في حديث حصري لليدرز - هشام المشيشي: لا تنمية في البلاد بمعزل عن وزارة الداخلية (فيديو)
في حديث حصري لليدرز عرض هشام المشيشي وزير الداخلية برنامج عمله فيما يخصّ المقاييس التي سيتمّ اعتمادها في تعيين إطارات وأعوان الإدارة الجهويّة مستقبلا ومحاربة الإرهاب ومقاومة شتّى أنواع الجريمة، فضلا عن رقمنة مختلف مصالح الوزارة.
وفِيما يلي نصّ الحديث:
كيف واجهتم الوضع الموسوم بالتهديدات الإرهابية، وفرض حظر التجوّل والحجر الصحي الشامل جرّاء تفشي وباء كورونا؟
لم يهدأ للحكومة الجديدة بال . وجَدْتَني مباشرة في غمرة العمل، لم أجد وقتا للتأقلم مع مهامّي الجديدة.لم يَمُرّ أسبوع واحد على أداء القَسَم أمام رئيس الجمهورية يوم 29 فيفري والشروع في مباشرة مهامي حتى حصل ذلك الهجوم الإرهابي يوم 6 مارس في منطقة البحيرة 2 مستهدفا فرقة أمنية تابعة لوزارة الداخلية... لكُمْ أن تتخيلوا كلّ ما ترتب عن هذه العملية الإرهابية من تفعيلٍلخطة الطوارئ وإطلاقٍ لعمليات التحقيق وتحسُّب لإمكانية حصول عمليات أخرى متزامنة وحرص على تهدئة روع المواطنين والأخذ بيدهم ...
ولم تمر سوى أيام قليلة على الهجوم ، وقد تفاقم تفشي الوباء ، حتى كان لزاما على رئيس الدولة أن يعلن عن قراره ببدء العمل بالحجْر الصحي العام المقصود به ملازمة كل المواطنين بيوتهم، وهو أمر لم يسبق على الإطلاق أن عاش التونسيون مثيلا له عبر التاريخ .. ثم كان لا بدّ من اتخاذ الإجراءات الضرورية لتمكين التونسيين من التوقي من آثار الأزمة وكانت كارثية إلى أبعد الحدود ، كما كان لا بدّ من الإعلان عن حظر التجول، ومن غلق الحدود ومن إعادة المواطنين التونسيين العالقين في الخارج. لقد باغتَنا الوباء فخلق وضْعًا استثنائيا بالكامل وغير مسبوق كان من الواجب مواجهته.
كيف تعاملتم مع هذا الوضع الدقيق إذن؟
واجهناه بقدر لا بأس به من الهدوء ومن الصبر! وليس بُدٌّ في مثل هذه الظروف العسيرة من أن يحافظ المرء على قدْرٍ من النباهة، وان يترك بينه وبين هذه الأحداث المتتالية مسافة كافية حتى يستطيع تبَيُّن كلًِّّ وضع وتخليصه مما علق به من الشوائب وضروب التعقيد والتركيب ، والبحث عن الحلول ... كل ذلك يستلزم بطبيعة الحال العمل بشكل جماعي في إطار فرق عمل وفي كنف الثقة الكاملة.
لقد كنت مصمِّما كأشدِّ ما يكون التصميم على أن تقدم وزارة الداخلية أوفر قدر من الدعم والإسناد للعمل الحكومي. فكانت الطريق أمامي واضحة تماما: لا مناص من الأخذ بكل أسباب الاتصال العقلاني والعملي والمُطَمْئِن، ومن أن ينصرف السعي إلى تعبئة فِرق العمل حول مُهِمّةٍ بعينها، وأن نكْبِر نُبْل المهمة المنوطة بعهدتنا والتي علينا واجب أدائها على أفضل الوجوه،وأن ننهض على عجل بقيادة تعمل بشكل تشاركي يكون ما يقوم به كل واحد من أفرادها موضع تقدير واعتبار، إذ لا بد من أخذ هذه الفرق بالتشجيع والتحفيز فذاك شيء أساسي لا غِنًى عنه.يضاف إلى كل ذلك واجب مواجهة حدّة الأحداث دون ان يكون لاشتدادها سلطان على النفوس، ودون أن تَفُتَّ في ساعدنا او تحط من عزائمنا.
وما من شك في أن هذا المستوى من المسؤولية يستوجب بالضرورة توفر التجربة الكافية حتى يمكن التصدي لشتى أنواع الضغوط وهي كثيرة ومضنية.
ما هي اللحظات التي مرّت بكم مؤخرا وكان لها أبلغ الوقع في نفسكم؟
هي تلك التي اجتزْتُها وأنا ألاحظ نظرة أبناء الشهيد توفيق الميساوي الذي توفي في الهجوم الذي استهدف منطقة البحيرة 2. لقد تملَّكني شعور لا يمكن وصفه وأنا أشاهد الوجوه وقد تملّكها الحزن واللوعة وعميق الأسى مع مسحة من الافتخار والأمل...
حينذاك أدركت بأكثر عمق خطورة المهمة المنوطة بعهدتي وبعهدة كل فرق العمل بوزارة الداخلية . هؤلاء الاطفال ينتظرون منا أن ننصفهم ونحفظ أمنهم ونهيء لهم غدا أفضل، شانهم في كل ذلك شأن التونسيين جميعا.
لقد كانت لحظة قاسية ومُحَفِّزة في نفس الوقت جعلتني أستعيد لٍتَوِّي ذكرى قسَمٍ قد أدَّيْتُه حينما تسلّمت مهامي على رأس الوزارة.
هنالك لحظة أخرى كان عليَّ أن أجتازها كذلك حينما عَنَّتْ في وقت من الأوقات بعضُ المخاوف من أن يرتفع عدد الإصابات بعدوى فيروس الكورونا بشكل تصاعدي مع كل ما يترتب عن ذلك من آلام وفواجع وويْلات، وما يتطلبه من هياكلنا الاستشفائية من قدرة على الجهد وما قد يتسبّب فيه من ارتفاع في عدد الضحايا.
كانت مساهمة وزارة الداخلية وكل قوّاتنا الأمنية مساهمة فعالة الى أبعد حد، وحرصنا على التحلّي بالصرامة اللازمة في سعينا إلى تطبيق كل إجراءات الحجر الصحي. فكان لزاما علينا أن نتوخّى سبيل التشدّد في تطبيق التعليمات بعد أن اتجه حرصنا في بداية الأزمة إلى التركيز على الاتصال والتوقي.
ما هو المدى الذي بلغه التصدي للجريمة والاتجار بالمخدرات إلى حدّ الساعة؟
نحن نقوم بمجهود مكثف وبلا انقطاع. انخفض مستوى الجريمة إحصائيًّا طيلة فترة الحجر الصحي وذلك عكس ما قد يتبادر إلى أذهان الكثيرين ، وينبغي التأكيد هنا على أنّنا عملنا الكثير الكثير من أجل ذلك. ونعلم جميعا كم أنّ مسألة تحسس هذا الأمر مسألةٌ هامة إذا قسناها باستعمال الأدوات العلمية في مجال الجريمة، ويتعين معالجتها والبحث فيها. فلا بدّ من المبادرة قبل كل شيء آخر إلى تعزيز الشعور بالأمن لدى المواطن والحرص على ترسيخ ثقته تجاه قوات النظام وذلك بصرف النظر عن الإحصائيات التي يقف منها المواطن موقف اللامبالي ويعتبرها أشياء بلا معنى بحيث لا تريحه ولا تشعره بالرضا والاطمئنان.
فلا مندوحة والحالة تلك عن اللجوء إلى الاتصال والاعتماد عليه بقوة حتى نظفر بثقة المواطن ونتوفَّق إلى تبديد ما يساوره من شكوك.
صحيح أنّ الجريمة لم تتطوّر إحصائيا وأنّ العكس هو الذي حصل ، إلا أنّ سوسيولوجيا الجريمة هي التي تغيرت بشكل عميق ، ويبقى انخراط الأحداث في بعض الانحرافات وانجرارَهم إلى بعض الجُنح ظاهرة مزعجة إلى حدّ لا بأس به.
وماذا عن الجرائم المقترنة بالمخدرات (استهلاكا وترويجا .. الخ. )؟
نحن لا نألو جهدا في سبيل التصدي لها بقوة وحزم في كل يوم . نحجز منها كميات هامة جدّا، نتولى مصادرتها، ونقوم بجهد مكثف بهدف تفكيك الشبكات . إلا أنّ المقاربة الأمنية وحدها لا تفي بالحاجة، وليست هي الحل كله. فلا بد من اعتماد مقاربة متعددة الاختصاصات والخصائص، فيها لكل مجال نصيب من التربية إلى الرياضة إلى الثقافة ، وفيها نصيب من المسؤولية ملقى على كاهل الأسرة ، وفيها كذلك ما له صلة بالتصدي لظاهرة الفقر ... كلّ هذه العوامل متضافرة من شأنها أن تساعد علىالتصدي لظاهرة تناول المخدرات وترويجها والقضاء عليها.
أن يتقلص منسوب الشكاوي ولفت النظر تجاه ممارسة هذا العنف.. هل في هذا كفاية ؟ هل في هذا ما يطمئن ويريح البال؟
لقد سُجِّل بالفعل انخفاضٌ على مستوى المؤشرات الخاصة بالجريمة وبعض الجُنَح التي تقترف ضد النساء، إلا أنّنا نبقى غير مطمئنين على الرغم منِ هذا التراجع لإدراكنا بأنّ الإعلام عن هذا اللون من الاعتداءات والتصريح به قد لا يأتي على كل حقيقة ما حصل ، فهنالك بعض الميول التلقائية التي ظلت عالقة بمجتمعنا لسوء الحظ. فقد تعْدُل هذه المرأة أو تلك من النساء اللاتي تقعن فريسة للعنف عن لفت الانتباه وتقديم شكوى لأسباب وبتعلات شتى كالحرص على صون سمعة العائلة وتجنب القيل والقال وإرادة التقليل من شأن العنف الخ... ولقد قمنا بتحضير ومضة تحسيسية فيها دعوة الى النساء إلى الاتصال بنا بدون تردّد في حال تعرضهن للعنف أكان خفيفا أم شديدا ثم نشرناه في بوابة وزارة الداخلية.
وينصرف سعينا إلى تعزيز فرقنا المتخصّصة في الجرائم التي تُرْتكب ضد النساء والأطفال ونحرص على الارتقاء بمستوى أدائها عن طريق التكوين والتدريب . كما حرصنا على إرساء تعاون مع وزارة المرأة والأسرة حتى نجمع ما يتوفر للطرفين من معطيات ونقارن بينها باعتبار أنّ هناك من النساء من تفضلن الإدلاء بما لديهن من معطيات ومعلومات لإحدى الوزارتين دون الأخرى.
ماذا عن محاربة الإرهاب؟ هل ما زال الإرهاب يتهدّدنا؟
لقد انتقلنا من استراتيجية الدفاع ورد الفعل إلى استراتيجية الأخذ بالمبادرة والتحكّم في مجرى الأمور، وأصبحت قوات الأمن تتجه مباشرة صوب المجموعات الإرهابية لملاحقتها ومطاردتها بلا هوادة وحتى النهاية. وقد ألحقنا بها خسائر فادحة بفضل ما قمنا به من عمل ميداني وعمل استعلامي جيد، وما تتحلى به قواتنا الامنية بكافة اختصاصاتها من روح مفعمة بالوطنية وما تلقته من تمرينات وتدريبات.
إنّنا ندافع عن قضية عادلة... ندافع عن أنموذج عيش، لأجل الحق ّ، لأجل الأنوار ، أما الإرهابيون فإنّهم يدعون إلى الموت وسكب الدماء وممارسة العنف.
الإرهابيون يحاولون عبثا بثّ بذور الفرقة بيننا لإرباكنا وتفريق صفوفنا وزعزعة استقرارنا . لا مكان لهؤلاء بيننا على الإطلاق .. سوف يهزمون شر هزيمة.. سوف نلحق بهم خسارة ما بعدها خسارة ، ولن تنفعهم تلك الدعايات التي يقومون بها لحمل أتباعهم من المارقين على ارتكاب أعمال معزولة . سوف يجدوننا في مواجهتهم للضرب على أيديهم ونذيقهم الأمرّين ولن يكون لهم من ذلك مخرجا.
كيف يمكن المحافظة على استقلالية الأسلاك الأمنية وتجنب التعيينات الحزبية؟
لا سلامة للأسلاك الأمن المختلفة إلا في ظلّ الاستقلالية. فلا مجال لكسب ثقة المواطن ودفعه إلى مؤازرة قوات الأمن والوقوف إلى جانبها ودعمها إلا في ظلّ استقلالية كل الهيئات الأمنية والقوات الأمنية لا تدين بالولاء إلا للشعب وللعَلَم وللقانون، ولا بُدّ أن تبقى هذه الأسلاك بمنأى عن كلّ التجاذبات السياسية، وسأكون شديد الحرص على أن يكون الأمر على هذا النحو، ولا مكان على الإطلاق للتعيينات السياسية صلب القوات الأمنية.
ونحن بصدد وضع نظام تقييمي لأداء الإطارات الأمنية باعتماد مقاييس ومعايير دقيقة بالنسبة إلى تعيينات الأطارات في الخطط الوظيفية على أن يخضع أداؤها المهني إلى الاختبار وفق نظام تقييمي دقيق ومُنْصِف.
هل ينطبق هذا النظام على إطارات الإدارة الجهوية وأعوانها؟
قطعا! نحن مُقرُّون العزم على القطع نهائيا مع ممارسات قد أكل عليها الدهر وشرب حينما كان الإطار الجهوي يُعَيَّن في منصب ما لأسباب شتى، لكن دونما أي اعتبار للعامل الأساسي والوحيد الذي ينبغي وجوبا أن يعتمد كمقياس وهو عامل الكفاءة والقدرة على تقديم ما هو منتظر منه أن يقدمه من خدمات للجهة التي يعمل بها. لن نرضى في المستقبل بأن تكون لنا إطارات وأعوان جهويون يجهلون ما هو مطلوب منهم، لا يدرون على وجه التحديد لماذا هم في الخطة التي يشغلون، ولماذا يقع الاستغناء عنهم حينما يُعْفَوْن من تلك الخطة. وسننكب في نفس الوقت على النظر في قانون أساسي خاص جديد لفائدة إطارات الإدارة الجهوية وأعوانها يعلي من شأن مهنتهم ويحفّزهم على التدرّج في سلّم الترقية.
كيف وجدتم وزارة الداخلية؟
ما جلب انتباهي بداية هو تعلق عموم العاملين في مختلف المصالح بالوطن وتشبثهم بقواعد الانضباط وتفانيهم في أداء الواجب بصدق وإخلاص. وجدت أناسا يتحلَّوْن بحميد الخصال مهنيا وإنسانيا، وإني لحريصٌ على العمل معهم من أجل تلميع صورة الوزارة وإعادة الاعتبار لها ودعم دورها. فهي بالأساس الحارس الأمين للديمقراطية والضامن لها ، ولا تنمية في البلاد على كل الأصعدة بمنأى عن وزارة الداخلية بالنظر إلى ما هو مُوكَلٌ إليها من مهمات على مستوى الأمن الداخلي والإدارة الجهوية . وسوف لن أدّخر جهدا في سبيل النهوض بقوات النظام وتقديمها على أفضل صورة وغرس روح الانضباط في كنف الاحترام الكامل لحقوق الإنسان.
ما هي مشاريع الإصلاحات التي أنتم بصددها؟
تكتسي كلُّ الإصلاحات التي ننوي القيام بها صبغة عاجلة وهي إصلاحات لا غنى عنها على الإطلاق. الأشغال جارية هنا وهناك على قدم وساق، وهي كثيرة وهامّةًومتشابكة. هنالك بداية مشروع رقمنة وزارة الداخلية ويأتي على رأس مشاريعنا . وزارة الداخلية لم تنجز بعْدُ ثورتها الرقمية على رغم ما يتوفر لها من طاقات وما يتحلى به إطاراتها وأعوانها من دراية وأهلية. ولنا في هذا المجال حزمة لا يستهان بها من المشاريع: هنالك المراقبة الألية الإلكترونية في المدن، وهنالك تعميم الرقمنة على مستوى شرطة المرور: مراقبة لوحات أرقام تسجيل السيارات، والرادارات المتحركة والأضواء الآلية ... بالإضافة إلى المراقبة الألكترونية للحدود ، ورقمنة نظام منح التأشيرات وجوازاتالسفر وبطاقات التعريف الوطنية البيومترية والوثائق الإدارية ...ولا بد من اعتماد مفهوم شرطة القرب على نطاق أوسع وبأكثر نجاعة، مع إتاحة كل الظروف لتحقيق التصالح المنشود والتآلف المرجو بين المواطن والمؤسسة الأمنية.
ويكتسي إصلاح النظام الخاص لقوات النظام أهمية قصوى وينبغي المضيّ فيه بكل تصميم وحزم كما لا بدّ من التعجيل في تطبيق قانون حماية أعوان القوة والنظام، والتعجيل بإنشاء مركز للدراسات الأمنية والاستراتيجية، نظرا إلى ما يكتسيه الدور المُوَكل إلى هذا الهيكل المتخصص في التفكير والتحليل والاقتراح من بالغ الأهمية وعظيم الفائدة.
قراءة المزيد
أضواء على مسيرة وزير الداخلية هشام المشيشي
هشام المشيشي وزير الداخلية : يقظة تامّة وتحفيز على العمل وحضور على الميدان (فيديو)
- اكتب تعليق
- تعليق