مختار اللواتي: هل كل من تم ويتم إجلاؤهم كانوا فعلا عالقين؟؟
إستمعت إلى وزير الخارجية أكثر من مرة، وآخرتها قبل يومين او ثلاثة على القناة التلفزيونية الوطنية1، يتحدث عن الجهود المبذولة لإرجاع بقية العالقين من مواطنينا ومواطناتنا في بلدان مختلفة من العالم..
لاشك أن هذا السعي الذي انطلقت فيه الحكومة منذ بدايات الهجمة الفيروسية على بلدنا، هو مسعى محمود ويدخل في صميم دور وواجب الدولة إزاء أولئك المواطنات والمواطنين حيثما كانوا في داخل الوطن وخارجه، برغم محدودية الإمكانيات وصعوبة وخطورة الظرف الذي تمر به بلادنا والعالم أجمع. غير إني لم أقدر أن أطرد من ذهني سؤالا ماانفك يلح عليَّ منذ بداية عمليات الإجلاء، وهو، هل تم ضبط طريقةٍ ناجعة، بالتنسيق مع وزارة الداخلية وأجهزة الإستخبارات الوطنية لديها، للتثبت من هويات العالقات والعالقين، وكذلك من مدى صحة أسباب وجودهم في البلدان التي هم فيها وبقائهم عالقين هناك؟
فلقد تمت إعادة أعداد كبيرة كانوا عالقين بتركيا. وتركيا كانت هي بوابة العبور إلى سوريا ثم إلى العراق لقتال أهاليها، بقطع النظر عن مواقفهم ممن يحكمهم. كما تم إجلاء وفق تصريح وزير الخارجية نفسه، 600 مواطن ومواطنة كانوا عالقين في ليبيا. وفعلا كنا شاهدنا على شاشة القناة الوطنية 1، منذ حوالي أسبوع حافلات قال الخبر إنها تقل مواطنين كانوا عالقين بليبيا. وليبيا ظلت ميدان التدريب الأول قبل الإنطلاق إلى أراضي المشرق. ثم أصبحت ملاذ الفارين والعائدين من هناك! الوزير ذكر أيضا في ذات التصريح على القناة الوطنية في نشرة الثامنة ليلا، أنه مازال هناك، أي في ليبيا 1100 مواطن ومواطنة، عالقين هناك، سيتم إجلاؤهم أيضا عما قريب..
أصل هكذا إلى سؤال آخر أكثر وضوحا، وأراه الأهم بعد التمهيد السابق، هل من تأكيد رسمي أنه لم يكن هناك إرهابيون ضمن العالقين، الذين تم إجلاؤهم، والذين سيتم لهم ذلك في الأيام القادمة كانوا يتحينون الفرصة للتسرب إلى تونس فجاءتهم إلى أيديهم على طبق من ذهب؟؟. ويتحقق بذلك المثل الشعبي الذي رفعه رئيس حركة النهضة ذات يوم، وإن كان في غير سياقه الأصلي، "اللحم إذا نتن إيلو بمَّاليه".
أنا لا أرجم بالغيب. ولكنني فقط أريد الطمأنينة لقلوب التونسيات والتونسيين. صحيح تداولت الأخبار، في السر أحيانا، وفي العلن أحيانا اخرى، أن عددا من الإرهابيين كان قد تمكن من العودة في الأشهر الماضية، سواء بعلم وتحت رقابة وزارة الداخلية، أم لا. ولكن هذه المرة، قد تكون الفرصة سانحة لعودة جحافل كبيرة منهم معززين مكرمين، على اعتبار أنهم كانوا هم أيضا عالقين!!
أنا لست من أنصار بقائهم خارج أرض الوطن. كما لست من دعاة العفو عما سلف، ودمجهم في المجتمع هكذا من جديد. ولكنني من المطالبين بكشف الحقيقة وبالتثبت الدقيق والنزيه وبمحاكمة عادلة، وياليت تكون علنية لأي إرهابي يتم إلقاء القبض عليه!!
إن تنبيهي هذا لايتجه فقط إلى وزيري الخارجية والداخلية، وإنما، وبالأساس، إلى رئيس الدولة الذي هو رئيس مجلس الأمن القومي، وما أدراك ما مجلس الأمن القومي الذي بُعِث ليكون صمام الأمان الرئيسي، للوطن وللشعب، وبرج المراقبة الأول لرصد كل خطر يتهدد، أو قد يتهدد البلاد، من داخلها ومن خارجها على حد سواء ! كما يتجه تنبيهي هذا إلى رئيس الحكومة المسؤول الأول على الجهاز التنفيذي، وبالتالي على وضع وتنفيذ خطة إنقاذ البلاد، بما يعني تحمُّلَه مسؤولية ضمان السير الناجع والآمن لمؤسسات الدولة وإزالة كل العراقيل التي تحول دون تحقيق هذه الغاية سواء كانت مادية أو بشرية. ولذلك، فهو مدعو لتوفير جميع الظروف الملائمة لتحقيق المراد! وما نيله تفويض مجلس نواب الشعب، وفق الفصل 70 من الدستور، إلا لتكون له صلاحية إصدار المراسيم التي تيسر له ، بحماية القانون، إتخاذ الإجراءات الضرورية للنجاح في مهامه برغم التحديدات التي تم "التوافق عليها" قبل نيل المصادقة..
وكما كنت ذكرت في رسالتي المفتوحة إلى كل من رئيس الدولة ورئيس الحكومة في السابع والعشرين من مارس الماضي، فإن الحرب الشرسة التي تخوضها الدولة مدعومة بالتفاف الشعب حولها، من أجل دحر آفة هذه الجائحة التي غزت بلدنا وكل العالم، هي أيضا فرصة ذهبية لكليهما كي يديراها بكل نجاعة واقتدار. فهي أهم وأخطر اختبار.. وعند الإختبار، أو الإمتحان... يعرف الجميع ماذا يحصل ! فلا مجال لإخفاء الحقيقة عن الشعب. كما لامجال لتوافقات مغشوشة تخلف الويلات. والأكيد أن لايجود الحظ بفرصة أخرى للإصلاح، إن أحطأتما الطريق والهدف، وفشلتما في استرجاع ثقة مواطنيكم ومواطناتكم، لا قدر الله. صحيح أن مجمل المخاطر متشابكة في بعضها البعض. وصحيح أن الإهتمام موزع بين محاربة جائحة كورونا وتجنيد كل الإمكانيات للنجاح في هذه الحرب، برغم بعض العراقيل وسوء التصرف بين الحين والآخر، وبين وجوب إعداد العدة وضبط سيناريوهات دقيقة لمرحلة مابعد الكورونة باعتماد طرق تحليل وأدوات غير تقليدية. ومن بينها الإقدام على تعديل منوال التنمية، إن لم يكن تغييره تماما. ولكن السياسي الحكيم والناجح، هو من يعرف ويحسن ضبط الأولويات. فاحسنا التخطيط وأحسنا ضبط الأوليات التي تكون في صالح المواطنين والمواطنات. وهم في انتظارها!
مختار اللواتي
- اكتب تعليق
- تعليق