محمد الصحبي البصلي: وداعا أيها الأخ، وداعا أيها الصديق
بقلم دكتور رضا كشريد - فجعت الساحة الوطنية, يوم 3 فيفري, بخبر صادم و مفاجئ, وهو رحيل أخينا و صديقنا الدكتور محمد الصحبي البصلي, بعد صراع مع الفيروس الملعون.
نشأ الصحبي في عائلة قيروانية عريقة أنجبت العديد من المربين, أذكرمنهم بالخصوص جده المغفور له الطيب البصلي و والده عمي بوراوي ( في مقام الوالد) طيب الله ثراه, و اللذان تركا بصمات لا تمحى في العديد من المؤسسات التربوية, خاصة في العاصمة, حلق الوادي, جمال و مساكن.
لقد عرفت الصحبي كصديق لشقيقي رؤوف, ثم توطدت العلاقة لما كنا ننشط سويا في المجال الجمعياتي, وخاصة في الغرفة الفتية الإقتصادية, و جمعية الأطباء الشبان , في بداية الثمانيات, و كان له الفضل في تنظيم الدورة الأولى "لأيام الناصر الحداد الطبية", تكريما لروح أستاذنا الفقيد الدكتور الناصر الحداد, و أصبحت هذه الدورة تنظم بصفة دورية كل سنتين.
و من جهة أخرى, لعب الصحبي دورا حاسما في تأهيل منظومة طب الشغل و السلامة المهنية, وتدعيم هياكلها مع بعث معهد الصحة و السلامة المهنية, في بداية التسعينيات و أصبح أول مديرا عاما له.
و ساهم الصحبي, بقسط كبير, في إحالة التصرف في منظومة التأمين عن المخاطر المهنية من شركات التأمين إلى الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي, مما مكن من تدعيم الموارد المالية الموجهة لتحسين الخدمات و ترفيع مبالغ التعويضات عن مخلفات حوادث الشغل و الأمراض المهنية.
و لما إشتغل واليا على مدنين ثم صفاقس, حرص على بناء علاقات ثقة مع كل الأطراف و خاصة مع المجتمع المدني, مما ساهم في إرساء مناخ سياسي و إجتماعي هادئ ملائم للعمل و التنمية, و لم يترك في هاتين الولايتين سوى ا الذكر الطيب و الذكريات الجميلة.
خلال سنة 1996 كلفه السيد محمد جغام, وزير الداخلية, بالإدارة العامة للشؤون السياسية, أين أبلى البلاء الحسن, و تميز في هذا الموقع الحساس بإنفتاحه على مختلف الأطراف السياسية, و انصاته إلى مشاغلها, و كان يتدخل بجرأته المعهودة لرفع المضايقات المسلطة على البعض منها.
كما ساهم الفقيد في تأطير عدد هام من الأبحاث العلمية حول الصحة و السلامة المهنية بطلب من المنظمة العالمية للصحة.
و قضى الصحبي أكثر من 12 سنة على رأس سفارات مهمة بالهند و إسبانيا و الصين تمكن فيها من اكتساب مهارات كبيرة كمفاوض في العلاقات الدولية و المشاركة في منتديات إقليمية وعالمية.
و بشكل أكثر تحديدا, فإن معرفته بالصين, أين كان سفيرا لأكثر من 5 سنوات، مكنته من تدعيم العلاقات الاقتصادية بين البلدين و من فهم الجوانب المثيرة للاهتمام بالنسبة للقضايا العالمية الرئيسية.
و واصل في ما بعد رئاسة منظمة طريق الحرير والبحر المتوسط بالإضافة إلى رئاسة مجلس التعاون التونسي الصيني.
وكانت للصحبي صداقات متعددة في الساحة الفنية و كان له الفضل في دعوة عديد من الفنانين التونسين من موسيقيين (لطفي بوشناق) و مسرحيين و اخص بالذكر منهم مسرحية (OTHELLO) لوليم شكسبير التي قدمها التياترو من اخراج توفيق الجبالي و التي عرضت في اربع مدن رئيسية في الهند ومن اهمها "نيو دلهي" التي حضرها جمهور غفير من اهل الفن و السياسة لا سيما رئيس الجمهورية الاسبق و قد لقيت كل الاعجاب و الترحاب و اعتبرت من اهم الاحداث الثقافية للموسم.
اما في المجال الإعلامي فقد أنتج الصحبي العديد من البرامج مع الاذاعة و التلفزة التونسية، و كانت موجهة للتثقيف الصحي.
كان الفقيد وفيا لمدينة أجداده القيروان التي كان يزورها بانتظام، و كان يحرص دوما على أن أرافقه لملاقاة الأصدقاء و تلاوة الفاتحة بمقام أبي زمعة البلوي و تذوق أكلات القيروان الأصيلة.
وداعا أيها الأخ العزيز، وداعا أيها الصديق و رحمك الله و جعل الجنة مستقرك، وألهم أهلك و ذويك و كل الذين عاشروك جميل الصبر و السلوان.
مع أصدق مشاعر المودة و المؤازرة في هاته المحنة لكل أفراد العائلة: رفيقة دربك الأخت الفاضلة وداد والأبناء: أمين، أنيس،فرح ( Fafouha); و شقيقاتك و أشقائك و على رأسهم الأخت الفاضلة نزيهة زروق والأخ العزيز زهير البصلي.
و إنا لله وإنا إليه راجعون
دكتور رضا كشريد
وزير الصحة وسفير بإسبانيا سابقا
- اكتب تعليق
- تعليق