جهاد في البوليس
بقلم محمد النفطي - يا تونس الخضراء جئتك عاشقا وبيدي وردة وكتاب. هكذا لبى أعضاء جمعية نابل الجديدة نداء المواطنة والوفاء لتونس. الجمعية بعثت في الحي السكني وفاء في 21 نوفمبر 2021 ومازالت في طور التأسيس والبناء لكنها لم تترقب صدور بعثها بالرائد الرسمي وانطلقت في العمل الميداني الذي يتمحور أساسا حول المحافظة على نظافة المحيط الصحي للسكان وإرساء العمل المواطن والتطوعي لبناء التماسك المجتمعي والمساهمة في بناء عيش أولادنا في بيئة سليمة.
لم يبق في تونس الخضراء موطئ قدم نظيف إلا الصحراء القاحلة والجبال الشاهقة. و تلوث النهر و الشاطئء و ما نقي الهواء والماء إلا في السماء و أعالي البحار. السبب في غاية البساطة ولا حاجة في التفكير طويلا لمعرفته لأنه لا يتطلب تبحرا في العلوم و المعارف ولا ملكة للفلسفة والسفسطة ولا حذقا ولا تمكنا من أي جنس ولأن الجواب بديهي ومنطقي لأبعد الحدود. المواطن التونسي ومباشرة بعد الثورة وبعد حقب من التعطش للحرية انتفض وخرج من الأجداث فأتى على الأخضر واليابس كالجراد المنتشر . نشر الروث في الأماكن العامة والخاصة. رمى بكل قواعد المواطنة عرض الحائط وعقر كل مقاييس التحضر وقبر معايير التمدن باسم الحرية والحقوق. أضرب العمال عن العمل حتى أفلست الدولة. أضرب رواد التفكير حتي شلت عقول المسيرين. أضرب المربون حتى وهن التعليم . أقسم عمال النظافة ثلاث مرات أن لا يعملوا إلا بعد الترسيم. وقالوا حرمت علينا الميتة والدم ولحم الخنزير وحرمت المناولة والعمل الشاق والمبادرة. وأصبح المواطن التونسي لا يعمل بعد أن هاجر العقل والقراءة وبات عميدا، طاعما، كاسيا من طرف الدولة الراعية عاملا بقول الحطيئة (دع المكارم لا ترحل لبغيتها ::: واقعد فانك أنت الطاعم الكاسي). ولكن المواطن التونسي بهذا السلوك قد عقر كرامته وأصن عفته وتعادت العامة والخاصة وانتشر هذا السلوك المرضي في كل فئات المجتمع التونسي وما نجا إلا الجمع النزير من أصحاب العقول النيرة الذين كتموا ضجرهم وتجلدوا حتى نفذ صبرهم وترقبوا من المسيرين والمسؤولين والمنتخبين إجراء وحيدا. ترقبوا أن تعلن الحكومة والحكومات المتعاقبة حربا على الفوضى وعلى تردي البيئة و تكدس الأوساخ. ترقبوا أن تعلن الحكومة جهادا على النفوس اللئيمة والنفوس المريضة ولكنها أعلنت جهادا آخر غريبا عن مصطلحنا و بعيدا عن تونسنا. ومن التوانسة ذوي الألباب جموع نفرت الإستسلام والخنوع وشمروا على سواعدهم وضربوا آباط الأمر ولم يضربوا على العمل وقرروا المجاهدة لنجدة مدنهم وإحياء نفوس متساكنيها وإسعاف بيئتهم قبل فوات الأوان. ولعل مثل هذه الجموع المستنيرة قد ثبت في عديد المدن التونسية ومنها مدينة نابل أو نيا بوليس أو المدينة الجديدة. في حي من أحياء نابل تأسست جمعية عرفت باسم جمعية نابل الجديدة أو باللغة الفينيقية الاغريقية جمعية نيابوليس. وتعهدت بالعمل والجهد الكبير لتغيير الأوضاع الرديئة بالحي كمت تعهدت ببذل أقصى الجهود للنهوض بالحي ولم تترقب الأوامر ولا المراسيم ولا التعليمات لتتحرك وتعمل وتجتهد وتبادر.
جمعية نابل الجديدة
جمعية نابل الجديدة تم تأسيسها في 21 نوفمبر 2021 من طرف ثلة من سكان حي الوفاء من مدينة نابل. يتوسط الحي المسافة الرابطة بين مدينتي نابل والحمامات ويحده واديين من الشرق والغرب ينحدران من جبل الحمامات الى البحر الذي يبعد مسافة عشر دقائق مشيا على الأقدام. مازال الحي لم يكتمل بعد. وهذا ما شجع أعضاء الجمعية على بناء مجتمع سكانه على أسس متحضرة فحصروا أهداف الجمعية في ثلاث نقاط بسيطة وممكنة وهي المحافظة على بيئة سليمة وظروف صحية نظيفة بالحي. والهدف الثاني المساهمة في تأمين الحي. أما الهدف الأخير فهو بناء محيط مجتمعي أساسه المواطنة والكياسة والاحترام.
والجمعية تؤمن بالعمل التشاركي مع المؤسسات الوطنية الحكومية وخصوصا البلدية (بلدية نابل) التي تعتبر الشريك الأساسي لنشاط الجمعية حيث تسعي هذه الأخيرة إلى تكملة العمل البلدي من جهة واقتراح مشاريع للبلدية بالحي من جهة أخرى. ولكن النصيب الأكبر من نشاط الجمعية يدور حول البيئة بالحي ويتصف بالعمل التطوعي وبمشاركة أكبر عدد ممكن من السكان. ولم تترقب الجمعية صدور بعثها بالرائد الرسمي لبداية العمل الميداني بل شرعت يوم السبت 12 فيفري 2022 في نشاطها البيئي في حملة نظافة بالحي. وسيتواصل النشاط ليعم كافة أنحائه.
كما تعتزم الجمعية ريط الصلة مع الأمن الوطني (منطقة الأمن بنابل ومركز الأمن بواد سوحيل مرجع نظر الحي) والشرطة البيئية في الأيام القليلة القادمة لإعداد ورقة عمل مع الشريكين يهدف إلى التعاون لتأمين الحي والحفاظ على البيئة.
أما الهدف الثالث وهو أهمها وأشدها لان الغاية تكمن في تغيير النفس وبناء السلوك وهو ليس بالهين. وقد اهتدي بعض أعضاء الجمعية إلى وسيلة قد تكون ناجعة وتتمثل في التركيز على بناء اللحمة وروح المجموعة. ويتم الآن تجربة ذلك بتنظيم نشاط رياضي كل يوم أحد صباحا ابتداء من الساعة الثامنة والنصف. يتجمع المشاركون قي الشارع الريئسي للحي وينطلقون في مسيرة في الطبيعة على البحر أوفي الجبل والغابة لمدة ساعة ونصف. وقد نم تنظيم ثمان مسيرات إلى حد الأن وشارك فيها الرجال والنساء من مختلف الأعمار. ونتج عن هذا النشاط تقارب إيجابي يسّر دعوة هؤلاء المشاركين وتطوعهم وإقبالهم وتحمسهم للعمل التطوعي بصفة فاجأت كل أعضاء الجمعية.
لعل هذه البداية ستكون إنطلاقة ناجحة لعمل الجمعية ومما يعزز في هذا الرجاء أن الجمعية مصرة على أن لا تقبل أي إعانات مالية من الدولة أو من أي جهة أخرى, وسوف تكتفي بالموارد الزهيدة التي يوفرها المنخرطون. ولن تطلب الجمعية من البلدية إلا تسخير معدات وآليات ضرورية للعمل أو ما توفره لعملها البلدي العادي. كما أنها ستوسع شراكاتها مع نظرائها من الجمعيات المدنية التي تعتني بالمحيط والبيئة.
وخير ما نختم به هذا الكلام زيارة لساحة الوغى ومسرح الجهاد لنتوقف على نموذج حي من نشاط الجمعية لنختزله في تقديم مختصر لهوية بعض المسيرين (من الهيئة المديرة) وبعض المتطوعين للعمل من المنخرطين ومجموعة عمل من البلدية من عاملي نظافة وسائقي معدات و بعض المتساكنين العابرين الذين اكتشفوا هذا النشاط فشمروا على سواعدهم وشاركوا في العمل بدون استئذان.
هذا رئيس الجمعية رجل يتميز بلطف الخلق مدير معهد نموذجي. تم انتخابه رئيسا للجمعية لأن الأعضاء آمنوا أن مستقبل تونس والسبيل الوحيد للرقي بوطننا يمر باصلاح التربية التعليم. ورئيس الجمعية نجده مع بقية الأعضاء والمنخرطين في ساحة العمل في ساحة الوغى. سلاحه قلم في المعهد وفأس في الحي. يشارك كل سبت في صيانة البيئة وكل يوم أحد في مسيرة للمحافظة على اللياقة البدنية وللتواصل مع المتساكنين.
نائب أول لرئيس الجمعية من الجنس النزير وجوده مهندس أعمال متخرج من ألمانيا يتميز بدقة التنفيذ وسرعة العمل. سلاحه هاتف ذكي جدا. باتصال دائم مع أعضاء المجلس البلدي.مهندس أعمال الجمعية ومنسق طلباتها لتنفيذ أنشطتها.
نائب ثاني ينير بأفكاره مشاريع الجمعية. مهندس في صناعة النسيج. ملتزم بالعمل المواطن (action citoyenne).
اللطف عليك السيد الكاتب العام. بوصلة الجمعية ومسيّر إدارتها. موظف سامي متقاعد. ونائبته المحترمة أستاذه لغة فرنسية.
امين مال الجمعية شاب وسيم محرز على شهادة جامعية في الاعلامية ويشغل قائد طائرة بوينج 737 بالخطوط الجوية التونسية. مهندس صفحة الاتصال بالجمعية. ونائبه أستاذ تربية بدنية بالمعهد الاعدادي النوذحي بنابل. نجح النائب نجاحا باهرا في المساهمة في بناء لحمة المتساكنين بتسييره حصص الرياضة الأسبوعية.
وأعضاء آخرين نذكر منهم سي محمد. أستاذ تاريخ وجغرافيا متقاعد ونقابي قديم في سلك التربية. نقابي متميز وميزته أنه لا يتكلم كثيرا و لا يثرثر (ولسانه ليس دائرا برقبته) مثل أشباه النقابيين المتميزين بالاضراب المتواصل عن العمل. سي محمد يؤمن بالعمل ويضرب عن الكلام كوسيلة احتحاج عن عدم الرضا.
وشيماء الفارسية مهندسة وأستاذة جامعية تؤطر البحوث الجامعية في شعبة الهندسة الآلية. سلاحها في ساحة الحي رفش لتنظيف العشب وريشة لدهن التروتوار. والسيدات رشيدة وجليلة وعدد آخر من النساء الكرام لا يراؤون الناس شمرن على سواعدهن وشاركن بعزة وشرف في هذا النشاط ويستحقون كلمة شاعرتونس الذي لا ننساه ( نساء بلادي نساء ونصف).
البوليس PöLIS)) باللغة الاغريقية أي المدينة أو CITE باللغة الفرنسية وتطلق أيضا على الحي الكبير. والجهاد لغة هو العمل الذي يتطلب جهدا كبيرا ويعرف أيضا بالمجاهدة. كما يطلق الجهاد الأكبر على جهاد النفس. ولا علاقة لجهاد الحي بمصطلحات مستوردة تسيئ بلسان ابن منظور التونسي أو بديننا الحنيف.
محمد النفطي
- اكتب تعليق
- تعليق