رحيل أحد مؤسّسي وزارة الخارجية التونسية: الدبلوماسي والكاتب الحبيب نويرة
بقلم عادل بن يوسف (جامعة سوسة) - غادرنا عشيّة يوم الثلاثاء 15 فيفري 2022 المناضل والدبلوماسي والكاتب والمؤرّخ، الأستاذ الحبيب نويرة. وهو الشقيق الأصغر للمناضل والوزير الأول السابق، المرحوم الأستاذ الهادي نويرة (1911-1993).
وبهذه المناسبة الأليمة ارتأيت من الواجب ومن باب الاعتراف بما قدمه بناة دولة الاستقلال لتونس أن أخطّ هذه الكلمات التي ترسم حياة الرجل ومسيرته المهنية وإسهاماته في الحقل الثقافي.
عرفتُ المرحوم منذ بداية مسيرتي البحثية في تونس منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي عند إعدادي لرسالة الدكتوراه في التاريخ المعاصر حول "النخبة التونسية: طلبة الجامعات الفرنسية (1880-1956)" بتقديمه لي شهادة عن شقيقه الهادي نويرة كطالب في الحقوق وناشط سياسي بباريس...
وقد توطدت علاقتي به اثر تكليفي من طرف ابن أخيه السيّد شكيب نويرة والسيدين أحمد الكرم و عبد الكريم بوجمعة (رئيس وكاتب عام جمعية "ذاكرة الهادي نويرة") بالإدارة العلمية للجمعية منذ جوان 2012.
وقد دأبنا سنويا بالتعاون معه على إحياء ذكرى وفاة الأستاذ الهادي نويرة كل يوم 25 جانفي ذكرى رحيل الأستاذ الهادي نويرة، سواء بمقرّ البنك المركزي بتونس العاصمة أو بمقرّ بلدية المنستير ومقبرة الإمام المازري. وفي أواخر شهر جوان 2017 حلّ ضيفا على برنامجي الاذاعي "شهادات حية" حيث خصصت له 03 حلقات بثّت على أمواج إذاعة المنستير خلال شهر جويلية 2017. وكان آخر لقاء جمعني به ببيته في شهر ماي 2020 أياما قليلة من قدوم فريق التصوير لقناة الجزيرة لتصوير شريط وثائقي يروي مسيرة شقيقه المناضل ورجل الدولة، الأستاذ الهادي نويرة. وهو شريط وثائقي (55 دقيقة) من إخراج المخرجة الشابة سماح الرياحي سيبثّ قريبا على قناة الجزيرة الوثائقية. وكان آخر ظهور له للعموم يوم 25 جانفي 2022 بمناسبة الذكرى التاسعة والعشرين لوفاة شقيقه الأستاذ الهادي نويرة وذلك بمقبرة الإمام المازري رفقة أعضاء الجمعية وأفراد العائلة والإطارت الجهوية والوطنية...الخ. وتعميما للفائدة جدير بنا التذكير بمسيرة الأستاذ الحبيب نويرة وإسهاماته في الحقل الثقافي.
الولادة والنشأة
ولد الأستاذ الحبيب نويرة بمدينة المنستير يوم 3 جوان 1925 وسط أسرة ميسورة نسبيا أصيلة الجزيرة العربية تتألف من ستة أبناء (خمس ذكور وبنت)، هو أصغرهم وهم على التوالي: الهادي و الطاهر والمحسن و صلّوحة والبشير.
وكان والده عميرة نويرة عدل إشهاد بالمدينة وأوّل تونسي مسلم يحصل على شهادة ختم الدروس الابتدائية بالمدرسة الفرنسية - العربية سنة 1890.
الدراسة والتكوين
التحق الطفل الحبيب نويرة بالمدرسة القرآنية ثمّ بالمدرسة الفرنسية- العربية بالمنستير حيث تتلمذ على العديد من المعلمين التونسيّين من بينهم محمّد زيانة ومحمّد شوشان وعبد الجليل بن علي... والفرنسيّين، نذكر في مقدمتهم مدير المدرسة، السيد "هنري بيتّاش" Henri Petesch" وزوجته... الخ.
وأثناء طفولته، أوقف وسُجن سنة 1941 بتهمة توزيع مناشير والانتماء لتنظيم غير مرخّص له، أي الحزب الدستوري الجديد فالتحق بإخوته الأربعة المعتقلين بكل من فرنسا (شقيقه الهادي بحصن سان نيكولا بمرسيليا) وأشقاءه الثلاثة بسجون تونس عقب أحداث 09 افريل 1938 فيما بقيت والده وشقيقته بمفردهنّ بالمنستير بدون عائل.
وإثر حصوله على شهادة ختم الدروس الابتدائية التحق بجامع الزيتونة بتونس العاصمة حيث زاول تعليمه الثانوي وتحصّل على شهادة العالمية في الآداب في جوان 1950. وبالجامع المعمور ناضل مع عديد الطلبة الزيتونيّين من أجل إصلاح التعليم الزيتوني وتحسين ظروف دراسة الطلبة. و بإيعاز من الحزب الدستوري الجديد وبغاية الضغط على المستعمر الفرنسي أثناء تعثّر تجربة حوار حكومة محمّد شنيق مع فرنسا، خاض مع المئات من رفاقه الإضراب الشهير عن الدروس والطعام والاعتصام بمقرّ الجامع خلال شهر أفريل 1950.
وفي سنة 1951 وبعد حصوله على منحة من إدارة الجامع الأعظم التحق بجامعة الملك فؤاد بالقاهرة حيث درس التاريخ وتحصّل على الإجازة في هذا الاختصاص سنة 1955.
مسيرته المهنية: من قطاع التعليم إلى الخارجية
إثر قرار حكومة الاستقلال بإحداث وزارة الخارجية في 23 جوان 1956 شارك في أول مناظرة لانتداب كتبة سلك دبلوماسي والتحق بالوزارة في 30 جوان 1956 حيث عمل في عديد الخطط وارتقى في السلّم الدبلوماسي من سكرتير سفارة بالعاصمة الليبية طرابلس (بين 1956 و 1957) ثمّ بالعاصمة المغربية الرباط مع السفير الأستاذ فتحي زُهير (بين 1957 و 1959) فقائمٍ بالأعمال بسفارة تونس ببغداد (بين 1959 و 1961) ثمّ بسفارة تونس بالقاهرة (بين 1961 و 1963) فسفيرا لتونس بكل من العراق (بين 1964 و 1965) ثمّ بالكويت (بين 1969 و 1974) فسوريا (بين 1974 و1978) ومصر (بين 1978 و 1980) وأخيرا بالعراق (بين 1983 و1986).
وطيلة هذه المسيرة المهنية المتدة على 30 سنة حصل الفقيد على عديد الأوسمة وشهادات التميّز المهني، الوطنية والأجنبية.
نشاطاته الثقافية وإصداراته
إثر خروجه إلى التقاعد في 31 ديسمبر 1986، تفرّغ الأستاذ الحبيب نويرة للمطالعة وكتابة مذكراته وجمع الوثائق التاريخية والتأريخ لعائلة نويرة ومدينة المنستير وحضور الاجتماعات بالنوادي والمنابر الأدبيّة والفكرية وفي مقدمتها "نادي الأجيال بالمنستير" و "نادي بُشرى الخير" و "نادي الأحد" بتونس العاصمة... الخ.
هذا وقد صدرت للفقيد إلى حد الآن ستة مؤلفات وهي تباعا:
• ذكريات عصفت بي، دار سراس للنشر، تونس 1992. كما صدر في طبعة منقّحة ومزيدة من طرف الشركة التونسية لفنون الرسم بعنوان سيرة حياة، جزء أوّل سنة 2014.
• يوميّات دبلوماسي في الوطن العربي، نشر وتوزيع مؤسّسات عبد الكريم بن عبد الله، تونس 1996. صدر في جزئين عن دار تونس للنشر، تونس 2014.
• مراسلات وإرساليات (بالقلمين العربي والفرنسي)، طبع الشركة التونسية لفنون الرسم، تونس 2002. كما صدر في طبعة ثانية منقّحة ومزيدة من طرف المكتبة الوطنية سنة 2016.
• سنوات المحنة والكفاح 1925-1965 من خلال رسائل أصحابها (في جزئين)، دار تونس للنشر، تونس 2007.
• وثائق حول مدينة المنستير، مطبعة فرشيو، المنستير 14 أفريل 2011.
• النوادي الأدبية في تونس، مطبعة فرشيو، المنستير 30 سبتمبر 2016.
وهي عناوين لا يمكن الاستغناء عنها اليوم من قبل الباحثين والمؤرخين المهتمين بدراسة جوانب من التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي.. لتونس خلال الفترة الاستعمارية. يضاف إلى هذه العناوين بعض المشاريع التي لا تزال مخطوطة، نذكر في مقدمتها "سِيَرُ مشاهير العرب" وهي موسوعة لمشاهير العرب في مختلف الاختصاصات أنجز منها على حد ما أفادني به المكلّف بالرقن، الأستاذ محمّد الناصر حكيمة إلى غاية اندلاع جائحة الكوفيد ببلادنا 54 بيوغرافيا لشخصيات عربية مُرفقة بقائمة مختصرة للمصادر والمراجع الخاصة بكل منها.
وقد وُري جثمان الفقيد الثرى يوم الخميس 17 فيفري 2022 إثر صلاة الظهر بمقبرة الإمام المازري بمدينة المنستير وسط حشد كبير من أفراد عائلته وعدد من أصدقائه وزملائه القدامى في السلك الدبلوماسي وعدد من المناضلين أو أبنائهم وأحفادهم قدموا خصيصا من تونس العاصمة ومدن وقرى جهة الساحل وجهات أخرى من البلاد التونسية لتوديعه والقيام بواجب العزاء تجاه ابنيه وابنته وآل نويرة.
رحم الله الفقيد وأسكنه فراديس جنانه ورزق أهله وذويه جميل الصبر والسلوان.
عادل بن يوسف
جامعة سوسة
- اكتب تعليق
- تعليق