تونس: صدأٌ بالتشريع المنظِّم للمؤسسات البيئيّة
بقلم القاضية نجيبة الزاير - يعتبر الجانب المؤسّساتي لحماية البيئة، أداة في يد الدولة تسطّر بواسطته هذه الأخيرة السياسة البيئيّة المتبعة وكيفية تبنّيها للواعز البيئي وآليّات تجسيدها لحماية العديد من عناصر البيئة ومكوناتها على أرض الواقع مركزيًّا وجهويًّا؛ وأيضا مدى تطبيقها لمبادئ وأهداف التنمية المستدامة والمؤشرات البيئية التي تتوخاها. فتتمثل هذه السياسة المؤسساتية البيئيّة في إحداث هياكل مختلفة حسب مجال تدخّلها واختصاصها، وبحسب العنصر البيئي المراد حمايته و تغطيته. ونلاحظ توفر عديد الهياكل التي تعني بحماية البيئة في تونس، تنضوي تحت إشراف وزارة البيئة وأيضا تحت إشراف وزارات أخرى.
إلا أنه وبالتمعن في أداء هذه المؤسسات، نلاحظ وهنًا بارزًا وإخلالات متعددة في أدائها. وتعود هذه الهنات إلى الإطار التشريعي الذي يؤطرهذه المؤسسات، والذي لم تقع مراجعته جذريا وفق المتطورات الجديدة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي بالبلاد، و في إهمالٍ للمتطورات الحثيثة الجارية من حيث تطور الانتهاكات البيئية، وأمام التغير المناخي(1) والتحديات البيئية على صعيد السياسة العالمية والوطنية وأمام صدور مجلة الجماعات المحلية بموجب القانون الاساسي عدد29 لسنة 2018.(2)
وللغرض، آثرنا بيان الهنات المجسدة في قدم بعض النصوص اوعدم ملائمتها للواقع البيئي على الصعيد الوطني والدولي وانتقينا للغرض، التطرق الى بعض المؤسسات ذكرًا لا حصرًا، وسنتناول تباعا، الوكالة الوطنية لحماية المحيط(1)، ووكالة تهيئة وحماية الشريط الساحلي(2)، والوكالة الوطنية للتصرف في النفايات(3)، والديوان الوطني للتطهير(4).
1- بالنسبة للوكالة الوطنية لحماية المحيط
أحدثت هذه المؤسسة بموجب القانون الأساسي عدد 91 المؤرخ في 2 أوت 1988، كما تم تنقيحه بالقانون عدد 115 المؤرخ في 30 نوفمبر 1992(3)، والذي ألغى العمل بأحكام الفصل 3و8و11و12و13من القانون المحدث للوكالة الصادر في 2 أوت 1988 المذكور، وبالقانون عدد 120 المؤرخ في 27 ديسمبر 1993 وبالقانون عدد 14 المؤرخ في 30 جانفي 2001.(4)
بيد أننا نلاحظ، أن هذه الوكالة لا تزال تُسيَّر وفق قانون أضحى غير متناغم مع ما يحدث بيئيًّا في الايام الاخيرة(5)، فالرؤية التشريعية لسنة 1992، تجاوزها الزمن بتطور الإطار التشريعي البيئي الدولي وبالواقع البيئي على المستوى الوطني. فضلا على دسترة الحق في البيئة المعتبر من بين الحقوق الاساسية للانسان، سواء بالدستور التونسي لسنة 2014 أوبالدساتير المقارنة.
فلقد بدأت مؤثرات التغير المناخي تتجلى من خلال تغلغل التصحر والجفاف بجهات الجنوب، وبارتفاع منسوب مياه البحاربالجهات الباردة الشمالية في العالم جراء ذوبان الثلوج القطبية. فضلا على الانتهاكات البيئية التي تراوحت وفق النصوص الجديدة في تونس من المخالفات لحفظ الصحة المنصوص عليها بالقانون عدد30 لسنة 2016،(6) إلى الإرهاب البيئي الواردة به أحكام قانون مكافحة الارهاب ومنع غسيل الاموال لسنة 2015 كما تم تنقيحه بقانون 2019،(7) مرورا بصدور مجلة الجماعات المحلية سنة 2018، وبالقانون الأساسي عدد60 لسنة 2019، المتعلق بهيئة التنمية المستدامة وحماية حقوق الاجيال القادمة.
إلا أن هذه الوكالة لا تزال تُسيَّرُ وتشتغل بآليات تكتسي الضباية والتداخل، على غرار آلية الصلح المنصوص عليها بالفصل 11 من قانون إحداث الوكالة؛ ذلك الصلح الذي يعتبر صك مريح في يد الملّوثين، يمكّنهم من انتهاك البيئة بمقابل. فضلا على آلية دراسة المؤثرات(8) التي تجعل من الوكالة، القاضي والجلاد في آن واحد.
2- بالنسبة لوكالة تهيئة وحماية الشريط الساحلي
أحدثت وكالة تهيئة وحماية الشريط الساحلي بموجب الفصل 2 من القانون عدد72 المؤرخ في 24 جويلية 1995.(9) و تم ضبط تنظيمها الإداري والمالي بمقتضى الأمر عدد 2431 المؤرخ في 11 ديسمبر 1995،(10) وهيكلها التنظيمي بموجب الأمر عدد 4799، المؤرخ في 10 ديسمبر 2011.(11)
ومن خلال هذه النصوص التي لم تتم مراجعتها منذ التسعينات، نستشفّ تقلصا في آليات الحماية للبيئة الشاطئية الممنوحة للوكالة. فآليات الحماية التي يوفرها الفصل الاول من القانون عدد72 لسنة 1995 متقلصة من خلال وظائفها مثل وظيفة الموافقة المسبقة المشار اليها بالفصل 4، وفقدان الصبغة الالزامية لهذه الموافقة، فضلا على ان مهام وكالة تهيئة وحماية الشريط الساحلي تجاوزها القانون عدد 29 لسنة 2018 المتعلق بالجماعات المحلية، بناءاعلى ضعف وظيفة الوكالة فيما يتعلق بتسوية وتصفية الوضعيات العقارية تجاه عديد الوضعيات المنتهكة للشريط الساحلي.
ومن جهة أخرى، ومن معيقات النصوص التي أصبحت غير ملائمة للتشريع البيئي الجاري به العمل، نجد أن بعض النصوص تثير بعض التساؤلات بشأن نجاعة وظيفة الوكالة في التصرف في الاراضي التي توضع على ذمتها مناط الفصل 7 من قانون 1995 السابق الذكر، وايضا فيما يتعلق بالانتزاع من أجل المصلحة العمومية مناط الفصل 8 من ذات القانون.
ولكن من اهم الهنات التي تصيب قانون تنظيم وتسيير الوكالة، تلك الذي تتعلق بمهمتها فيما يتعلق بالشريط الساحلي الذي يحتوي على سلسلة موسعة من الشواطئ التي اضحت منذ سنوات مهجورة من المصطافين ومحجرة فيها السباحة والاستجمام. الامر الذي يتعين معه مراجعة النصوص التنظيمية والتسييرية لهذه الوكالة تنظيما وهيكلا.
3- بالنسبة للوكالة الوطنية للتصرف في النفايات
أحدثت هذه الوكالة سنة 2005 بموجب الأمر عدد 2317 المؤرخ في 22 أوت 2005،(12) كما تم تنقيحه بالأمر الحكومي عدد 603 المؤرخ في 16 ماي 2017.(13)
والتي لم تعد في مستوى الانتظارات من التصرف في النفايات. إذ انه وبالرغم من حصول اشكاليات عديدة على المستوى الواقعي الا ان المشرع، لم يتفطن لا من خلال نص إحداث الوكالة لسنة 2005 ولا حتى بالنص الوارد تنقيحا لهذا الاخير سنة 2017، الى مسألة تثمين ورسكلة النفايات، وذلك بادراج تنصيص على التوعية المجتمعية في هذا المجال من جهة وعلى آليات الرسكلة من جهة اخرى، عوضًا عن سياسية ردم النفايات المتوخاة منذ سنين.
وعليه، آلت هذه السياسة البيئية على المستوى المؤسساتي المتعلق بالنفايات، التي تغيب عنها الرؤية التشريعية المنطقية والمستقبلية، الى الاشكالات البيئية التي جدّت بالبلاد، مثلما حصل بالرويصات و بنفايات صفاقس وملف النفايات الايطالية، ومشكلة عديد المصبّات بتونس، لعل برج شاكير وجرادو ومصب القنة وعقارب نماذج حية سلبية لأداء هذه النصوص المنظمة لمؤسسة الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات التي تستوجب المراجعة الفورية.
4- بالنسبة للديوان الوطني للتطهير
أحدث هذا الديوان بالقانون عدد 73 لسنة 1974 الذي أُلغِيَ بموجب القانون عدد 41 لسنة 1993، فعرف بعض التنقيحات لعل آخرها، التنقيح الوارد بموجب القانون عدد 35 المؤرخ في 4 جوان 2007،(14) والذي لم يتم مراجعته لحد الان رغم كل الاشكاليات المطروحة فيما يتعلق بمهام الديوان الوطني للتطهير.
فلقد جاء الفصل 2 من القانون عدد14 لسنة 2001، المؤرح في 30 جانفي 2001(15) بإلغاء أحكام الفصل 12 من القانون السابق الذكر والمتعلق بالديوان الوطني للتطهير، وكان هذا الفصل 12 جديد يبين كيفية السكب والتخلص من فواضل المياه غير المنزلية، وفقا لشروط يضبطها كراس شروط مصادق عليها من وزير البيئة.
إلا أن واقع الأمور يبيّن لنا بأن هذا الديوان تسبب منذ سنوات في حرمان العديد من المصطافين ومتساكني المدن الساحلية على هجر السباحة والاستجمام بتولّيه تصريف نفايات الصرف الصحي بالبحار على غرار شواطئ الضاحية الجنوبة برادس والزهراء وحمام الانف التي كانت في الماضي القريب من أجمل الشواطئ التي تؤم السياح من كل مكان، فيما تغير لونها حاليًّا، وأضحت تنبعث منها الروائح الكريهة، وتوضع أمامها لافتات تحجّر السباحة بها، لما تتضمن المياه الشاطئية من خطر على صحة المواطنين.
وعليه، يتعين مراجعة الاطار التشريعي المنظم والمسير للديوان الوطني للتطهير، وتنقيح هذا الاطار التشريعي الى ما يُسايِر مطالب الثورة وشعاراتها المتعلقة بالكرامة الوطنية؛ تلك الكرامة التي تتحقق أيضا بالحق في العيش في بيئة سليمة./.
قاضية
ومديرة الدراسات بالمعهد الاعلى للقضاء(سابقا)
(1) نجيبة الزاير، قانون البيئة، المبحث الخاص بالتغير المناخي، مجمع الاطرش، تونس.2020،ص.186 الى 221.
(2) القانون الاساسي عدد 29 لسنة 2018 المؤرخ في 9ماي 2018، والمتعلق بمجلة الجماعات المحلية، الرائد الرسمي عدد 39، الصادر بتاريخ 15 ماي2018،ص.1710-1767
(3) الفصل 1 من القانون الأساسي الذكور، الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 81 لسنة 1992 الصادر بتاريخ 4 ديسمبر 1992..
(4) الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 10، الصادر بتاريخ 2 فيفري 2021،ص.253-254.
(5) ولقد أحدثت الوكالة الوطنية لحماية المحيط بموجب القانون الأساسي عدد 91 المؤرخ في 2 أوت 1988، كما تم تنقيحه بالقانون عدد 115 المؤرخ في 30 نوفمبر 1992 . هذا القانون الذي ألغى العمل بأحكام الفصل 3و8و11و12و13من القانون المحدث للوكالة الصادر في 2 أوت 1988 المذكور
(6) الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 30 الصادر بتاريخ 12 افريل 2016، ص.1277-1279.
(7) القانون عدد 9 المؤرخ في 23 جانفي 2019 المتعلق بتنقيح قانو 2015 المتعلق بمكافحة الارخاب وبمنع غسيل الاموال، الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 9،الصادر بتاريخ 29 جانفي 2019،ص.235-242.
(8) الامر عدد 1991 لسنة 2005 المؤرخ في 11 جويلية 2005، والمتعلق بدراسة المؤثرات على المحيط وضبط أصناف الوحدات الخاضعة لدراسة المؤثرات على المحيط وأصناف الوحدات الخاضعة لكراسات الشروط، الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 57 الصادر بتاريخ 9 جويلية 2005،ص.1931.
(9) الراد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 61،الصادر بتاريخ 01 أوت 1995،ص.1707-1708.
(10) الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 101،الصادر بتاريخ 19 ديسمبر 1995،ص.2426-2428.
(11) الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 99،الصادر بتاريخ 30 ديسمبر 2011،ص.3163.
(12) الأمر عدد 2317 لسنة 2005 المؤرخ في 22 أوت 2005 والمتعلق بإحداث وكالة وطنية للتصرف في النفايات وبضبط مهامها وتنظيمها الإداري والمالي وكذلك طرق تسييرها.الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 68 الصادر بتاريخ 26 أوت 2005 ص2465-2467.
(13) الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 41 الصادر بتاريخ 23 ماي 2017،ص.1687-1689.
(14) الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 45 الصادر بتاريخ 5 جوان 2007، ص. 1935-1936.
(15) القانون عدد14 لسنة 2001 المتعلق بتبسيط الاجراءات الاداية الخاصة بالتراخيص المسلمة من طرف وزارة البيئة والتهيئة الترابية في المجالات الراجعة لها بالنظر، الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 10 الصادر بتاريخ 2فيفري 2001، ص.253.
قراءة المزيد
- اكتب تعليق
- تعليق