الأعمال المسرحية الكاملة لعز الدين المدني في سلسلة ينشرها بيت الحكمة
ضمن نشرة علمية موثقة، أصدر بيت الحكمة المجلد الأوّل من الأعمال المسرحية الكاملة لرائد الحركة التجريبية، عز الدين المدني. وقد حرص المؤلف بنفسه على متابعة انجاز هذا الكتاب وضمّنه عدد من نصوصه "التاريخيّة" وما حفّ بها من وثائق تنير القارئ.
واختار عز الدين المدني أن يفتح هذه السلسلة في مجلدها الأوّل أربع مسرحيات: هي ثورة صاحب الحمار وديوان ثورة الزنج ورحلة الحلاج ومولاي السلطان الحفصي، وهي تؤسس لفكر طلائعي أثرى الأدب التونسي الحديث.
وكتب الأستاذ د. محمود بن رمضان، رئيس المجمع التونسيّ «بيت الحكمة» في تقديمه للكتاب: يحتفي المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة» من خلال هذا الإصدار بواحد من عمدائه وألمع أدباء تونس وهو المجمعي عزّ الدّين المدني، لا شكّ أنّ من أوكد مهام المجمع العمل على إشعاع الثقافة التونسية ويتنزّل إصدار الأعمال الكاملة لعزّ الدّين المدني في هذا الإطار، فالمدني قامة من قامات الثقافة التونسية عزّ مثيله، كان وما زال ذا أثر ثابت في الإبداع الأدبي التونسي، وله قصب السبق في تجارب أدبية طريفة فأصبح رائدا من روّاد الأدب التونسي، ولا نجانب الصواب إن قلنا أنّ هذه الريادة تتعدّى السياق الوطني لتنفتح على السياق العربي والعالمي.
عزّ الدّين المدني أديب غزير الإنتاج مسيرته تمتدّ على أكثر من ستين سنة، وهو إلى ذلك ذو بصمة في الأدب التونسي لا يُخْتَلَفُ فيها، له الريادة في حركة الطليعة الأدبية، فهو مؤسّسها ومن تزعّمها أواخر ستينات القرن الماضي، وقد افتتحها بقصة الإنسان الصفر التي أثارت جدلا واسعا حين صدورها في ديسمبر من سنة 1968، ثمّ ركّزها بسلسلة من الردود والبيانات في كتاب الأدب التجريبي الذي أصبح مرجعا لحركة الطليعة الأدبية، وأصبح المدني لدى مريديه من الطلائعيين رمزا للجرأة الفكرية التي عرّضته إلى شتّى صنوف التجريح والتضييق وأرغمته على الهجرة.
وقد نحا المدني في تجربته الإبداعية السردية منحى التجريب وكان رائدا للتجريب في الأدب التونسي وحتّى في الأدب العربي، إذ اتّخذ من الحكاية الشعبيّة التراثيّة فضاء للإبداع والتجريب فكرا ولغة.
ولم يختلف منحى عزّ الدّين المدني في المسرح عن منحاه في القصّ إذ كان مبتكرا مجرّبا باحثا عن الابتكار والتأصيل في آن، فانطلق من التراث التونسيّ والعربيّ واشتغل على مسرحة التاريخ.
إنّ المتأمّل في عناوين نصوص عزّ الدّين المدني المسرحية ليدرك بوضوح هذه الثنائية الناظمة لأعماله بين التراث والقضايا المعاصرة، فتحضر فيها شخصيات من أعماق التراث لتطرح هواجس تشغل المدني تعبّر عن قضايا راهنة،ونحا منحى طريفا في الكتابة المسرحية يؤكّد على خصوصيّة هويّة متفردة تنأى عن التقليد والسير في ركب المسرح الغربي وتكون إبداعا قوامه «القدرة على تركيب المقولات الجمالية الخاصّة بالفكر العربي تركيبا طريفا في عمل جديد.»
ولأنّ المدني مرهف الحس الإبداعي فقد اهتمّ بالفنون في مؤلفات تعرّف بأعلام الفنّ التشكيلي التونسي وتغوص في أسرار المدينة العتيقة عمارة، وهو ما يكشف ثقافته الموسوعيّة وثراء تجربته الإبداعيّة.
إنّ مسيرة بهذا الثراء لجديرة بالتكريم، وقد أصدرت الدار التونسية للكتاب بعناية من وزارة الثقافة الأعمال الكاملة لعز الدين المدني سنة 2017 في أربعة مجلّدات اهتمّت بالقصّة قاربت الألف وخمسمائة صفحة، وها هو المجمع التونسي «بيت الحكمة» يصدر اليوم الأعمال الكاملة لعزّ الدّين المدني ويفتتحها بالأعمال المسرحية، ولئن جاء هذا الإصدار متأخّرا فإنه يتميّز بميزة أنّه نشرة علمية موثّقة، أشرف على إنجازها عزّ الدّين المدني بنفسه ضمّنها نصوصه الإبداعية وما حفّ بها من وثائق نقدية وفنية تمثل إضاءات مثرية للقارئ تجعله يغوص في أسرار هذه التجربة الإبداعية الثرية، وهي فريدة إذ ستشمل نصوصا تنشر لأول مرة.
وقد ارتأى صاحب الأعمال الكاملة أن يفتتحها بالأعمال المسرحية، التي تتجاوز في مجملها الأربعين نصا، وانتخب من مجمل مسرحياته الرباعية ليفتتح بها الأعمال المسرحية في مجلّدها الأولّ، وهي مسرحيات لم يمرّ صدورها مرور الكرام حين نشرها أو تحويلها إلى عمل فني على ركح المسرح، فكانت بمثابة البيانات المسرحية لتجربة إبداعية فريدة وأثارت الجدل لما فيها من نفس ثوري ألا وهي ثورة صاحب الحمار وديوان ثورة الزنج ورحلة الحلاّج ومولاي السلطان الحسن الحفصي.
ويحرص المجمع التونسي على استكمال إصدار مجلدات الأعمال الكاملة لعز الدين المدني تباعا ضمن هذه النشرة العلمية الموثقّة التي تمثّل حلما من أحلام الأديب عزّ الدّين المدني يحقّقه المجمع في إطار سعيه المستمرّ لأن يكون المنارة التي تشعّ منها الثقافة التونسية ورموزها على العالمية.
كلمة المؤلف الأستاذ عزّالدّين المدني
تشتمل «الأعمالُ المسرحيّة الكاملة» على زهاء أربعين نصّاً مسرحيّاً أغلبها من تأليفي الإبداعي والقليل جدًا منها هي بين التّرجمة والاقتباس وإعادة الصّياغة للمؤلّفين الذين يُعتَبرون من أنبغ الكتّاب وعباقرتهم.
وقد شَرعتُ في الكتابة المسرحيّة الإبداعيّة خلال سنوات النّصف الأوّل من الستّينيّات في القرن العشرين ولربّما قبلها بفترة قصيرة وواصلتُ الكتابة إلى هذه السّنوات الأخيرة من صدر القرن الحادي والعشرين فاستغرقَتْ الكتابة الإبداعيّة المسرحيّة عندي حوالي ستّين حولًا قد وهبتُ إليها كلّ قلبي ومهجتي وفكري وأحوالي وكذلك آمالي في ازدهار منزلة الإنسان التّونسي فردًا أو مجتمعًا امرأةً أو رجلًا أو طفلًا ينتمي لحضارة أَلْفية.
ومذهبي في التّأليف الإبداعيّ المسرحيّ إنّما هو مذهبُ المحكّكات نسجًا وكتابةً وفكرًا وفنّاً طوال شهور متوالية ولعلّها سنوات أحيانًا.
وعددٌ كبير من هذه النّصوص الأربعين تقريبًا قد تمّ إخراجها من قبل فنّانين مخرجين موهوبين نبغاء من تونس والمغرب الأقصى والجزائر ومصر والعراق والكويت وفرنسا وتمّ كذلك عرضُها مرارًا وتكرارًا وتوزيعُها داخل البلاد وخارجها. وثمّة عددٌ آخرُ من مسرحيّاتي ظلّت إلى هذا اليوم بكرًا فنشرتها لأوّل مرّة في هذا الكتاب على أنّي قد أتبعتُ كلّ نصّ بوثائق نقديّة وفنيّة تضيئه على أصعدة شتّى.
وفي الختام أتقدّم إلى الأستاذ الدكتور محمود بن رمضان رئيس المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون « بيت الحكمة » بالشّكر الجزيل وهو الّذي حرص شخصيّاً على نشر هذه «الأعمال المسرحيّة الكاملة» ومن وراء هذا النّشر لاسيّما حرصه على الكتابة الإبداعيّة العربيّة الفنيّة وله الفضل في ذلك.
فإليه عظيم امتناني وشكري من قبلُ ومن بعدُ مُجدّدًا.
الكاتب المؤلّف
عضو في قسم الآداب بالمجمع التونسي «بيت الحكمة»
عزّالدّين المدني
- اكتب تعليق
- تعليق