الولايات المتحدة الأمريكية: قراءة في الانتخابات الرئاسية 2020
بقلم آمنة بن عرب. أستاذة الحضارة الأمريكية و العلاقات الدولية, جامعة صفاقس - إن المتابع للانتخابات الأمريكية 2020 يدرك أنها انتخابات مختلفة عن سابقاتها من ثلاث نواحي على الأقل: الإطار و الإقبال و الشخصية المحورية لهذه الانتخابات.
تأتي انتخابات 2020 في خضم أزمة صحية غير مسبوقة تعاملت معها إدارة ترمب باستخفاف كبير أدى إلى فشل في إدارة الأزمة ارتقى إلى مستوى الفضيحة حسب الأمريكيين أنفسهم, هذا الفشل أظهر العديد من الاخلالات على مستوى القيادة الفدرالية خاصة كما كشف هشاشة المعجزة الاقتصادية الأمريكية كما يسميها الرئيس ترمب و أسقط أسطورة تجانس المجتمع الأمريكي رغم تعدد ثقافاته و أجناسه.
ففي الفترة الرئاسية لترمب بينت الإحصائيات أن 60% من الأمريكيين لا يملكون مبلغ 600$ ادخار, واقع لا يعكس الأرقام التي تصدرها الإدارة الأمريكية و خاصة الرئيس ترمب الذي عرف عنه تزييف الحقائق و الأرقام حسب مدققو الحقائق fact checkers
كما أصبح الشرخ المجتمعي في الفترة 2016_ 2020 ظاهرا للعيان أكثر من أي وقت مضى بظهور و استقواء الحركات العنصرية و الأصولية لليمين المتطرف التي أصبح لها صوت من العيار الثقيل بانتخاب الرئيس ترمب و التي (groupes suprématistes , nationalistes, nativistes et sexistes) وصل بها الحد لتهديد السلم المجتمعي داخل الولايات المتحدة مثل التخطيط للقيام بانقلاب بولاية مشقن واختطاف واغتيال حاكمة الولاية من قبل ميليشيا يمينية متطرفة Gretchen Whitmer
تعتبر هذه الانتخابات مختلفة أيضا من ناحية نسب الإقبال و طريقة الاقتراع بل هي تاريخية فلأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة يتجاوز عدد الناخبين 150 مليون صوت و هو مرشح للارتفاع و لأول مرة يحصل مرشح للرئاسة على أصوات تتجاوز ال74 مليون صوت و كذلك لأول مرة يصوت عن طريق البريد أكثر من 64 مليون ناخب و هو ضعف العدد الذي تم إحصاءه في انتخابات 2016 Mail-in voting
كما أن هزيمة ترمب ستمثل ثامن مرة في تاريخ الولايات المتحدة التي لا يعاد فيها انتخاب رئيس لعهدة ثانية
إن شخصية الرئيس ترمب جعلت من الانتخابات الرئاسية محطة للمتابعة لأن نتيجتها ستكون نقطة انطلاق لإعادة النظر في بعض المسلمات حول المجتمع الأمريكي (مجتمع متكون من خليط من الثقافات و الأجناس و الديانات مما يجعله متسامحا و متفتحا على الآخر) فالرئيس ترمب بدأ من خارج المنظومة و بقي خارجها و حاربها طيلة أربع سنوات بخطاب شعبوي و في كثير من الأحيان تحريضي جعل الملاحظين يعتقدون بأن الناخب الأمريكي سيقصيه بفارق كبير عن منافسه و لكن التقارب في النتائج بين أن لخطاب ترمب جاذبية و شعبية داخل المجتمع الأمريكي.
و تناغما مع شخصيته الصدامية و المثيرة للجدل, رفض ترمب الالتزام بالتقليد السائد في كل المحطات الانتخابية الرئاسية بالولايات المتحدة و هو الإعلان صراحة بأنه سيقبل نتائج الانتخابات مهما كانت و خاصة في صورة فوز منافسه و لكن رفضه الاعتراف بالهزيمة سيؤدي إلى اللجوء للقضاء وإلى حالة من عدم الاستقرارالتي سيقع احتواؤها بفضل قوة المؤسسات التي ينبني عليها النظام السياسي الأمريكي.
اعتادت النخبة و كذلك المواطن العادي في تونس بمناسبة الانتخابات الرئاسية الأمريكية التساؤل حول مدى تغير السياسة الخارجية الأمريكية تجاه تونس و المنطقة بصفة عامة , تساؤل ينم عن عدم إدراك لتاريخ السياسة الخارجية الأمريكية و المبادئ التي تقوم عليها و التي جعلت منها سياسة خارجية مؤسساتية و ليست حزبية بمعنى أن تغيير الرئيس و الحزب الحاكم في الولايات المتحدة ليس المحدد الأساسي للمسار الذي تنتهجه في سياستها الخارجية بل تحكمه المصالح العليا للبلاد و المحافظة على مناطق نفوذها والتي يثبتها في كل مرة مذهب الرئيس المنتخب (أولها مذهب مونرو الذي نبه أوروبا بعدم التدخل في أمريكا اللاتينية باعتبارها منطقة نفوذ أمريكية) كما أن الأحداث الجديدة و غير المتوقعة أحيانا التي تطرأ حول العالم من شأنها أيضا أن تؤثر على مجريات السياسة الخارجية الأمريكية و تغير وجهتها في اتجاه تدعيم مصالحها أو حمايتها (أحداث 11 سبتمبر).
و قد تأرجحت السياسة الخارجية الأمريكية عبر تاريخها بين الواقعية و المثالية, بين الانعزالية و التدخل في شؤون الدول الذي اتخذ أشكالا عديدة سواء منها الحروب المباشرة أو الحملات غير المباشرة لزعزعة استقرارها (خاصة أثناء فترة الحرب الباردة) و التدخل من أجل أهداف إنسانية (كلينتون) و تغيير الأنظمة و دعم الديمقراطية (بوش الابن) و غيرها من أشكال التدخل.
أما بالنسبة لمنطقة شمال إفريقيا فلم تكن يوما ضمن مناطق نفوذ الولايات المتحدة لأسباب تاريخية في علاقة المنطقة بأوروبا و قربها الجغرافي منها و تشابك مصالحها الاقتصادية و الأمنية معها و نظرا لعدم تجانس دول المنطقة من الناحية السياسية و الاقتصادية من منظور الولايات المتحدة فسياستها تختلف من بلد لآخر فهي تعتبر تونس و المغرب شركاء معها في حربها على الإرهاب دون أن يكون لهما وزن اقتصادي هام و تتعامل بحذر مع الجزائر مع الأخذ بعين الاعتبار مكانتها الاقتصادية و مواردها الطاقية الكبرى (فهي تحتل المرتبة السابعة عالميا من حيث امتلاكها لإحتياط الغاز الطبيعي و الرابعة عشر بالنسبة للنفط) أما سياستها تجاه ليبيا فمرت من سياسة عدائية واعتبارها دولة مارقة إلى دولة صديقة في آخر حكم العقيد القذافي إثر قبول النظام تفكيك برنامج ليبيا النووي و فتح السوق الليبية أمام الولايات المتحدة.
أما بالنسبة لتونس التي تعتبرها بلد معتدل فستبقي الولايات المتحدة على سياستها الداعمة لها و خاصة من حيث التنسيق الأمني و العسكري كشريك لها في حربها على الإرهاب.
من المؤكد أنه بفوز جوزيف بايدن في الإنتخابات الرئاسية ستغلق الولايات المتحدة الأمريكية فترة اتسمت فيها سياستها الخارجية بالارتجالية و عدم الوضوح و الخلط بين السياسي و الشخصي و ستعود إلى ثوابت ذكر بها بايدن في مقال أصدره في 11 جويلية 2019 بعنوان "لماذا على أمريكا أن تعود لقيادة العالم؟" و منها العمل على استعادة الولايات المتحدة لمصداقيتها و احترام العالم لها و ثقة حلفاءها فيها لتكون من جديد قوة مؤثرة و الحرص على بناء نظام عالمي يتماشى مع ما أسماه بالقيم الأمريكية من نشر للحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان و العمل مع حلفاء الولايات المتحدة لرفع التحديات العالمية مثل تغير المناخ (الانضمام من جديد لاتفاقية باريس) و الممارسات التجارية غير النزيهة (استهداف الصين بالأساس) ووضع حد للنزاعات القائمة (انهاء الحروب في أفغانستان و الشرق الأوسط و إنهاء دعمها للسعودية في حربها على اليمن) و للانتشار النووي (العودة لاتفاق ايران و دول 5+1 و الإتحاد الأوروبي و العودة لسياسة الضغط على كوريا الشمالية) و مواصلة دعمها اللامشروط لإسرائيل و في هذا الإطار من المتوقع أن يواصل بايدن ما قام به ترمب و كوشنر مهندس نقل السفارة الأمريكية إلى القدس و اتفاق أبراهام مع الإمارات العربية المتحدة ثم البحرين في إطار ما تم تسميته بخطة السلام بالشرق الأوسط واستغلاله كإطار لحث دول أخرى من المنطقة على التطبيع مع إسرائيل.
آمنة بن عرب
أستاذة الحضارة الأمريكية و العلاقات الدولية, جامعة صفاقس
- اكتب تعليق
- تعليق