أخبار - 2020.10.31

د. محمد ڤديــش وجهوده في التحسيس والتوعـيــة بأهميـة التبــرع بالأعضاء

د. محمد ڤديــش وجهوده في التحسيس والتوعـيــة بأهميـة التبــرع بالأعضاء

بقلم الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي - تعرّفت على الدكتور محمد قديش رحمه الله في تسعينات القرن الماضي وكان ذلك في اطار عمل فريق من الأطباء المختصّين في المستشفيات الجامعية وفي المستشفى العسكري والأساتذة المختصّين في كلّيات الطب  ونخبة من رجال القانون ورجال الفكر والفن والإعلام ومكوّنات المجتمع المدني وكنت بينهم المختصّ في العلوم الشرعية وتمثّل  عمل هذا الفريق المتنوّع والمتكامل في التحسيس والتوعية بالتبرّع بالأعضاء وزرعها.

كان الدكتور محمد قديش رحمه الله هو المنسّق بين أعضاء هذا الفريق  في تلك الفترة التي   تلت اصدار القانون المنظّم للتبرّع بالأعضاء .كان  هذا الفريق يعمل بتطوّع وبقناعة وحماس وكان الفضل في ذلك يرجع الى العلاقة الشخصية الحميمة التي تربط الدكتور محمد قديش رحمه الله بأعضاء الفريق الذين يكنّون له جميعا الاحترام والتقدير لما جبل عليه من خلق رضي فقد كان بينهم كأحدهم رغم مسؤوليته الرفيعة كطبيب خاصّ للرئيس زين العابدين بن علي رحمه الله.

انطلق الفريق في عمله التوعوي الذي تركّز في البداية في إقليم تونس (تونس وأريانة ومنوبة وبن عروس) ليتوسع شيئا فشيئا ليصل الى نابل وسوسة وغيرهما. كانت اجتماعات هذا الفريق تتمثّل في لقاءات مفتوحة في المبيتات الجامعية وعلى هامش المهرجانات الثقافية وعلى منابر النوادي والجمعيات والمنظمات الوطنية وكان المرتّب والمنسّق لهذه اللقاءات في كلّ جوانبها مع مختلف الاطراف المتدخّلة هو الدكتور محمد قديش رحمه الله وكان لذلك أثره في نجاح كلّ اللّقاءات التي عقدها واقصد بالنجاح كلّ جوانبه وبالخصوص نجاح المضمون وبلوغ الغاية والهدف فكان الدكتور محمد قديش رحمه الله هو من يدير الجلسات ويوزّع الكلمات على المشاركين وهو من يحيل الكلمة الى الراغبين من الحاضرين وهم من مختلف الفئات ليلقوا اسئلتهم واستفساراتهم. كان رحمه الله يفعل ذلك بحرفية عالية وبابتسامة لا تغادر محيّاه وبصرامة بحيث يقدّم كل طرف وبإيجاز تدخّله حتّى تعمّ الفائدة ولا يحصل ملل بسبب الإطالة والاستطراد.

كان موكولا إليّ أن أقدّم رأي الدين في مسالة التبرّع بالأعضاء( جوازه أوعدم جوازه)  وكنت مضطرّا إلى إدراج مسالة التبرّع بالأعضاء في إطار مقاصد الشريعة الداعية إلى التراحم  وإنّ من كليات هذه الشريعة المحافظة على الأبدان التي تقدّم على المحافظة على الأديان عند تعارض هذين الكليتين وكنت أقدّم أمثلة واقعية يهتزّ لها الدكتور محمد قديش رحمه الله المعروف بحسّه الديني المرهف ولا ينفكّ بعد ذلك يكرّرها ويطلب منّي إعادتها كلّ مرّة لما لها من الأثر الكبير في الإقناع بأهميّة التبرّع  باعتباره إحياء للنفس البشرية كما جاء في قوله جلّ من قائل (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) وان مصلحة الحي مقدمة على مصلحة الميت وأنّ الانسان بوفاته الباقي منه هو روحه  التي من أمر ربه أما أعضاؤه فهي آئلة الى الدود والتراب فالحي أولى من الميت بهذه الأعضاء  والتبرّع بها هو ضرب من الصدقة الجارية التي يلحق بها ومنها للمتبرع الا جر والثواب بعد وفاته.

كان الدكتور محمد قديش رحمه الله يفسح لي المجال لا لتقديم بحث أكاديمي فالمجال لا يسمح بذلك ولكن لتقديم ما به الحاجة مصحوبا بأدلّة من القران والسنة ومن الاثار والامثلة التي يتحقق بها المقصود والمطلوب وهو ما يعلّق عليه الدكتور محمد قديش ويلفت إليه أنظار زملائه الأطباء وكلّ الحاضرين وأنّ هذا هو إسلام الزيتونة المستنير المواكب للمستجدّات المجسّم للأخوّة والمحبّة والتآزر والتضامن أين منه ما يلصق بالإسلام من تزمت وتعصّب وتشدّد.

كنت أحرص على التذكير بأنّ الأمور بمقاصـــدها وأنّـــه لا ضرر ولا ضرار وأنّ الضرر يزال وأنّ الضرورة تقدر بقدرها وأنّ الضرورات تبيح المحظورات واضرب على ذلك أمثلة من واقع الحياة مثل من يغصّ ولا يجد بجانبه ماء فإنّه يجب عليه حفاظا على حياته ان يتناول المشروب المحرّم الذي هو قريب منه ما به يحافظ على حياته وكذلك الشأن بالنسبة إلى المأكل المحرّم فإنّه يأخذ منه ما به يسدّ رمقه بل ويتزوّد منه إلى المكان الذي يجد فيه المأكل الحلال.

وكنت أسأل الدكتور محمد قديش رحمه الله وزملاءه الأطباء عمّا به يعتبر الميّت قد مات فعلا ليستفاد من أعضائه أهو توقّف نبضات القلب أم الموت الدماغي راجيا أن اتلقّى منهم الجواب الشافي المطمئن وأملا ألاّ يكون في المسالة قولان كما يقول الفقهاء. وكان الدكتور محمد قديش رحمه الله وزملاؤه يجيبونني بأريحية تزيد الحاضرين طمأنينة وثقة فيما يبلغ لهم من رأي الدين في مسالة التبرّع بالأعضاء.

ظلّ ذلك دأبنا طيلة سنوات ليس فقط في اليوم الوطني للتبرّع بالأعضاء ولكن على مدار أشهر السنة بلا كلل ولا ملل يزيدنا حماسا ومواصلة بذل الجهد في هذا المجال ما تكنه قلوبنا جميعا للدكتور محمد قدّيش رحمه الله من حب سببه الأول والأخير ما جبل عليه من خلق كريم.

تلك بعض الخواطر والذكريات أردت أن أحيّ بها روح الفقيد العزيز صديق الجميع الدكتور محمد قديش رحمه الله وأسكنه فراديس جنانه، إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي



 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.