أخبار - 2018.05.07

يهود تونس ومعاداة السامية

يهود تونس ومعاداة السامية

إنّ أشدّ ما يُقلق الوجود اليهودي في تونس اليوم؛ أي بعد خمس سنوات تزامنت مع آخر أيام حكم بن علي وقيام النظام الجديد، التساؤل الآتي: هل هناك نشوء لما يُعرف بمعاداة السامية في تونس بما يهدّد الحريات الدّينية لهذه الأقلية؟ الإجابة النظرية عن هذا السؤال قاطعة، على الرّغم من كلّ ما تروّج له كتابات أمثال بت يعوروهو، الإسم المستعار للسويسرية من أصول مصرية جيزال ليتمن ((Littman, Gisèle  ودانيال بايبس، وبرناد لويس، وغيرهم؛ فمعاداة السامية، من حيث هي اصطلاح، يُراد به معاداة اليهود تحديدًا لأسباب عقائدية، كما هو الشّأن بالنسبة إلى العلاقات اليهودية المسيحية، ذلك أمر لم يعرفه التاريخ الإسلامي القديم بتاتاً، ولا شيء في نصوص الإسلام التأسيسية ما يدعو إلى معاداة اليهود لسبب ديني محض، وقد حفظ المسلمون الأوائل لليهود وضعية قانونية هي الذّمة، ووضعية عقائدية هي أهل الكتاب ...

وبالعودة إلى تاريخ تونس المعاصر كتبت لوزيرا توسكان (الأغلب أنّه اسم مستعار) عمّا أسمته «نزعة إنكار المحرقة في تونس»، وحاولت رصد ما أسمته «معاداة السامية» في كتابات بعض أنصار حركة الاتّجاه الإسلامي، الذين دخلوا انتخابات 1989، في إشارة إلى رسالة عبد الحميد البديوي إمام جامعة باريس نانتير. والحقيقة أنّ هذا أمر طارئ في تاريخ تونس غذّاه الصّراع العربي الإسرائيلي من ناحية، وعدم انتباه النّخب السياسية الحاكمة إلى ضرورة الاهتمام بالتّعليم الدّيني، وعدم قصر التعليم الديني على الإسلام في المدارس الإبتدائية والثانوية وإشاعة روح  التسامح واحترام أتباع الدّيانات الأخرى واحترام المخالف عموما...

ومنذ انهيار نظام بن علي في 2011 وظهور مناخ من الحرية برز ما كان كامنا عند الكثير من التونسيين فيما يتعلّق بالمسائل الدينية ولاسيما عن الديانات الأخرى واليهودية على وجه الخصوص. وتزامن ذلك مع اشتداد وطأة السلفيات الجهادية المناهضة بشدّة لليهود واليهودية التي لا تفصل في أدبياتها بين اليهودية والصهيونية وبين اليهودي واليهودية والصهيوني. وزاد من تغذية هذه المشاعر المعادية لليهود انسداد أفاق الحلّ السياسي للقضيّة الفلسطينية، ورؤية المجازر الإسرائيلية في حقّ الفلسطينيين، وانتشار رؤية الوهّابية لليهود واليهودية عبر القنوات التلفزيونية المخترقة للحدود، وهو ما أدّى إلى امتزاج كره اليهود وبمكوّنات متأتّية من أدبيات معاداة السامية الأوروبية. وكان الشّعار المخيف لهذه الثّورة الذي هتف به الكثير من المتأثرين بالإسلام السياسي العنيف، هو «خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود»، الذي فعل فعله في المتظاهرين المعادين لليهود في تونس ومصر والأردن...

لكن على الرّغم من كلّ هذا الحذر، أنّ أمرا جديدا قد حصل، ولم تكن تونس بعيدة عنه فجزء من الشباب التونسي المسلم العادي والبسيط يتغذّى من هذه الأدبيات المعادية للسامية، وعلى الدولة التونسية والنّخب أن يسارعوا إلى تطويق هذا الخطر المسئ للإسلام أوّلا، ولفكرة المواطنة ثانيا وللاستقرار السياسي للبلاد ثالثا، من خلال الاهتمام بإصلاح التّعليم الدّيني، والانتباه إلى أهميّة الإعلام ووسائطه المتنوّعة...

ويمكن القول عموما إنّ تونس، خلافا لعدد مــن الدول العربية، لا يُطرح فيها الوجود اليهودي باعتباره مسالة من مسائل الأقليات المثيرة لقضايا عصبيّة من التوتّرات الاجتماعية والدينية، لكن الحذر واجب والمستقبل مرهون بدرجة وعي التونسيين بالمواطنة وشروطها، وقدرتهم على معالجة القضايا التي قد تنشأ بكثير من الحكمة والتعقّل.

تقرير الحالة الدينية في تونس

(المجلّد الثالث ص 350-351-352)

قراءة المزيد:

تقرير الحالة الدينية في تونـس: هيكلته العامّة

مـنـيـر السـعــيـداني: تقرير الحالة الدينية في تونس يبني قاعدة صلبة لنقاش هادئ في الشّأن الديني

التعـدّدية الدّينيـة في تـونس من خـلال البحــث الميـداني

عماد الحمروني: التشيّع في تونس

يهود تونس ومعاداة السامية

المسيحيون في تونس

معركة المساجد في تونس

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.