بمناسبة مرور خمس وعشرين سنة على مؤتمر برشلونة الأور-المتوسطي: نحو مقاربة جديدة منبثقة عن تفكير مشترك للعلاقات الأورو-متوسطية
بقلم محمد إبراهيم الحصايري - إن مشهد البحر الأبيض المتوسط، كما يبدو اليوم، يكاد يكون، في معظم جوانبه، نقيض ما كان مؤتمر برشلونة الأورو-متوسطي الذي انعقد في إسبانيا في مثل هذا اليوم، قبل ربع قرن، (أي في السابع والعشرين من نوفمبر سنة 1995)، يتطلع إلى تحقيقه، فلقد حلم هذا المؤتمر بخلق مجموعة جهوية مندمجة تضم بلدان الاتحاد الأوروبي والبلدان المتوسطية الشريكة، وبإقامة منطقة أورو-متوسطية للسلم والأمن والاستقرار مؤسَّسَة على الشراكة بين الضفتين، غير أن الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتوسطي الراهن يؤكد أن الفجوة الفاصلة بيننا وبين هذا الحلم واسعة وهي مرشَّحة للاتساع أكثر فأكثر إن لم يتم العمل سريعا على سدها أو على الأقل على التقليص منها...
فالمأزق الذي تردّت فيه القضية الفلسطينية بعد أن بات من شبه المستحيل تطبيق حل الدولتين، والأوضاع المعقّدة التي آلت إليها، على عكس ما كان مؤملا، ثورات ما سمي بالربيع العربي في عدد من دول الضفة الجنوبية،
والحربان المتواصلتان منذ سنة 2011 الى اليوم في سوريا، وليبيا وما أفرزتاه من تشعّبات محلية وإقليمية ودولية،
وعودة روسيا بقوّة من البوّابة السورية ثم من البوابة الليبية إلى البحر الأبيض المتوسط، وتنامي العلاقات بين موسكو وأنقرة وانعكاساته المحتملة على مجمل العلاقات في المنطقة وخاصة على علاقة تركيا بالغرب وبحلف شمال الأطلسي،
والأدوار المتضاربة التي لعبها وما يزال يلعبها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ومشاركة عدد من الدول الأوروبية والعربية وكل من إيران وتركيا في الحرب السورية،
وقيام "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وسيطرتها لعدة سنوات على أجزاء هامة من أراضي سوريا والعراق، ودورها في توسيع دائرة الإرهاب والتطرف في المنطقة وفي العالم،
وتفاقم ظاهرة الهجرة بكافة أنواعها إلى دول شمال المتوسط إما بسبب الأوضاع المضطربة أو بسبب الصعوبات الاقتصادية في دول الجنوب،
وتواصل صعود اليمين المتطرف والأحزاب الشعبوية في الدول الأوروبية مما يهدد بمزيد انغلاق أوروبا على نفسها،
واستمرار توسّع الهوة الاقتصادية والتكنولوجية بين الضفتين، خاصة في ظل حالة التفكك والدمار التي تسببت فيها الحروب المندلعة في بعض دول الضفة الجنوبية،
واحتمال اندلاع المزيد من التوترات والنزاعات وحتى الحروب بسبب الصراع على الاكتشافات الغازية الهامة الأخيرة في سواحل عدد من دول الضفة الجنوبية،
إن مجمل هذه الأوضاع والإشكاليات التي جاءت جائحة الكوفيد 19 لتزيدها تعقيدا على تعقيد، تشكل بعض عناصر المشهد المتوسطي الراهن، ولا مهرب من الإقرار بأنها تدل على أن الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تم انتهاجها حتى الآن على الصعيد الأورو-متوسطي لم تمكن من تحقيق النتائج التي عُلِّقَتْ عليها، سواء من دول الضفة الجنوبية أو من دول الضفة الشمالية للمتوسط.
وبناء على ذلك، فإنه بات من الضروري ومن الملح ان تتم مراجعة هذه الاستراتيجيات واستبدالها بمقاربة جديدة تمكن من رفع التحديات الماثلة أو المتوقعة والمزمنة أو المستجدّة.
وحتى تكون المقاربة أقدر على تحقيق النتائج المرجوة منها فإنها ينبغي أن تعمل على تصحيح مسار العلاقات المستقبلية بين الضفتين بما يساعد فعلا على بناء بحر أبيض متوسط يتمتع بالسلم والأمن والرخاء، وهي لذلك تحتاج إلى أن تنبثق عن تفكير مشترك، وغير آحادي، بين دول الضفتين حتى لا يتم تغليب مصالح احداهما على الأخرى وحتى لا يستمر إغفال هواجس دول الضفة الجنوبية وتطلعاتها، مثلما كان الأمر باستمرار وحتى الآن...
محمد إبراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق