فرضت جائحة كوفيد 19 التي يشهدها العالم في الأشهر الأخيرة تغيرات جذرية على عادات وسلوكيات الناس واجبرت التدابير الوقائية والحجر الصحي تقريبا الجميع على إعادة تنظيم اوقاتهم ونشاطاتهم سواء كانت أنشطة مهنية او هوايات ترسخت في العادات اليومية للناس.
ولعل من ابرز التساؤلات التي سلط عليها وباء كوفيد 19 الأضواء هي و هنا برزت عديد التساؤلات حول مسالة ممارسة الرياضة وتاثيرها على مناعة الجسم رغم انني لا انتمي الى المجال الطبي الا ان التكوين العلمي والطبي الذي يتلقاه المهنيون في المجال الرياضي يوفر مقومات الثقافة الطبية العامة وخاصة تلك التي لها علاقة بالنشاط البني والرياضي وسنعرض عليكم في هذا المقال حصيلة البحوث العلمية التي تناولت بالبحث والدراسة تاثير ممارسة الرياضة والنشاط البدني على جهاز مناعة الانسان من جهة ثم مدى تاثير الممارسة على التعقيدات الصحية التي يتسبب فيها داء كوفيد 19.
بصفة عامة أصبح من الثابت لدى رجال العلم وعامة الناس ان الأشخاص الذين يمارسون الرياضة بصفة منتظمة يتمتعون بحالة صحية افضل من غير ممارسي الرياضة ويتمتعون بجودة حياة افضل ومدة عيش أطول. ذلك ان مستوى اللياقة البدنية لديهم يمنحهم حماية نسبية ضد الامراض المزمنة وضد التدهور الوظيفي الحركي وتقلص القدرات الذهنية كما يقيهم نسبيا ضد الالتهابات الفايروسية بالخصوص.
وسنتناول في هذا الجزء من المقال هذه النقطة الأخيرة بالذات وهي تأثير النشاط البدني على مقاومة الالتهابات الفايروسية وسنحاول بذلك الإجابة عن السؤال الأساسي الحالي الا وهو هل من المفيد ممارسة الرياضة اثناء فترة الحجر الصحي التي تهدف الى التوقي من انتشار فيروس كورونا بين الناس.
منذ ثمانينات القرن الفارط عاين الباحثون في المجال الطبي ارتفاعا حالات الاصابة بالالتهابات الفيروسية للمسالك التنفسية العليا او ما يسمى الإنفلونزا لدى عدائي سباق الماراطون وذلك سواء خلال فترة الاعداد البدني التي تسبق المشاركة في المسابقة أو في الأسابيع الموالية لها مباشرة وهو ما جعل الاهتمام بمسالة تاثير ممارسة الرياضة على مناعة الجسم يزداد خلال السنوات التي تلت هذه الملاحظات
ماهو اثر النشاط البدني والرياضة؟
يتعين هنا الفصل بين الاثار الوقتية الحادة والتي تظهر في الدقائق والساعات الأولى التي تلي النشاط البدني والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بدرجة المجهود خلال النشاط ومدته من جهة وبين الاثار الدائمة والمستقرة على المدى الطويل.
يلخص الجدول الاتي السيناريوهات المختلفة والاثار المعروقة للنشاط البدني على مناعة الجسم
ابرزت أولى الدراسات الوبائية التي أنجزت منذ 30 سنة حول التظاهرات الرياضية الكبرى (ماراطون لوس انجلس) ان العدائين والعداءات يصابون بالتهاب المسالك التنفسية العليا 6 مرات أكثر من غير العدائين.
اما عند مقارنة الإصابات لدى العدائين فيما بينهم فقد تبين ان عددها يتضاعف لدى ؤلائك الذين يقطعون بانتظام مسافة 60 كم عدو أسبوعيا.
تعدد فيما بعد الدراسات العلمية حول هذه المسال ليتبين ان إمكانية التعرض الى التهابات ترتفع لدى الرياضين المتخصصين في سباقات المداومة والأنشطة الرياضية ذات المجهود البدني العالي وخاصة لدى العدائين الذين يستعدون لمسابقات هامة ويرفعون تدريجيا في حدة التمارين.
في هذا الموضوع أيضا بينت دراسات علمية أخرى حول الارتفاع في إمكانية الإصابة بالتهابات لدى الرياضيين عند المشاركة في التظاهرات ان هذه الأخيرة تجمع عددا كبيرا من الأشخاص في نفس الأماكن والمواقع كما تنهك الرياضيين الذين علاوة على التدريبات والتمارين يتحملون مشاق السفر والتنقل ويتعرضون الى اضطرابات في النوم وتغيرات في العادات الغذائية بالإضافة الى ارتفاع درجة التوتر والتي تأثر سلبا على الاجسام بصفة عامة يمكن ان يفسر أيضا بان هذه التظاهرات هي أيضا عوامل يمكن ان تفسر ارتفاع نسبة الإصابات لدي الرياضيين المشاركين
في المقابل اثبتت الدراسات تقلص عدد الإصابات بالالتهابات ومدتها لدى الأشخاص الذين يتعاطون نشاطا رياضيا وبدنيا منتظما ومتوسطا من حيث درجة المجهود البدني المبذول.
هذه الحماية النسبية التي يتمتع بها ممارسو هذا الصنف من النشاط الرياضي تقلص نسبة تعرضهم الى التهابات بنسبة 50 % مقارنة بغير الممارسين للرياضة.
كما اثبتت دراسات أخرى خضع لها الأشخاص الذين يتعاطون نشاطا رياضيا متوسطا ومنتظما تقلص حدة الإنفلونزا والالتهابات الرئوية البكتيرية
انطلاقا من هذه المعطيات يأخذ الرسم البياني المقارن لاحتمالات التعرض الى التهابات شكل الحرف اللاتيني " J"
يمكننا اذن ان نلخص ما اثبتته الدراسات العلمية بالقول ان إمكانية الإصابة بالتهابات يتقلص الى النصف لدى الأشخاص الذين يتعاطون نشاط رياضي منتظم في الزمن ومتوسط في المجهود ولكن مخاطر الإصابة بالتهابات تتضاعف 6 مرات لدى الأشخاص الذين يمارسون تدريبات شاقة .
نشر فريق بحث دنمركي دنماركي سنة 2015 في المجلة العلمية l’American College of cardiology دراسة تؤكد انه من المحبذ ان يمارس الكهول ساعتين ونصف من العدو بنسق خفيف او متوسط أسبوعيا أي بمعدل 3 مرات في الأسبوع وتشير الدراسة انه اذا تجاوزت ممارسة العدو 4 ساعات في الأسبوع فان تاثيرها على الجسم يصبح سلبيا كما وتفيد نفس الدراسة ان احترام هذه القاعدة يزيد من امل الحياة 6.2 سنوات لدى الرجل و5.6 سنة لدى المرأة.
تؤكد دراسات أخرى ان العدو لمدة تتراوح بين 5 و10 دقائق فقط في اليوم كاف لتمدد امل الحياة بـ 3 سنوات ولعل هذه المدة البسيطة من المجهود البدني تحفز المتعللين بكثرة المشاغل اليومية وعدم توفر الوقت الكافي للأقبال على النشاط البدني اليومي.
الخلاصة وبعض التوصيات
تفيد كل البحوث العلمية ان ممارسة الرياضة والنشاط البدني بانتظام وتواصل يؤثر إيجابا على صحة الانسان ويجعله اقل عرضة لأمراض القلب والشرايين وبقية الامراض الغير منقولة وهي أيضا تساهم في تحسين قدرة الجسم عامة على التعافي من الامراض التي قد تصيبه.
ان المبالغة في تعاطي الرياضة كما من حيث عدد الحصص الأسبوعية وكيفا من حيث شدة المجهود البدني المبذول له تأثيرات سلبية على جسم الانسان ويتسبب في التقليص من نجاعة مناعة الانسان.
ان ممارسة نشاط بدني حاد ومجهد خلال فترة انتشار فايروس كوفيد 19 يجعل انتقال العدوى الى الجسم سهلة كما يمكن ان يتسبب في تعقيدات صحية في صورة حصول العدوى.
ان ممارسة نشاط بدني يكون خلاله المجهود خفيفا او متوسطا يعزز مناعة الجسم اثناء الممارسة وفي الساعات القليلة التي تليها كما يمكن من إزاحة الضغط النفسي خلال فترة الحجر الصحي وهو أيضا عامل مؤثر على جاهزية الجسم للتصدي الى الالتهابات التنفسية وغيرها.
التوصيات:
1 - ممارسة نشاط رياضي يدوم بين 45 و60 دقيقة بمعدل 3 مرات في الأسبوع.
2 - عدم تجاوز نسبة 75 % من الحد الأقصى النظري لدقات القلب والتي يكون احتسابها كالآتي: (السن – 220 ).
3 - ممارسة النشاط انفراديا أو الحفاظ على مسافة 5 أمتار على الأقل تفصلك عن الآخرين
4 - عدم تعاطي رياضات او العاب جماعية.
5 - عدم استعمال الكرة باعتبار انها يمكن ان تكون ناقلا للفيروس الذي تلتقطه عند ملامستها الأرض او المساحات الأخرى.
6 - اخذ منديل اثناء ممارسة الرياضة لاستعماله عند الحاجة الى البصاق او لنفث الانف اثناء النشاط باعتبار ان الدفاعات المناعية في الانف والفم تتكاثر عند القيام بمجهود بدني.
7 - ترك الحذاء الرياضي خارج البيت لمدة لا تقل عن 72 ساعة او تعقيمه قبل الدخول.
8 - الحرص على شرب كميات معقولة من الماء اثناء وبعد النشاط وعدم الاكتفاء بشرب الماء فقط عند الشعور بالعطش.
9 - في صورة الشعور باضطراب غير عادي في دقات القلب او الإرهاق المفرط او صعوبة في التنفس او الام في الصدر او عند الشعور بتهديد بالإغماء والاتصال فوريا بالطبيب.
10 - عدم ممارسة أي نشاط رياضي عند ظهور أي من اعراض وباء كوفيد 19 او أي نوع من أنواع الانفلونزة.
هذا وتبقى التغذية السليمة والنوم الكافي عناصر تكميلية هامة ليكون جهاز المناعة في احسن الاستعداد للتصدى للمرض ومقاومته.
المراجع
2 - Nieman DC et Wentz LM. The compelling link between physical activity and the body’s defense system. Journal of Sport and Health Science. 2019;8:201-217.
3 - Williams PT. Dose-response relationship between exercise and respiratory
disease mortality. Med Sci Sports Exerc. 2014;46:711–7.
5 - Schnohr P, O’Keefe JH, Marott JL, Lange P, Jensen GB. Dose of Jogging and Long-Term MortalityThe Copenhagen City Heart Study. J Am Coll Cardiol. 10 févr 2015;65(5):411‑9.
فرج بوسلامة
متفقد أول في الرياضة والتربية البدنية