الصحبي الوهايبي: قلبك لا ينبض، ولكنّ صحّتك في أحسن حال
بقلم الصحبي الوهايبي - قرّر الملياردير الجديد أن يحتفل بملياره الواحد بعد الألف، فأقام في حديقة قصره حفلا رائقا، واستدعى فقراء المدينة وأغنياءها، حتّى عبد السّتّار كان حاضرا... وفيما كان القوم غارقين في الأكل والشّرب، نقرَ سيّد البيت على كأس الكريستال بملعقته الذّهب، يطلب قليلا من الصمت والانتباه:"جائزة بمليون دينار... يعني مليارا من الملّيمات، لمن يتصدّى لتمساح النّيل الأزرق الذي يسكن في مسبحي هذا!"؛ وما كاد الرّجل يتمّ كلامه، حتّى كان عبد السّتّار في المسبح يواجه التّمساح الشّرس، يطفو حينا ويغوص حينا، يكرّ ويفرّ، ويسقط بين فكّيْ الوحش ثمّ يقفز قبل ان يُطبق عليه؛ حتّى انجلى موج المعركة، فإذا التّمساح قتيل، وإذا عبد السّتّار يصعد إلى اليابسة مثخنا بالجراح؛ والملياردير يصيح: "برافو، يا ولد! برافو لشجاعتك؛ أنا عند وعدي؛ لك منّي مليون دينار! أنت جدير بهذه الجائزة"؛ فصاح عبد السّتّار: "لا أريد جائزتك!"... "ماذا تريد إذاً؟ قصرا على البحر؟"؛ "لا أريد، لا أريد!"؛ "ماذا تريد إذا؟ حسابا بنكيّا في سويسرا؟"؛ "لا هذا ولا ذاك!"؛ "حيّرتني يا ولد، ماذا تريد إذا؟"؛ فبلع عبد السّتّار ريقه الذي شاح وقال: "أريد أن أعرف من هو ابن الكلب الذي دفعني في المسبح!"... طبعا، هذه حكاية لا صلة لها من قريب أو بعيد بما سيؤول إليه وزراء الحكومة بعد عام أو عامين؛ ولكنّها الأحداث تتشابه؛ وكلّ تشابه في الأحداث محضُ صدفة؛ ولا داعي للحيرة، فتلك أحداث سيطويها النّسيان، وما أكثر ما يطوي؛ والنّسيان دواء لكلّ داء؛ وهو وصفة عزيزة على السّلطة، لا تكلّف مالا ولا جهدا؛ كحال ذلك الطّبيب الذي فحص مريضه ثمّ قال له: "صحيح، أنت مريض مرضين اثنين، لا شفاء منهما، ولكنْ لي لك، خبران، مفرح ومحزن؛ وأبدأ بالمحزن فأنت مصاب بالسّيدا، عافانا اللّه وعافاكم؛ ولكن لا تجزع، فأنت مصاب أيضا بالألزهايمر؛ لذلك لا خوف عليك، فستنسى مَرضَيْك هذا وذاك...طبيب وقف يجسّ نبض المريض ساعة كاملة، حتّى هدّه الإعياء والدّهشة، ولكنّه تمالك نفسه وقال:"أنت حالة فريدة في العالم؛ قلبك لا ينبض، ولكنّ صحّتك في أحسن حال"؛ فقال له المريض:"لقد كنت تجسّ اليد الاصطناعيّة يا دكتور؛ هذه يدٌ من مطّاط؛ اترُكْ يدَ المطّاط وانظر في اللّحم الحيّ"... لا تحمّلوا الحكومة فوق طاقتها، فهناك أبواب للنّجاة، أبوابٌ كثيرة... رجل يتسلّق جبلا عاريا، أجردَ، أملس، فزلّت به قدمه وكاد يذهب إلى الهاوية، لولا أن تشبّث بحجر ناتئ، فظلّ معلّقا، حتّى هدّه الإعياء، والحجر يتزحزح، يكاد يخرج من مكمنه الأزلي، فلمّا لم تنجده الحكومة، صرخ: "يا إلهي! أين أنت؟" فجاءه هاتف من وراء السّحاب، لطيفا، وديعا، كأنّه صوت رئيس الحكومة:"هل تريد أن أنقذك؟" فردّ:"طبعا! أرجوك! أتوسّل إليك!"؛ فهتف الهاتف:"إذن أطلقْ يديك من الحجر ولا تهتمّ فسيتلقّفك مَلَكان كأنّك على وسادة من ريش"؛ فأطلق الرّجل يديه... ولم يتلقّفه أحد...
بائع متجوّل يدفع عربته ويشقّ طريقه في الأزقّة الضيّقة وينادي على سلعته وقد غطّاها بكيس من خيش:"بطّيخ! بطّيخ!"؛ فلمّا نضا عنها غطاءها، بانت، فإذا هي سَمَكٌ متعفّن، كأنّه لم يَغْطس في الماء يوما؛ فلمّا سأله النّاس:"هذا سمك، فلماذا تنادي على البطّيخ؟"؛ ردّ مزهوّا:"هاها! هذه حيلتي، كي لا تلاحقني القطط!". ماذا في عربة الحكومة؟
قال الضّيف لمضيفه:"شكرا على هذا الطّعام اللّذيذ. ولكنّ المشكلة في كلبك. يبدو أنّه لم يألفني. لقد ظلّ ينبح طول الوقت". قال المضيّف:" لا تقلق لذلك. هو دائما هكذا، يرتفع نباحه كلّما رأى أحدا يأكل في طبقه"... كثيرون لا يرون أو لا يأبهون في أيّ طبق يأكلون....
الصحبي الوهايبي
- اكتب تعليق
- تعليق