خفــايا الرقــابة العمــومية في تونس: كيـف تعمـل؟ ومـاهـي نقـائصهـا؟
تضمّ منظومة الرقابة العمومية والتدقيق في تونس عدّة متدخّلين. وقد توسّعت وزادت صلاحياتها بعد الثورة حرصا على مكافحة الفساد الذي استشرى في السنوات الأخيرة كما تدلّ على ذلك عديد المؤشّرات، وسعيا إلى تطوير أساليب التصرّف العمومي في إطار فلسفة رقابية تقوم أساسا على الوقاية قبل الزّجر.
ماهي مكوّنات هذه المنظومة ؟ وكيف تشتغل ؟ وماهو مآل التقارير التي تصدرها؟ وماهو مدى تطبيق التوصيات الواردة فيها؟ هل ساهمت في الحدّ من الإخلالات والتجاوزات المرصودة؟ وكيف السبيل إلى تدارك ما لاح فيها من نقائص لرفع درجة جدواها ونجاعتها واجتناب ما قد يحصل من ازدواجية في مهامّ عدد من مكوّناتها؟
تلك أسئلة نحاول الإجابة عنها في هذا الملفّ من خلال استجوابات أجريناها مع رؤساء هيئات الرقابة والتدقيق واستجلاء آراء عدد من المختصّين في هذا المجال.
مكـــوّنــــات المنظومــــة
تعمل منظومة الرقابة في تونس على واجهتين فمن جهة التفقديات الوزارية وهي تراقب مصالح وزاراتها وإدارات التدقيق الداخلي في المنشآت العمومية ومن جهة ثانية الهيئات التي تعمل على مستوى المراقبة والتدقيق في التصرف العمومي بما في ذلك في الوزارات التي تنتمي إليها، علما أنّ هذه الرقابة تنتهج الجانب الوقائي القَبْلي أو المسبق وجانب التدقيق البعدي أو اللاحق.
وتعمل الرقابة العامّة في التصرّف العمومي حسب السيد ميخائيل بالرابح المراقب العام للمصالح العمومية وفق ثلاثة مسارات:
أوّلا: الرقابة القبلية وهي التي تسبق أعمال التصرف كأن تنفّذ رقابة قبل إنجاز مناظرة في القطاع العام مثلا .وتعمل في هذا المسار ثلاثة هياكل تابعة لرئاسة الحكومة هي الهيئة العامة لمراقبة المصاريف العمومية وتعمل على مستوى الوزارات والجماعات المحلية وتؤشّر على النفقـــات قبـــل إنجـــاز العمل. وهيئة مــراقبي الـــدولة وتختـــصّ بالمنشآت العمومية والهيئـــة العليا للطلب العمومي وتختـــصّ بالصفقـــات العمـــومية.
ثانيا: الرقابة اللاّحقة وتعمل في هذا المسار ثلاث هيئات نشاطها أفقي وتراقب كلّ الأنشطة وهي هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية التابعة لرئاسة الحكومة وهيئة الرقابة العامة للمالية وتتبع وزارة المالية وهيئة الرقابة العامة لأملاك الدولة والشؤون العقارية التابعة لوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية .وتنضوي التفقديات الوزارية وإدارات التدقيق الـــداخلي في المنشآت العمومية في هذا المسار.
ثالثا: الرقابــــة الأفقية وتقوم بها دائرة المحاسبات (تسميتها الجديدة محكمة المحاسبات حسب الفصل 117 من الدستور) وهي سلطة مستقلة تختصّ أساسا بالمصادقة على حسابات الدولة والتدقيق فيها ولها دور زجري . وإذا كانت كلّ الهيئات الرقابية المشار إليها سابقــا هي هياكل إدارية محدثة بمقتضى أوامر وتعمل لدى السلطة التنفيذية. فإنّ دائرة المحاسبات هي سلطة قضائية وهي مؤسّسة دستورية. وتوصف أيضا بأنّها رقابة خارجية إذا اعتبرنا الرقابة التابعة للسلطة التنفيذية رقابة داخلية.
أمّا الجهاز الذي ينسقّ بين الهيئات المتدخّلة في المشهد الرقابي ويتابع تقارير الرقابة التي تصدر عنها وخاصّة الهياكل العاملة في الرقابة اللاحقة فهو الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية التابعة لرئاسة الجمهورية.
وعلاوة على ذلك يقوم مجلس نواب الشعب بالرقابة من خلال إحداث لجنة برلمانية للغرض وكذلك هيئة الحـــوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وهـــي هيئة دستـــورية مستقلة.
تقارب مهامّ مكوّنات منظومة الرّقابة
إنّ أوّل ما يلاحظ في عمل هيئات الرقابة العامة الثلاث المشار إليها في صنف الرقابة اللاحقة أنّها تقوم أحيانا بأنشطة رقابية متقاربة المجال بحكم عملها في مراقبة التصرّف في هياكل الدولة والمؤسّسات العمومية لكن تتميّز كلّ واحدة منها بأنّها أكثر اختصاصا في مجال معيّن فهيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية التابعة لرئاسة الحكومة هي أكثر تخصّصا في المنشآت العمومية والتقييم التشاركي وهيئة الرقابة العامة للمالية التابعة لوزارة المالية هي أكثر تخصّصا في تدقيق حسابات المشاريع المموّلة بموارد خارجية أمّا هيئة الرقابة العامة لأملاك الدولة والشؤون العقارية التابعة لوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية فاختصاصها أملاك الدولة كالعقارات والسيارات.
وتركّز هيئات الرقابة العامة الثلاث في منهجية عملها على مدى احترام الهياكل والمؤسّسات العمومية الخاضعة للرقابة للنصوص القانونية والترتيبية المنظّمة لنشاطها ويعبّر عنها المختصّون برقابة التطابق. ويتمّ تنفيذ الأنشطة الرقابية عادة من خلال منهجين فإمّا عبر برنامج سنوي يضمّ مهمّات رقابية معمّقة تعدّه هيئة الرقابة المعنية بعد اختيار القطاع الذي سيخضع للرقابة وتحديد المهمّة داخله أو عبر إنجاز أبحاث خصوصية غير مبرمجة استجابة لعرائض تتلقّاها الهيئات من مواطنين بعد أن يتمّ التّأكد من جديتها أو طلبات ترد عليها من وزارات للبحث والتدقيق في بعض جوانب التصرّف عموما فيها. وبدأت الهيئات تطوّر عملها لتنتقل من مقاربة التطابق إلى مقاربة تقييم الأداء وتحديد المهمّات باعتماد المخاطر. وتنسّق الهيئات على مستوى تلك البرمجة السنوية مع الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية حتّى لا تحدث ازدواجية في المهام الرقابية التي تبرمجها الهيئات الثلاث . ونظرا لتقارب مهامها ظهر مقترح مهمّ يتمثّل في دمج الهيئات الثلاث وبعث هيكل معزّز تجمع فيه كلّ الهيئات الرقابية يتولّى مراقبة كلّ ما له علاقة بالتصرف في ميزانية الدولة سواء كان تصرّفا إداريا أو ماليا.
وتشترك الهيئات الثلاث في عدم نشرها تقاريرها للعموم في حين نجد صدى تلك التقارير في تقارير المتابعة التي تصدرها الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية وفي تقارير دائرة المحاسبات.
خالد الشابي
قراءة المزيد:
خفــايا الرقــابة العمــومية في تونس: كيـف تعمـل؟ ومـاهـي نقـائصهـا؟
دائـرة المحـاسبات أعمـال رقابية ومهامّ قضائيــة
هيئة الرّقابة العامّة للماليّة: مشمـولات خــصـوصـيّـة
الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية: التنسيق والمتابعة
كيــف الـسّبيــل إلى تطـويـر منظـومة الرقـابة العـامـة؟
- اكتب تعليق
- تعليق