أخبار - 2018.08.27

إقرار قانون »إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي«: التداعيات المُنْتَظَرَة والرّدود المُفْتَرَضَة

إقرار قانون «إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي»: التداعيات المُنْتَظَرَة والرّدود المُفْتَرَضَة

ليلة التاسع عشر من شهر جويلية 2018، وبعــد أســـابيع معـــدودة مــن الاحتفال «المشهود» بذكرى قيام دولة إسرائيل السبعين الذي اقترن،هذه السنة، بنقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية إلى القدس، أقرّ الكنيست الإسرائيلي بـ62 صـــوتا مـــؤيدا، و55 صوتا معارضا، وصوتين ممتنعين القانون الأساس الذي يحمل اســم «إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي»...

بإقرار هذا القانون الذي ظلّ موضوع أخذ وردّ طيلة سبع سنوات، والذي كانت جلسات مناقشته صاخبةً، لا سيّما وأنّ بعض النواب العرب الفلسطينيين قاموا بتمزيق مشروعه، ووصفوه بأنّه قانون فصل عنصري، تُدَشِّنُ إسرائيلُ السنةَ الأولى بعد المائة من عمــر وعد بلفور الصادر في 02 نوفمبر 1917، وهو ما يــدل على أنّها ماضية قدما في استكمال تجسيم المشروع الخبيث الذي بَشَّرَ به هذا الوعد «الإبليسي».

وبقدر ما كان إقرارُ هذا القانون محلّ ترحاب من الجانب الإسرائيلي، حيث اعتبر بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي التصويت عليه «لحظة فارقة في تاريخ دولة إسرائيل»، بقدر مـــا كــان محلّ ردود فعل فلسطينية وعربية وإسلاميـــة وحتـــى دولية مستهجنة بسبب طابعه العنصري البَيِّنِ، ولما يمكن أن يكون له من تداعيات خطيرة على الوضع في الأراضي الفلسطينية وفي المنطقة عموما...

ولعلّه مـــن المُفيد، قبـــلَ التطــرّق إلى هذه التداعيات، أن نتوقف عند أهمّ ما جاء في الأحد عشر بندا التي يتكون منها هذا القانون الذي هو أشبه بـ»قانون دستوري» في دولة ليس لها دستور رغم مرور سبعين سنة على قيامها، والذي يكرّس يَهُودِيَّةَ الدولة، ويجعل منها قيمَتَهَا العليا، ومرجعيَّتَهَا القانونية والمعنوية الأولى:

1 - يتعلّق البند الأول من القانون بالمبادئ العامة، وتنصّ الفقرة (أ) منه على أنّ «أرض إسرائيل هي الوطن التّاريخي للشعب اليهودي وفيها قامت دولة إسرائيل»، أمــا الفقرة (ب) فتنصّ على أنّ «دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي لتقرير المصير» بينما تؤكد الفقرة (ج) على أنّ «ممارسة حقّ تقرير المصير في دولة إسرائيل حصرية للشعب اليهــــودي»، وتنطوي هذه المبادئ على جملـــة من مغالطات الايديولوجية الصهيونية التي من أهمها أنها تؤسّس حقّ الشعب اليهودي في تقرير مصيره على ما تسمّيه «تراثه الثقافي والتاريخي» الذي تربطه بفلسطين رغم أنّ وجوده الاستيطاني فيها طارئ عليها وحديث العهد بها، ثم إنّها تتجاهل أنّ إسرائيــل ما كانت لتقوم لولا تشريد الشعب الفلسطيني صاحب الأرض الشرعي بالقـــوة، وهي إذ تجعل حــق تقرير المصيـــر حكرا على اليهود، تحرم العرب الفلسطينيين الذين وقعوا تحت الاحتلال الإسرائيلي في حرب 1948، والذين يشكّلون خُمُسَ المواطنين في إسرائيل، من هذا الحقّ ومن حقوقهم القومية بصفة عامة.

2 - ينصّ البند الثالث على أنّ «القدس الكاملة والموحَّدَة هي عاصمــة إسرائيل»، ويضـــرب هذا البندُ بوضع القدس الذي يجب، كما تمّ الاجماع على ذلك دوليا، أن يُحَدَّدَ من خلال التفاوض بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، عرضَ الحائط.

3 - تؤكد الفقرة (أ) من البند الرابع أنّ العِبْرِيَّة هي لغة الدولة الرسمية، بينما تجرّد الفقرة (ب) اللغة العــربية من طابعها الرسمي، حيث تنص على أنّ «اللغة العربية لها مكانة خاصة في الدولة» وأنّ «تنظيم استعمال اللغة العربية في المؤسسات الرسمية أو في التوجّه إليها يكون بموجــــب القانون»، ورغم أنّ الفقرة (ج‌) تؤكد أنّ ما تقدّم لا يمسّ بالمكانة الممنوحة فعليًّا للغة العربية، فإنّ عدم تدقيق حدود «المكانة الخاصIة» التي يمنحها لها، يُتَوَقَّعُ أن يؤديَ إلى تهميشها.

4 - ينصّ البند الخامس على أنّ «تكون الدولة مفتوحة أمام قدوم اليهود ولمّ الشتات»، وهو بذلك يمنح الحقّ لكل يهودي في الهجرة إلى إسرائيل والحصول على الجنسية الإسرائيلية، لكنه في المقابل يسكت عن حــقّ اللاجئين الفلسطينيين أصحــــاب البــــلاد الشرعيين في العودة إلى ديارهم، كما إنّه يعطي الأفضلية لليهود في العالم على العرب الفلسطينيين.

5 - يوضّح البند السّادس علاقة الدولة مع الشعب اليهودي، فيؤكد في الفقرة (أ‌) على أنّ الدولة «تهتمّ بالمحافظة على ســـلامة أبناء الشعب اليهودي ومواطنيها الذين تواجههم مشاكل بسبب كونهم يهودًا أو مواطنين في الدولة»، كما يؤكّد في الفقرة (ب‌) على أنّ الدولة «تعمل في الشّتات للمحافظة على العلاقة بين الدولة وأبناء الشعب اليهودي»، وفي الفقرة (ج‌) على أنّها «تعمل على المحافظة على لميـــراث الثقـــافي والتــاريخي والديني اليهودي لدى يهود الشتات»، وواضح من هذا البند أنّ القانون يتعامل مع أتباع الديانة اليهودية في إسرائيل والعالم على أساس أنّهم شعب واحد عــابر للحدود والقارات واللغات والقوميات، ومعنى ذلك أنّ إســـرائيل هي بالنسبة إليه دولة لجميع يهود العالم، وليست فقط دولة اليهود الذين يعيشون فيها.

6 - ينصّ البنــــد السابع على أنّ الدولة تعتبر تطوير الاستيطان اليهــودي قيمــــة قومية، وتعمل على تشجيعه ودعم إقامته وتثبيته.

7 - ينصّ البند الثامن على أنّ «التقويم العبري» هو التقويم الرسمي للدولة، وإلى جانبه يكون التقويم الميلادي تقويمًا رسميًا. 

8 - ينص البند الحادي عشر على أنّ أيّ تغيير في هذا القانون يستلزم أغلبية مطلقة من أعضاء الكنيست. وهو بذلك يحصّن هذا القانون من إمكانية تغييره أو إلغائه.

ولعل أهمّ ما يمكن استخلاصه مما سبق هو:

  • أنّ هذا القانون يضعُ نفسه فوق جميع القوانين الأخرى.
  • أنّ الهدف منه هو حماية شخصية الدولة القومية للشعب اليهودي، وتثبيت قيمها كدولة يهودية أوّلا وديمقراطية ثانيا. 
  • أنّه، بناء على ذلك، يجعل يهودية الدولة، مثلما يريد المعسكر اليهودي المتطرف الذي يتألّف من تحالف اليَمِينَيْنِ القوميّ والدينيّ، سابقة على ديمقراطيتها، فالدولة، على هذا الأساس، هي يهوديّة من حيث «الجوهر»، وديمقراطيّة من حيث «الشكل»، لا سيما أنّ ديمقراطيتها ديمقراطية لليهود وحدهم، وهذا ما يضع العرب الفلسطينيين من مواطني إسرائيل، في موضع المواطنين من درجة ثانية. 
  • أنّه يتناقض مع المشروع الصهيوني كما تمّ تحديده في إعلان الاستقلال الذي نصّ عند قيام إسرائيل سنة 1948، على أنّ الدولة «سَتُنَمِّي البلاد لفائدة جميع مواطنيها وستتأسّس على مبادئ الحرية والعدالة والسلام وستضمن المساواة الكاملة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لكل المواطنين دون ميز بسبب العقيدة أو العرق أو الجنس، فالتمييز هو لُبُّهُ، والرسالة التي يرسلها هي رسالة اقصائية بامتياز.
  • أنّه يرسّخ قواعد الثقافة اليمينية المتطرفة، ويجعل منها عقيدة الدولة بالنصّ، وهو، بذلك يفتح الباب واسعًا، من الناحية القانونية، أمام مؤسساتها لممارسة المزيد من أشكال التمييز ضد المواطنين العرب الفلسطينيين، ولحرمانهم من حقوقهم القومية.
  • أنّه، على العموم، يكثّف الأيديولوجية الصهيونية ويثبّت قواعد التيار اليميني المتطرف، وهو بذلك يجهض أي نزعةٍ مدنيةٍ ترمي إلى إقامة دولة المواطنة، أي الدولة التي تساوي بين جميع مواطنيها، حيث أنّه يشرّع التمييز ضدّ العرب الفلسطينيين، ويضع سقفا لتطلعاتهم، ويفرض عليهم شروطا مجحفة في ممارسة اللعبة الديمقراطية الإسرائيلية.

وانطلاقا من جملة هذه الحيثيات، فإنّ الملاحظين يجمعون على أن قانون «إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي» يكتسي خطورة بالغة لا على الشعب الفلسطيني وحده، وإنّما على شعوب المنطقة ككلّ. وتأتي خطورة هذا القانون أولا من خصائصه الذاتية، وثانيا من السّياق الذي تنزّل فيه.إنّ هــــذا القـــــانون، بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني، يمثل إعلان حرب جديدة أشدّ وأشرس عليه وعلى هويته الوطنية، إذ من المنتظر أن تعمد إسرائيل في ظله، وبالاستناد إليه، وانطلاقا من استراتيجيتها القائمة على التمييز العنصري والتطهير العرقي، إلى تكثيف محاولاتها الرّامية إلى اقصاء الفلسطينيين وإلغائهم والاستمرار في عمليات تشريدهم وتهجيرهم القسري وطردهم من أرضهم. ومما يُضَاعِفٌ من خطر هذا القانون، أنّه، كما حذّر من ذلك النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي مسعود غنايم، يشمل الضفّة الغربية، حيـــث أنّه يعتبر أنّ «أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي».

وفي هذا الصدد، يجدر التنبيه إلى أنّ بعض الملاحظين يرون أنّ القانون يشكّل خطوة متقدّمة على طريق ضَمِّ المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلّة، وأنّه سيعمل على «تطبيع» الوجود الإسرائيلي في الضفــة الغربية حتى يجعل منها إقليما إســرائيليا عاديا، عبر إخضاع المستوطنين اليهــود فيــها لسيادة إسرائيل السياسية والقانونية بعد أن كانت خاضعة، تاريخيّا، للقانون العسكري الاسرائيلي. أما بالنسبة إلى المنطقة، فإنّ إقـــرار هذا القانون يعني أنّ الصراع بين إسرائيل والعالم العربي دخل في طور جديد.

وهو، من ناحية أخرى، يُنْذِر بتأجيج الصراعات المذهبية القائمة، وإيقاد المزيد منها بين العرب والمسلمين من أجل التغطية على ما تبيّتُ إسرائيل اقترافَه في حق الفلسطينيين... وليس من باب الصدفة أن يتزامن إقراره مع ما تشهده الحرب في اليمن وعليه، هذه الأيام، من تصعيد خطير يُخْشَى أن يُؤدّي إلى تدويلها بصورة أصرح، وإلى توسيع نطاقها بإشعال الحرب التي يُرَادُ ويُخَطَّطُ لإشعالها، منذ زمن طويل، بين دول الخليج وبين إيران أي بين السنة والشيعة. على أنّ المخاوف من تداعيات هذا القانون تصبح أشد وطأة، حين ننظر الى السياق الفلسطيني والإقليمي والدولي الذي تم إقراره فيه، فهو جاء في وقت ما يزال فيه الفلسطينيون، رغم جميع النكبات التي حلت ويُتَوَقَّع أن تحلّ بقضيتهم، يصرّون إصرارا غريبا على التشبث بحالة الانقسام التي ذهبت بريحهم، وضيعت حقوقهم...أما إقليميا فقد جاء في ظرف يعيش فيه العالمان العربي والإسلامي أردأ وأسوأ الأحقاب في تاريخهما المعاصر، وأما دوليا فإنّه جاء بعد أسابيع معدودة من نقل سفارة الولايات المتحدة الامريكية إلى القدس، وهو ما شكل غطاء لا أخلاقيا له، وللسياسات الإسرائيلية التي تستهدف طرد الشعب الفلسطيني من أرضه وإحلال المستوطنين من كل بقاع العالم محلّه.

ثم إنّه من الواضح أنّه يندرج في إطار صفقة القرن التي تعتبر محاولة لتصفية القضية الفلسطينية نهائيا، ولا شك أنّه سيسهم في تمريــر هذه الصفقة مـــن خـــلال تكريس الأمر الواقع على الأرض، ســـواء من خلال تهويد الأرض الفلسطينية أو الضغط على الفلسطينيين لاقتلاعهم من وطنهم التاريخي. وبالإضافة الى ذلك، فإنّه يقوّض التسوية السلمية ويقضي على حل الدولتين، لا سيما أنّ واشنطن ماضية في دعم السياسات الإسرائيلية بكل الوسائل، وهو ما يتجلّى خاصة في تجميد مساهمتها في ميزانية وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين، فهذا التجميد هو، ظاهريا، وسيلة للضغط على الجانب الفلسطيني من أجل استئناف المفاوضات مع إسرائيل، وضمنيا، هو أداة لخنق الوكالة من أجل دفن قضية اللاجئين نهائيا...

وفي ظلّ هذا المشهد القاتم، يبقى السؤال عن الردود المفترضة على ما يحدث، حائرا يتردد على الألسنة وفي الاذهان، وفي رأيي فإنّ الجواب على قانون «إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهـــودي» يمكن أن ينبنـــيَ على العناصر الخمسة التالية:

1 - لا بدّ أن يسارع الشعب الفلسطيني إلى تدارك أمره، والتغلب على خلافاته، من أجل توحيد صفوفه، وحشد كل طاقاته للدفاع عما تبقى من أرضه ومن حقوقه، ولصيانة مقومات هويته مما يراد لها من تذويب...

2 - لا بد أيضا أن تهجر الدول العربية والإسلامية عادةَ البيانات البائسة التي ألفت إصدارها كلّما حلّت بالقضية الفلسطينية مصيبة جديدة، وأن تتخذ موقفا جديا ونافذا من سياسات إسرائيل الجائرة ومن انتهاكاتها السافرة للحقوق الفلسطينية والعربية...

3 - لا بدّ من تعزيز وتعميق الحراك الذي بدأت منظمة الأمم المتحدة تشهده في مواجهة القانون الإسرائيلي العنصري الجديد، وهو ما تجلّى مثلا في تنديد المفوضية السامية لحقوق الانسان به.

4 - لا بدّ من العمل على الاستفادة من التّيار المناهض لهذا القانون داخل إسرائيل نفسها، وهو تيار فاعل إلى حد أنّ الكنيست الإسرائيلي أصدر في الآونة الأخيرة قوانين للحدّ من فاعليته، ولتحجيم تحركاته التي توثق، على غرار تحرّكات المنظمة الاسرائيلية غير الحكومية «كسر حاجز الصمت»، جرائم الاحتلال وتجاوزاته في الضفة الغربية وخلال الحروب المتتابعة على قطاع غزة.

5 - لا بدّ من العمل، على الصعيد غير الحكومي، وإن أمكن على الصعيد الحكومي أيضا، على تضافر كافة الجهود الفلسطينية والعربية والدولية، مع استخدام كافة الوسائل التكنولوجية الحديثة المتاحة، من أجل فضح هذا «الهوس العنصري الإسرائيلي» الذي يرشح من قانون «إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي»، خاصة وأنّ هذا القانون أبرز أنّ إسرائيل التي كانت تدعي أنّها «الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، باتت اليوم «الدولة العنصرية الوحيدة في العالم باسره».

محمّد ابراهيم الحصايري

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.