بعد تقرير محكمة المحاسبات... أي مستقبل للديموقراطية في تونس؟
بقلم منى الدريدي- أصدرت دائرة المحاسبات يوم 10 نوفمبر 2020 تقريرها الخاص حول تمويل الحملات الإنتخابية التشريعية والرئاسية وتمويل الأحزاب السياسة.
لا بد من تثمين هذا العمل الجدّي الذي قامت به محكمة المحاسبات في ظرف سنة من إنتهاء الاستحقاقات الانتخابية والذي يساهم دون ادنى شك في تعزيز الانتقال الديمقراطي ويدعم ضرورة أن تحترم الانتخابات مبادئ النزاهة والشفافية.
إلا أنه وعلى ضوء هذا التقرير تبين وجود إخلالات متفاوتة الخطورة يرتقي معظمها الى مرتبة الجرائم الانتخابية. وقد تمثلت هذه الإخلالات في تمويل الحملات الإنتخابية سواء في الانتخابات التشريعية أو الرئاسية لسنة 2019 إضافة إلى عدم الإفصاح عن مصادر تمويل وإستعمال أموال مشبوهة غير مصرح بها في الحملات الانتخابية. وتستوجب جل هذه الإخلالات المرصودة تنفيذ العقوبات التي أقرها القانون الانتخابي.
ويتعين الوقوف في هذا السياق على ثلاث نقاط أساسية:
1- مكانة محكمة المحاسبات في التنظيم القضائي التونسي.
2- خطورة الإخلالات المرصودة.
3- النظام القانوني للعقوبات ومدى فاعليتها.
1- مكانة المحكمة الدستورية في التنظيم القضائي التونسي
طبقا لمقتضيات الفصل 117 من الدستور يتكون القضاء المالي من محكمة المحاسبات بمختلف هيئاتها. وتختص هذه المحكمة بمراقبة حسن التصرف في المال العام وفقا لمبادئ الشرعية والشفافية والنجاعة.
كما يقر الفصل 97 من القانون الانتخابي قيام محكمة المحاسبات بإعداد تقرير عام يتضمن نتائج رقابتها على تمويل الحملة.
كما نص الفصل 93 من نفس القانون أنه من بين أهداف رقابة محكمة المحاسبات على تمويل الحملة التأكد من عدم إرتكاب المرشحين لجرائم إنتخابية.
أما القانون الأساسي عدد 41 لسنة 2019 المؤرخ في30أفريل 2019 والمتعلق بمحكمة المحاسبات يقر في فصله الثاني أن محكمة المحاسبات تكون بمختلف هيئاتها القضاء المالي وهو ما يجعل منها هيئة قضائية تصدر أحكاما قضائية على غرار القضاء العدلي والإداري. ولكنها في نفس الوقت هيئة رقابة تمارس مهامها بإستقلالية تامة وتتمتع بالتسيير الذاتي والاستقلال الإداري والمالي في إطار ميزانية الدولة.
تتكون محكمة المحاسبات من قضاة ونيابة عمومية خاصة بها. وتمثل هيكلتها في وجود أقسام ودوائر إبتدائية مركزية وجهوية ودوائر إستئنافية وهيئة تعقيبية.
ويحدد قانون محكمة المحاسبات مرجع نظرها العام سواء تعلق الأمر بإختصاصها القضائي او الرقابي كما يحدد الإجراءات المتبعة امامها.
ويتعين التوقف في هذا الإطار في مرحلة ثانية الى دور محكمة المحاسبات في رصد الإخلالات التي شابة الحملة الإنتخابية.
2- الإخلالات المرصودة من طرف محكمة المحاسبات
من بين المبادئ المنظمة للحملة الإنتخابية والتى نص عليها القانون الإنتخابي في فصله 52 نذكر شفافية الحملة الإنتخابية من حيث مصادر تمويلها وطرق صرف الأموال المقصودة لها، كما نذكر مبدأ المساواة وضمان تكافؤ الفرص بين جميع المرشحين. وتتراوح الإخلالات من عدم تقديم الحسابات من طرف 347 قائمة مرشحة للانتخابات التشريعية أو تقديم حسابات مغلوطة مرورا بعدم إيداع موارد نقدية في الحسابات البنكية إضافة إلى وجود تمويلات مشبوهة تجسمت في قبول تبرعات من ذوات معنوية وجمعيات وصولا إلى التعاقد مع جهات أجنبية مع شبهات تمويل خارجي. كل هذا من شأنه بطبيعة الحال التأثير على إرادة الناخب وتوجيه للرأي العام.
لقد عرف القانون الانتخابي في فصله 80 التمويل الأجنبي المال الذي يتخذ شكل هبة أو هدية أو منحة نقدية أو عينية أو دعائية مصدرها أجنبي وفق التشريع الجبائي مهما كانت جنسية الممول. ولا يعد تمويلا أجنبيا تمويل التونسيين بالخارج للقائمات المترشحة عن الدوائر الإنتخابية بالخارج.
3- النظام القانوني للعقوبات ومدى فاعليتها
نظم القانون الإنتخابي في بابه السادس الجرائم الإنتخابية وذكر العقوبات المسلطة في حالة إرتكابها وتتراوح من عقوبات مالية إلى عقوبات سالبة للحرية مرورا بعقوبات سياسية.
ويمكن تصنيف العقوبات كالآتي:
أ- خطايا مالية تتراوح بين 500 دينار وخمسين ضعف بمقدار قيمة التمويل الأجنبي.
ب- خطايا مالية مع أحكام بالسجن تتراوح من شهر إلى خمسة سنوات سجنا.
ج- خطايا مالية مع فقدان أعضاء القائمة المتمتعة بالتمويل الأجنبي لعضويتهم في مجلس نواب الشعب وسجن المترشح لرئاسة الجمهورية المتمتع بالتمويل الأجنبي لمدة خمسة سنوات. ويمنع كل هؤلاء من الترشح في الانتخابات الموالية.
د- عقوبة تكميلية تقضي بالحرمان من الحق في الإقتراع لمدة لا تقل عن سنتين ولا تتعدى ستة سنوات.
يجدر التوقف في هذا السياق إلى أن القانون الإنتخابي إقتضى سقوط الجرائم الإنتخابية بالتقادم إثر إنقضاء ثلاث سنوات من تاريخ إعلان النتائج النهائية للإنتخابات. ولقد صدر تقرير محكمة المحاسبات سنة تقريبا بعد إعلان النتائج النهائية. وعليه فإنه يتعين على القضاء العدلي المختص وحده في إصدار العقوبات السالبة للحرية وكذلك محكمة المحاسبات البت في القضايا في أجل لا يتجاوز السنتين حتى يكون لهذا التقرير جدوى وإلا لا فائدة من إصدار تقرير يكشف جرائم لا يمكن أن تؤدي إلى محاسبة مرتكبيها. بل أكثر من ذلك يمكن للمترشحين الفائزين انهاء العهدة النيابية بأكملها والترشح وربما الفوز بعهدة ثانية دون ان تكون الأحكام قد صدرت ضدهم إن ثبتت إدانتهم.
وبالتالي كان من الأجدر على المشرع إختصار آجال البت واعتماد آجال خاصة بالنظر إلى خصوصية النزاع ومدى تأثيره على مصداقية العملية الإنتخابية والمنظومة السياسية بأكملها. وبالتالي يكون بهاته الطريقة لعمل محكمة المحاسبات دور إيجابي في ضمان علوية التشريع وتركيز دولة القانون التي لا تمثل الإنتخابات إلا ركيزة من ركائزها.
من المنطقي أن نتساءل في النهاية عن مستقبل الإنتقالي الديمقراطي بعد هذا التقرير الذي كشف منظومة فساد سقطت في سبيل إنهاءها مئات الأرواح البشرية منذ عشر سنوات.
فهل سيكون تقرير محكمة المحاسبات نقطة فاصلة بين نحو بناء أفضل لمناخ ديمقراطي سليم ؟
منى الدريدي
- اكتب تعليق
- تعليق