إجرءات وزارة الصحّة للحدّ من ظاهرة هجرة الأطباء
اعتبرت الدّكتورة نبيهة البورصالي فلفول المديرة العامّة للصحّة بوزارة الصحّة أنّ هجرة الأطبّاء التونسيين للعمل في الخارج ممارسة قديمة ومتعارف عليها، وهم ثلاثة أصناف. يمثّل الصنف الأوّل الذين أخفقوا في امتحان الإقامة في الطب. ونظرا إلى رغبتهم في إكمال تكوينهم يسافرون إلى ألمانيا أوالسينغال ويسجّلون في الاختصاص الذي يرغبون فيه دون اجتياز امتحان.
ومن هؤلاء يستقرّ حوالي الرّبع في الخارج ويعود البقيّة إلى تونس بعد الحصول على الاختصاص. أمّا الصّنف الثّاني فيعني الأطبّاء الذين يتابعون تكوينهم في الاختصاص. وبإمكان هؤلاء قضاء السنة الأخيرة من التّكوين في تربّص في الخارج، وترسلهم والوزارة حسب اختصاصهم بنسبة النّصف عن كلّ اختصاص وقد شارك في السّنة الماضية 153 طبيبا في التربّص من مجموع 600 يتابعون الاختصاص، وهؤلاء منهم من يعود بعد التربّص لكن منهم من يبقى في الخارج وهم يمثّلون نسبة 15% من جميع الاختصاصات، و50% ممّن لا يعودون هم أساسا من المختصّين في التّخدير والإنعاش وفي التّصوير الطبّي، وتستقطبهم خاصّة فرنسا وبلجيكا وسويسرا.
ثم يأتي الصّنف الثّالث الذي يهمّ أطبّاء الاختصاص والاستشفائيين الجامعيين المباشرين في القطاع العمومي الذين يسافرون للعمل بعقود مهمّة في إطار التعاون الفني في دول الخليج العربي خاصة ويعود غالبيتهم إلى تونس (حوالي 95%). وبخصوص الأطبّاء العاطلين عن العمل أو المباشرين في القطاع الخاصّ الذين يهاجرون ذكرت المديرة العامّة للصحّة أنّه ليس لدى الوزارة معطيات دقيقة بشأن بقائهم في تونس أو مغادرتها للعمل بالخارج، ملاحظة أنّ هذا النّوع من الهجرة يهمّ عموما أطبّاء الاختصاص وبدرجة أقل بكثير أطبّاء الطبّ العام وعددهم ليس بكثير إذ أخفق 454 طبيبا عامّا و 110 أطبّاء مختصّين في مناظرة انتداب الأطبّاء لسنة 2017.
وعمّا إذا كانت الوزارة تنوي إعادة النّظر في تربّصات الأطبّاء الشبّان بالخارج، أكّدت الدّكتورة نبيهة البورصالي فلفول أنّ مشاركتهم في هذه التربصات هامّة ومفيدة لأنّها تكسبهم كفاءات جديدة وتثري تجاربهم، قائلة: «وإذ يؤسفنا قرار الذين يفضّلون البقاء في الخارج منهم فإنّ قطاع الصحّة سيستفيد ممّن يعودون ومن خبراتهم الجديدة المكتسبة».
وعن سؤال يتعلّق بخطّة وزارة الصحّة لوقف هجرة الكفاءات الطبية وتشجيعها على البقاء في تونس، أجابت الدكتورة نبيهة البورصالي فلفول بالقول إنّ الوزارة اتّخذت حزمة من الإجراءات في هذا الشأن تطبّق على المدى القصير وعلى المدى الطّويل نذكر منها:
- الزّيادة في عدد خطط الانتداب المتاحة بالنسبة إلى المساعدين والمبرزين في الطبّ وانتداب أطبّاء اختصاص في المراكز الاستشفائية الجامعية.
- تنظيم ظروف العمل وتحسينها في المستشفيات العمومية وتعصير التّجهيزات الطبية.
- تمكين الطّبيب في القطاع العام من المشاركة في اتّخاذ القرارات المتعلّقة بالمؤسّسة التي يعمل فيها.
- السّماح للأطبّاء العاملين في المستشفيات العمومية في الجهات ذات الأولوية بممارسة النّشاط الطبّي للمصلحة الخاصّة بعد الظّهر مرّتين في الأسبوع.
- السّماح لأطبّاء الاختصاص بالقيام بحصص استمرار في 24 مستشفى جهويا في المناطق ذات الأولوية. ويحصل الطّبيب بالمقابل على ما بين 350 د و600 د في الحصّة الواحدة.
- فتح 120 خطّة إضافية في مناظرة الإقامة شرط الالتزام بقضاء فترة عمل في إحدى الجهات تتراوح بين 4 و5 سنوات.
- تشجيع الأطبّاء على العمل في القطاع العمومي من خلال برنامج تشترك فيه كليات الطبّ والصيدلة والمؤسّسات شبه الطبية.
- وضع مشروع لإصلاح الدّراسات الطبيّة وتطوير المهنة.
لا نعتقد البتّة أنّ ما سبق ذكره من إجراءات يكفي لإيجاد حلول ناجعة لمعضلة هجرة خيرة كفاءاتنا الطبية، وخاصّة الشابّة منها، باعتبارها الضّامنة لديمومة خدمة صحيّة متميّزة في المستقبل. إنّ إيقاف النّزيف يستدعي حتما استراتيجية شاملة تُنَاقش في إطار حوار وطني، ويشترك في وضعها مختلف المتدخّلين من هياكل تكوين أكاديمي وأطبّاء وهيآت تمثّل المهنة وترعى مصالحها ووزارات معنيّة ومجتمع مدني، خاصّة وأنّ هذه الأطراف تلتقي كلّها تقريبا حول تشخيص موحّد للداء الذي بات ينخر قطاع الصحّة في البلاد. ولا شكّ أنّ هذه القضيّة يجب أن يُدرج النظر فيها في إطار أشمل، ونعني هجرة الكفاءات العلمية عالية المستوى التي لئن تحقّق فائدة للفرد من حيث تكوينه وتحسين وضعيته المادية فإنّها تتسبّب في خسارة فادحة لبلد مثل تونس، ما فتئ منذ الاستقلال ينفق الكثير من أجل تكوين موارد بشريّة مقتدرة تساهم في تنميته ونهضته العلمية والتكنولوجية.
ولا مراء أنّ هذا الوضع لا تختصّ به تونس، بل هو قاسم مشترك بينها وبين العديد من البلدان، وخاصّة النامية منها، التي تستقطب الدول المتقدّمة صفوة علمائها، ممّا يجعلنا نقف اليوم أمام عالمين: عالم يهجره أبناؤه وعالم يغريهم بالقدوم.
قراءة المزيد:
هجرة الكفــاءات التــونسيـة: كيـف نـوقــف الــنّـزيـف؟
أيّ حلول لهجرة الأطباء التونسيين؟
د. علي المطيراوي رئيـس جـامـعة ســوسة: أطباؤنا الشبّان تربّوا على الحلم بالهجرة
شهادتا طبيبين اختارا طريق الهجرة
- اكتب تعليق
- تعليق