اصدارات - 2019.05.03

الإسلام السّيـاسي ومفهـــوم المخــاطر لفـريد بن بلڤــاسـم

الإسلام السّيـاسي ومفهـــوم المخــاطر لفـريد بن بلڤــاسـم

صدر مؤخّرا عن دار الجنوب للنّشر بتونس كتاب يتناول إحدى المسائل الرّاهنة وبالغة الأهميّة في حياة جلّ أقطار البلاد العربيّة وهي مسألة الحركات التّي تنضوي تحت ما يُسمّى بالإسلام السّياسي. وصاحب الكتاب هو الأستاذ فريد بن بلقاسم، جامعيّ يُدرّس الحضارة بالمعهد العالي للعلوم الإنسانيّة بتونس، وصُدّر الكتاب بتقديم للأستاذ عبد المجيد الشّرفي مُدير بيت الحكمة والمُختصّ في الدّراسات الحضاريّة القديمة والحديثة.  ولعلّ المزيّة الأهمّ لهذا الكتاب تكمن في أنّه قارب مسألة الإسلام السّياسي مُقاربة علميّة أكاديميّة سمتها الموضوعيّة والحياد بمنأى عن الأحكام المعياريّة والأفكار المسبقة والمُهاترات الإيديولوجيّة.

ويضمّ الكتاب مدخلا خُصّص لتحديد إشكاليّة المسألة وضبط أبرز مفاهيمها وقسمين اثنين : أوّلهما في مخاطر حركات الإسلام السّياسيّ وثانيهما في طرق الاستجابة لتلك المخاطر. وقد أقام المؤلّف كلّ قسم من قسمَيْ الكتاب المذكورين على فصلين اثنين حيث بيّن في أولى فصول القسم الأوّل نوعيّة التّحديّات والتّهديدات التّي تمثّلها حركات الإسلام السّياسي ببعديها الفكريّ والأمنيّ، وشرح في الفصل الثّاني طبيعة تلك المخاطر ونقاط الضّعف الرّاتبة عنها.

أمّا في القسم الثّاني فاهتمّ في الفصل الأوّل منه بمسألة الاستجابة للمخاطر ويقصد بذلك سبل مواجهتها والتّعاطي معها، وتناول في الفصل الثّاني قضيّة الاستجابة للتّحديّات والتّهديدات.

وتكمن قيمة الكتاب في أهميّة النّتائج التّي انتهى إليها المؤلّف بعد التّحليل إذ أسلمه البحث إلى استخلاص جملة من الحقائق البيّنة:

  • أولاها أنّ المسألة الدّينيّة ليست عند حركات الإسلام السّياسي سوى غطاء إيديولوجيّ تعبويّ من أجل الوصول إلى السّلطة وفرض مشروعها المجتمعيّ والسّياسيّ، إذ هي تتّخذ الدّين مطيّة لتحقيق أغراض غير دينيّة، فهي إذا تتستّر بالدّين وتوظّفه لغايات سياسويّة ممّا حدا بخصومها السّياسيّين إلى وصمها بـ«المتاجرة بالدّين».
  • ثانيها أنّ مشروعها المجتمعيّ والسّياسيّ مشروع ماضويّ مُفارق للعصر الرّاهن ومقتضياته ويُعيق الانطلاقة الحضاريّة المنشودة للبلدان العربيّة إذ يُعرقل اكتسابها عناصر القوّة اللّازمة لتحقيق أهدافها في التّقدّم والرّقيّ، ومن هذا المنظور فإنّ حركات الإسلام السّياسيّ عامل دفع إلى الوراء يتقهقر بالعالم العربيّ إلى دهاليز الماضي ويحول دونه والاتّجاه إلى المستقبل ويمنعه من اللّحاق بركب الحضارة الإنسانيّة.
  • ثالثها اقتران هذه الحركات بالجنوح إلى استعمال العنف بشتّى أنواعه الرّمزيّة والمعنويّة والماديّة، وهو عنف يُقوّض الأمن والاستقرار في مختلف الأصعدة. ولاحظ المؤلّف أنّ هذا العنف قد تعاظم في المرحلة الرّاهنة فبات عنفا وحشيّا عدميّا ألحق أضرارا جسيمة بوحدة المجتمعات والدّول وشوّه صورة العرب والمسلمين عبر العالم.
  • رابعها التقاء هذه الحركات موضوعيّا مع المشروع الأمريكي الصّهيوني لتقسيم الدّول العربيّة إلى دويلات صُغرى على أُسس طائفيّة ومذهبيّة، فهي من هذه الجهة تخدم مشروع القوى الإقليميّة والدّوليّة.

ويقترح المؤلّف جملة من الآليّات لمواجهة المخاطر النّاجمة عن حركات الإسلام السّياسيّ على الأصعدة السّياسيّة والتّنمويّة والأمنيّة والقضائيّة، ويرى أنّ أهمّ ما يُمكن أن تُواجَه به التّحديّات والتّهديدات التّي تطرحها هذه الحركات هو تجديد الفكر الدّيني ومراجعة وضع المؤسّسات المختصّة في الشّأن الدّينيّ وإصلاح مناهج التّربية والتّعليم ومواجهة خطاب أدلجة الدّين وتوظيفه في الصّراعات السّياسيّة والحزبيّة.

وفي الجملة فإنّ الكتاب يُعدّ تشريحا دقيقا لحركات الإسلام السّياسيّ بمختلف أصنافها فكرا وممارسة وتنبيها على المخاطر الجسيمة التّي تمثّلها بالنّسبة إلى البلاد العربيّة حاضرا ومستقبلا ، وهو يُعتبر كذلك تأكيدا على أنّ هذه الحركات مهما تلوّنت وحاولت تلميع صورتها وادّعت مراجعة خياراتها الفكريّة والتّنظيميّة تظلّ منشدّة على الدّوام إلى عقائدها الرّاسخة وهي العنف وفرض مشروع ماضويّ مُدمِّر لمقدّرات البلدان العربيّة وخدمة مشاريع الفوضى والتّقسيم الطّائفيّ والمذهبيّ.

ورقــــــات من كتاب

إسلاميّــــون في الحكــــم

«تشكّل التّجربة السّودانيّة إثر انقلاب 30 حزيران / جوان 1989 مثالا لما يُمكن أن يُؤدّي إليه خلط الدّين بالسّياسة ووصول حركة إسلاميّة إلى السّلطة ، فإضافة إلى المشكلات الاقتصاديّة والاجتماعيّة إذ تدهورت الأوضاع المعيشيّة وانتشر الفقر والأميّة والبطالة، وظلّت البنية التّحتيّة هشّة، فقد اندلعت حرب أهليّة بسبب مسألة فرض الشّريعة على مجتمع متعدّد الأديان والإثنيّات والتّضييق على الحريّات وانتهت بانفصال القسم الجنوبي عن الشّمال وتأسيس دولة جنوب السّودان في 9 تموز / جويلية 2011.

وكشفت طريقة إدارة الحركات الإخوانيّة لشؤون الدّولة في مصر وتونس بعد ما يُعرف بالرّبيع العربيّ – رغم أنّ فترة حكمها كانت قصيرة نسبيّا إذ لم تتجاوز السّنة الواحدة في مصر (حــــزيران / جــــوان 2012 – تموز / جويلية 2013) والسّنتين ونيف في تونس (كانون الأوّل/ ديسمبر 2011 – فبراير / فيفري 2014) – عن افتقارها إلى «رؤية استراتيجيّة في التّعامل مع التّحديّات الدّاخليّة والخارجيّة». ووصف أحد الدّارسين فترة حكم «التّرويكا» في تونس بقيادة حركة النّهضة بدولة الهوّاة، وقد استعرض في نطاق اهتمامه بتاريخ الزّمن الرّاهن جملة من المواقف والقرارات دليلا على الهواية السّياسيّة التّي ميّزت تجربتها في الحكم، واستقصى مادّة وثائقيّة تُحيط بالأحداث التّي جدّت إبّان تلك الفترة (2011 - 2014) سياسيّة وأمنيّة واقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة وقد بنى رؤيته على أساس أنّ الهواية في السّياسة طريق إلى الهاوية.

ويمكن أن نومئ إلى عــــلامـات دالّة على ذلك في النّقاط التّالية:

  • لعلّ أهمّ علامة على غياب رؤية استراتيجيّة لتسيير الدّولة تسييرا عقلانيّا في مشروع الحركات الإخوانيّة هي تعاملها مع أجهزة الدّولة باعتبارها أدوات تنفيذيّة مسخّرة لخدمة مشروعها السّياسيّ والاجتماعيّ، وهو مشروع يُمكن اختزاله في مصطلح «الأخونة» أو «الأسلمة»، أي أنّ إدارتها للدّولة إدارة قائمة على خلفيّة إيديولوجيّة تفتقد أيّ طابع عقلاني يُراعي مصالح الدّولة استنادا إلى معطيات وضعها الدّاخليّ والخارجيّ. فكان همّها فرض سيطرتها على تلك الأجهزة وتطويعها لخدمة أهدافها الإيديولوجيّة ولم تأخذ في الحسبان إمكانيّة التّعارض بين مصالح الدّولة وتلك الأهداف . وفي هذا المضمار يقول أحد الباحثين عن طريقة صنع  القرار داخل حركة الإخوان المصريّة عند تسلّمها السّلطة «كانت عمليّة صنع القرار لدى الإخوان تأثّرت بعمق بالاعتبارات الإيديولوجيّة وبالحسابات الانفعاليّة قصيرة المدى التّي تفتقد التّحليل الاستراتيجي المستند إلى مبدإ الأحلاف والفوائد. كان الوصول إلى السّلطة بمثابة «نهاية التّاريخ» للجماعة ممّا أدّى إلى تهميش مرونتها ونفعيّتها البراغماتيّة الشّهيرة.»

ولقد كانت محكومة في ذلك بمفهوم «التّمكين» إذ تصوّرت أنّها بوصولها إلى سدّة الحكم قد بلغت المرحلة التّي تخوّل لها أن تهيمن على أجهزة الدّولة وتسخّرها لتحقيق مشروعها في إقامة الدّولة الإسلاميّة ونظام الحكم الإسلاميّ وفق تصوّراتها وتأويلاتها المخصوصة، وفي فرض نموذجها المجتمعي من حيث مكانات الأفراد وأدوارهم على قاعدة التّمييز بين الرّجال والنّساء وبين المسلمين وغير المسلمين بحسب تمثّلهم الخاصّ لمفهوم المسلم وبحسب ما ضبطته الشّريعة (الموروث الفقهي).

  • أدّت هذه السّياسة إلى دخول هذه الحركات في صراع ومواجهة مع القوى السّياسيّة والاجتماعيّة والمهنيّة من أحزاب ونقابات وجمعيّات مدنيّة وصحافيّين وإعلاميّين وقضاة ما خلق أجواء مشحونة بالتّوتّر، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر: اعتداء ما عُرف بروابط حماية الثّورة في تونس على مقرّ الاتحاد العامّ التّونسيّ للشّغل المركزي في 4 كانون الأوّل/ ديسمبر 2012 برمي الفضلات عليه، واعتصام تلك الرّوابط أمام مقرّ مؤسّسة التّلفزة التّونسيّة ضدّ ما أسموه «إعلام العار»  لمدّة ما يزيد على 50 يوما في الثّلث الأوّل من سنة 2012.  وفي مصر حاصر متظاهرون ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين والتيّار السّلفي مقرّ المحكمة الدّستوريّة العليا ومنعوا القضاة من الدّخول إليه في الثّاني من كانون الأوّل / ديسمبر 2012 لتسليط ضغط نفسيّ ومادّي عليهم. وما زاد الأوضاع استفحالا تغاضي تلك الحركات إن لم يكن تواطؤها عمّا كانت تقوم به الجماعات المتشدّدة من أعمال عنف ضدّ القوى المنافسة لها. (ص . 149 – 152) 

د. الحبيب الدّريدي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.