دائـرة المحـاسبات: أعمـال رقابية ومهامّ قضائيــة
تقوم الهيئات الرقابية المختلفة والراجعة بالنظر إلى السلطة التنفيذية بمهمّاتها الرقابية الداخلية بينما تتميّز عنها دائرة المحاسبات بأنّها مؤسّسة عليا للرقابة على التصرف في المالية العمومية مستقلّة عن السلطة التنفيذية تتولّى الرقابة الخارجية وتساعد السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية على رقابة تنفيذ قوانين المالية وغلق الميزانية. فكيف تعمل دائرة المحاسبات؟
رقابة متعدّدة الأوجه
التقينا السيد نجيب الڤطاري الرئيس الأوّل لدائرة المحاسبات (وهو أيضا رئيس مجلس القضاء المالي والنائب الثاني لرئيس الهيئة الوقتية لدستورية مشاريع القوانين والأمين العام للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة التي مقرّها تونس) فقال: هي هيكل رقابي له استقلالية وظيفية مكتسبة منذ دستور 1959 في باب مجلس الدولة الذي أعطاه الوظائف الرقابية والقضائية .والآن هي مكوّن من مكوّنات السلطة القضائية في الفصل 117 من دستور 2014 (ستصبح عند تفعيل هذا الفصل محكمة المحاسبات وذلك بالمصادقة على القانون الأساسي للمحكمة المودع لدى مجلس نواب الشعب من طرف الحكومة منذ جوان 2016 وقد بدأت لجنة التشريع العام مناقشة هذا المشروع في أواخر سنة 2018 وله أولوية النظر). وبخصوص الأعمال الرقابية أشار السيد نجيب القطاري إلى أنّ دائرة المحاسبات تقوم برقابة المطابقة أو المشروعية وهي تهتمّ بمدى تقيّد الهياكل الخاضعة للرقابة بالأحكام والتراتيب الجاري بها العمل. وتقوم الدائرة بالرقابة المالية وذلك بالتثبّت في مدى مصداقية القوائم المالية والبيانات المالية للهياكل الخاضعة للرقابة. وتقوم أيضا برقابة الأداء بالمقارنة بين الإمكانيات والأهداف المحدّدة. وبالإضافة إلى الأعمال الرقابية بيّن الرئيس الأول للدائرة أنّ لها مهامّا قضائية إذ تصدر أحكاما تتعلّق بالقضاء في حسابات المحاسبين العموميين وفي زجر أخطاء التصرّف وكلّ ما هو مسند بالقانون للقضاء المالي والقضاء في المخالفات الانتخابية. وتقوم الدائرة حاليا بالمتابعة عرضا من خلال برمجة نفس المهمة بعد مدة أو عند تلقّي إعلام بشبهات فساد. ولاحظ السيد نجيب القطاري أنّه ينتظر المصادقة على القانون الأساسي لدائرة المحاسبات الذي بمقتضاه ستتولّى متابعة نتائج أعمالها وفقا للمعايير الدولية المعتمدة وخاصّة تلك الصادرة عن المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة والتي تضمّ قرابة 200 جهاز أعلى للرقابة المالية والمحاسبة في العالم ودائرة المحاسبات التونسية عضو فيها.
إحالة ملفّات إلى دائرة الزّجر المالي وأخرى إلى القضاء
وبخصوص أسباب نشر الدائرة للتقارير الرقابية دون غيرها من الهيئات الرقابية، أفاد السيد نجيب القطاري أنّ عملية نشر التقارير انطلقت منذ سنة 2011 بإذن من رئيس الجمهورية آنذاك . لذلك تنشر كل التقارير على موقع الدائرة أما الندوات الصحفية حول التقارير فقد انطلقت سنة 2012 سواء تعلّق الأمر بالتقارير السنوية أو الخصوصية. وفي السنة الماضية 2018 تمّ لأوّل مرّة نشر التقرير31 قبل عقد الندوة الصحفية. ونظرا إلى أنّ هذا التقرير- الذي وُضع على ذمة دافع الضرائب التونسي ليطّلع على كيفية صرف الأموال الوطنية – قد أثار ردودا مشكّكة في نتائج بعض المهمّات الواردة فيه سألنا السيد نجيب الڤطاري عن رأيه في هذا الشأن فبيّن أنّ مهنية قضاة وكتبة دائرة المحاسبات وحرفيتهم هي الضامن لنزاهة أعمال الدائرة وحيادها وتجرّدها من كلّ الميولات السياسية، علما أنّ الرئاسة الأولى الحالية للدائرة مكتسبة بالانتخابات وبترشيح حصري من المجلس الأعلى للقضاء وهذا يضمن استقلال الرئيس والدائرة وسلامة القرار وعلما أيضا أنّ دائرة المحاسبات يعمل فيها قضاة (170 قاضيا). وأشار إلى أنّ هناك ملفّات متصلة بالتقرير 31 أحيلت إلى دائرة الزجر المالي وملفات أخرى أحيلت إلى النيابة العمومية وملفّات هي في طور الإحالة.
دعم دائرة المحاسبات
وحول مجالات تطوير عمل الدائرة وتطبيق المحاسبة دعا الرئيس الأوّل لدائرة المحاسبات إلى تعزيز الدائرة بما يكفي من الموارد البشرية (قضاة وكتبة) والوسائل المادية اللازمة خاصّة وأنّ هناك أعباء جديدة تنتظر الدائرة وتتعلّق بدخول مجلة الجماعات المحليّة حيّز التطبيق وخضوع الجماعات المحلية للرقابة الحصرية اللاحقة للقضاء المالي وهذا يتطلب تقريب القضاء المالي من المتقاضين وتوفير الموارد البشرية والوسائل المادية اللازمة لأداء المهام الموكولة إلى القضاء المالي في أحسن الظروف. كما دعا إلى أن يتولّى مجلس نواب الشعب والحكومة متابعة نتائج المهمّات الرقابية وإصلاح ما يجب إصلاحه وإدخال التوصيات الرقابية حيّز التّطبيق ووضع حدّ لثقافة اللامحاسبة.
قراءة المزيد:
خفــايا الرقــابة العمــومية في تونس: كيـف تعمـل؟ ومـاهـي نقـائصهـا؟
- اكتب تعليق
- تعليق