على الإيقاع الثقيل يحمل التسمية نفسها، تسبقه مقدّمة موسيقية تسمى «فارغة «. ويبنى الخفيف على إيقاع ثقيل خلافا لتسميته. وتعتمد الأختام في المضامين الدينية على إيقاع الختم السريع. وقد ساعد على تطوّر المالوف بتونس، أثناء وبعد وفاة محمّد الرشيد باي، انتشار الطرق الدينية وموسيقى الإنشاد الصوفي («الحضرة») كالشاذلية والرحمانية والسلامية والعيساوية والعوامرية والعزوزية...
من المالوف إلى الموسيقى العسكرية
في القرن التاسع عشر تعزّزت عناية العائلة الحسينية بالموسيقى من خلال تأسيس المشير أحمد باشا باي الأوّل (1837 - 1855) للمدرسة الحربية بباردو سنة 1840 لتعليم العلوم والصنائع الحديثة لرجال الإدارة والجيش التونسي. ومن بين هذه العلوم تدريس قواعد الموسيقى العسكريّة الغربيّة. وقد انتدب مدير المدرسة، الإيطالي «كاليغاريس» (Caligaris) مدرّسين متنوّعي الاختصاص للغرض أتراكا وفرنسيّين وإيطاليّين لضمان التعليم بهذه المؤسّسة وكذلك لتدوين المالوف التونسي حسب قواعد الترقيم الموسيقي الغربي. وكان من أبرز هؤلاء الأساتذة الإيطالي «Verdi» الذي بالتنسيق مع الشيخ محمّد الأصرم قام بتلحين بعض المرشات (خطوات) العسكرية (Des marches militaires) حتى تشكّلت بذلك أول تجربة للكتابة الموسيقية وظهور أول فرق موسيقية نحاسية ذات جذور إيطالية فرنسية، حسب مؤرّخ الموسيقى التونسية الأستاذ مصطفى شلبي.
وفاته
في سنة 1172هـ/1758-1759م وحسب ابن أبي الضياف « قوي المرض بمحمّد باي وأخذت قواه في الانحطاط بحمّى الدقّ (حمّى تندلع عقب حميات العفن يدقّ بها البدن ويذبل...)، فرغّبه أصحابه في السفر بالمحلّة لتبديل الهواء بالتنقّل... وتزايد به المرض فأركب من اصطفاه بالصناجق ليقود المحلّة وركب الكرّوسة ومعه الطبيب. وجدّ في السير إلى أن وصل باردو سادس جمادى (الأحد 04 فيفري 1756م) وتقلّب في مضجعه بين إغماء وإفاقة إلى أن قبضه الله ليلة الإثنين رابع عشر من جمادى الثانية سنة اثنتين وسبعين ومائة وألف (12 فيفري 1759م)، ودفن بتربة أبيه (بسيدي قاسم الصبابطي) وتفنّن الشعراء في مراثيه وقام بالأمر بعده أخوه»، علي باي الذي حكم بين 12 فيفري 1759 و 26 ماي 1782.
ومن بين من رثاه، الشيخ محمّد الورغي بقصيدة كتبت على قبره وهي قوله في البحر الكامل وقد جاء في مطلعها:
هــــذا ضـــريــــح للإمــــام الأمجــــــد **** نجــــمِ الملــــــوك السيـد ابـن السيد
علـــم غـــــدا للـــقــــاسمين مجــــاوراً **** فأضــــا أمــــامهــمـــا ضيـــاء الفرقَد
عَقِبَاهُ: محمود وإسماعيل باي
رغم زواجه بأربع نساء من «الحرائر» على فترات هُنَّ حسب الترتيب: للّة «ن» (ابنة مصطفى قاره باشا آخر دايات تونس، توفيت سنة 1727) وابنة الغزالي وابنة جمال الدين (قايد سوسة التي تزوجها خلال ثورة علي باشا) وعزيزة التي عاشرها في الجزائر، وببعض الجواري (من أصول سلافية)، لم يخلّف محمّد الرشيد باي سوى ابنين هما: محمود باي (ولد في 10 جويلية 1757 وحكم بين 22 ديسمبر 1814 و28 مارس 1824) وإسماعيل باي (1759 - 1816).
الرشيدية تخليد لذكرى محمّد الرشيد باي
بدأ التفكير في تأسيس جمعية أو مؤسّسة تُعنى بالموسيقى في تونس بعد مشاركة وفد تونسي ترأّسه العلاّمة حسن حسني عبد الوهاب (ضمّ كلّا من: المنوبي السنوسي ومحمّد غانم وحسونة بن عمّار ومحمد المقراني وعلي بن عرفة وخميس العاتي ومحمد بلحسن وخميّس ترنان)، في أشغال المؤتمر الأول للموسيقى العربية الملتئم بالقاهرة بين 14 مارس و3 أفريل 1932 تحت إشراف الملك فؤاد المولع بالموسيقى. وأكّدت توصيات المؤتمر ضرورة إنشاء مؤسّسات ومعاهد للحفاظ على الموسيقى الأصيلة لكل قطر عربي. فكان ميلاد الجمعية الرشيدية في 28 نوفمبر 1934 للحفاظ على الموسيقى التونسية الأصيلة وترويجها بين الأجيال الصاعدة. وكان أّول رئيس لها شيخ المدينة مصطفى صفر. وتضمّنت الرشيدية لجنة أدبية برئاسة الشيخ العربي الكبادي ضمّت مجموعة من الأدباء، كالأمير الشاذلي خزندار وكلاّ من: مصطفى آغا وأحمد خير الدين وبلحسن بن شعبان ومحمود بورقيبة والهادي العبيدي وجلال الدين النقاش... ولجنة موسيقية ضمت المشايخ: محمّد الأصرم ومحمّد الدرويش وحسونة بن عمارة وخميس الترنان والطاهر المهيري... وفرقة موسيقية ومجموعة صوتية اعتمدت فيها على محمّد الأصرم ومحمّد التريكي وخميس الترنان وخَيلُو الصغيّر وقدّور الصرارفي والطاهر غرسة وشافية رشدي وصليحة وشبيلة راشد…
وفي عام 1938، تحوّلت جمعية الرشيدية إلى معهد لتدريس الموسيقى. ودرّس بمعهد الرشيدية أجانب مثل على الدرويش من حلب، وبونورة من إيطاليا... وفي عام 1941، دوّن المعهد التراث الفني بالنوطة من أفواه جمع من مشايخ الفنّ، كعلي بانواس والصادق الفرجاني، وقام بالكتابة محمّد التريكي والحبيب العامري... وبذلك ساهم المعهد الرشيدي في النهضة الموسيقية من خلال تكوينه لإطارات اعتمدت عليهم حكومة الاستقلال في تأسيس الفرقة الموسيقية للإذاعة والمعهد الوطني للموسيقى... كما ساهمت الرشيدية فى ظهور العديد من المطربين والمطربات المتألقين على الساحة الفنيّة إلى اليوم.
ويمكن القول إنّ رغم فرغم قصر فترة حكمه التي لم تتجاوز السنتين ونصف تمكّن محمّد الرشيد باي من أن يترك بصماته في الحياة السياسة والثقافية والفنية بتونس على حد سواء في فترة صعبة ودقيقة للغاية تميّزت بالانقسام والاصطفاف والتدخل الأجنبي في شؤون الإيالة من طرف دايات الجزائر لدورهم في استرجاع أبناء حسين بن علي الحكم من ابن عمهم علي باشا. وهو أمر يدعّم قناعتنا بأنّه لا يُشترط في الأمير الناجح أن يكون سياسيا وداهية بالمفهوم المكيافيلي فحسب، بل وكذلك حاكما «عالما» ملمّا بتاريخ بلاده وثقافتها ومجريات العصر بمنطقته وبالعالم، قريبا من رعيته...، كما هو الحال لهذا الباي وقلّة من خلفائه على غرار المشير أحمد باشا باي (1837 - 1855) والمنصف باي «باي الشعب» (1942 - 1943).
عادل بن يوسف
- اكتب تعليق
- تعليق