التعـدّدية الدّينيـة في تـونس من خـلال البحــث الميـداني
يبيّن الاستطلاع المجرى في إطار إعداد الحالة الدينية في تونس 2011-2015 أنّ معرفة المستجوبين بالمسيحية (74.50 %)، وباليهودية (73.40 %)، لا تتجاوز نسبة معرفتهم بالديانة البهائية (10.6%).
وتحظى المسيحية بهامش من القبول يفوق نسبيا ذاك الذي يبرزه موقف المستجوبين من أن يكون التونسي يهوديا (13.1 % مقابل 11.6 %)، ويتسع الفارق مع البهائية، إذ يرى (2.9 %) فقط منهم أنّ انتماء تونسيين إلى البهائية أمر عادي.
من ناحية أخرى، يُعرب أكثر عدد من المستجوبين عن رفضهم تهوّد التونسيين (29.7 %)، في حين يبدو اتّباع التونسيين البهائية الأكثر إثارة للقلق، ممّا قد يرجع لعدم معرفتهم بها.تظهر النتائج أنّ رفض أشياء محدّدة في معتقد الديانات الثلاث مرتبط بمدى القدرة على ذكرها، وهو ما يقتضي الإلمام ببعض جوانب الدّين العقدية أو الطقوسية أو غيرها. وعليه، إنّ أكثر نسبة من الرّفض لأمور بعينها في معتقد الأديان، في الدراسة، تعلّقت بالمعتقد اليهودي (36.5 %)، فالمسيحي (28.80 %)، ثم البهائي (7.60 %).
ومن ناحية السلوك، نرى أنّ الحرّية الشّخصية، التي يصف بها المستجوبَون انتساب تونسيين إلى الديانات الثلاث الأخرى، لا تُترجم في الواقع عبر قبول إقامة علاقات صداقة معهم، مع تفرّد المسيحية بقدر من التّسامح، وحصول البهائية على أقلّ نسبة. فلدى السؤال: هل تقبل أن يكون لك أصدقاء منهم (المسيحيون، اليهود، البهائيون) كانت نسب القبول (49.80 %، 25.9 %، 16.10%) على التوالي...
ومن جانب آخر يحافظ التونسيون على الموقف المتحيّز إزاء التحـوّل وتغيير الدّين وفــق اتّجاهــاته، إذ لا يكون محلّ قبول إلاّ إذا تعلّق بالدّخول في الإسلام، دون أن يكون مقبولا إذا ما تعلّق بالخروج منــه إلى ما سواه. في هذا الموقف تعبير عن أنّ حريّة الضّمير وحرّية المعتقد شعار يرفعه الكثير، ولا يتقيّد به إلاّ القليل. مردُّ هذا اللّا تكافؤ في التعامل مع فكرة التحوّل هو انغلاق المنظومة الدينية على نفسها بشكل إقصائي لكلّ انتماء ديني مواز أو بديل لأتباعها، فترك الإسلام من أجل اتّباع دين آخر يعدُّ من منظور العقيدة الخاصّة به ارتدادا و«كفرا بعد إيمان»، وهو ما يجعل المتديّن غير قادر على تكييف قناعاته الدينية مع مبادئه الحقوقية والمدنية.
تكثّفت ردود الفعل المستنكرة لقدوم دعاة إسلاميين من خارج تونس لعدّة أسباب، لعلّ أهمّها في نظرهم: إثارة البلبلة وتعقيد الأوضاع في إطار تنامي الخطر الإرهابي والجدل حول موقع الدين من الدولة، لذلك نجد أنّ الرّافضين لقدوم دعاة من خارج البلاد (58.1 %) يعلّلون رفضهم بأنّ قدومهم من شأنه أن يتسبّب في مشاكل (38.8 %)، أو في خلق «لخبطة» في المسائل الدينية (15.6 %) أو أن يساعد على تقوية تيارات دينية دون أخرى (4.8 %)...
يبدو المشهد الخارجي لتونس، للوهلة الأولى، موحّدا نسبيا بالمقارنة مع بعض دول الثّورات العربيّة، لكونه غير محكوم بمنطق التّناحر والصّراعات الطّائفية من جهة، ولأنّ العديد من الطوائف والملل، مثل الدّروز واليزيدية والقاديانية وغيرها، لم يُرصد لها وجود مباشر على مستوى المشهد المذهبي التونسي. إلاّ أنّ نظرة متمعّنة في واقع التفاعلات الاجتماعية الراهنة تكشف عن التباينات الدينية والمذهبية التي تسوده...
تتّضح مفارقة بين الإطار القانوني الضّامن للحريّات وللتعددية، وبين واقع المشهد الديني والمذهبي، الذي لا يخلو من رؤى استئصالية في بعض الأحيان قائمة على إقصاء الآخر. وهي مفارقة تنعكس على مستوى التفاعلات بين الفرقاء، إذ كشف البحث الميداني عن تضارب بين اعتبار انتماء تونسيين سنّة إلى مذهب مغاير حريّة شخصيّة، وبين رفضهم أن يكون لهم أصدقاء منهم، ممّا يعبّر عن نوع من التّذبذب، ويكشف عن مفارقة بين مبدإ التعدّدية وبين التعاطي مع التعدّد.
تقرير الحالة الدينية في تـونس
(المجلّد الرابع ص 57 ،61 ، 63 ، 64 ، 65)
قراءة المزيد:
تقرير الحالة الدينية في تونـس: هيكلته العامّة
مـنـيـر السـعــيـداني: تقرير الحالة الدينية في تونس يبني قاعدة صلبة لنقاش هادئ في الشّأن الديني
التعـدّدية الدّينيـة في تـونس من خـلال البحــث الميـداني
- اكتب تعليق
- تعليق