أخبار - 2020.04.13

فشل إدارة الحرب على فيروس الكورونا على مستوى العالم ... فشل له جذوره السابقة وتبعاته اللاحقة!

فشل إدارة الحرب على فيروس الكورونا على مستوى العالم ... فشل له جذوره السابقة وتبعاته اللاحقة!

لقد تردد على العديد من الألسنة وعديد من الأقلام لباحثين ومفكرين وفلاسفة في أرجاء العالم، أن ما بعد الحرب على فيروس الكوفيد-19، لن يكون مثلما كان الحال من قبله. وإن فككنا هذا الإستنتاج، نره يقتضي تقييما، ولو موجزا، للسمات الرئيسية لما كان عليه الحال عالميا، قبل إجتياح هذه الجائحة (1)، وأيضا وربما تبعا لذلك، لكيفية إدارة الحرب على هذا الوباء فائق الخطورة، في أرجاء مختلفة من العالم (2)، لنستطلع ملامح مرحلة ما بعد هذا الوباء(3).

وبالعودة إلى هذه المحطات الثلاث، نوجز أولاها بالقول:

1 - سمات المرحلة السابقة لظهور كوفيد 19

ما أجمع عليه المحللون من مختلف المشارب، أن العشريات الثلاث الماضية، أي منذ الإطاحة بجدار برلين، وربما حتى من قبل ذلك ببعض الوقت، أصبح يعيش العالم في حالة من عدم التوازن، تتسم بسيطرة قوة بمفردها هي الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ورائها أو بالشراكة معها الشركات متعددة الجنسيات، الآخذة في التضخم وفي التمدد عبر العالم من أجل فتح، سوق لترويج بضائعها والتحفيز على مزيد الشراء والإستهلاك.

وإذا كان لا بدَّ لإنجاح هذه الهيمنة من خطة محبوكة الدرس، فإن الإعلام وأجهزة الإتصال، قد سارعت تلك الشركات إلى السيطرة عليها حتى تكون أداة فعالة في فتح الطرق أمامها للوصول إلى أهدافها. وهكذا فتح سكان المعمورة أعينهم على إبتكار جديد إسمه "العولمة". وإذا كانت هذه الشركات قد راكمت أرباحها وزاد نهمها لتضع السلطة السياسية تحت رقابتها وسيطرتها، ليس في أمريكيا فحسب، بل وفي مختلف أرجاء العالم وبدرجة أولى، في البلدان الأوروبية، فإن الخاسر الوحيد، أو الأساسي، هو المواطن في مختلف هذه البقاع وحتى في البلدان ذات المراتب الدنيا على السلم الرأس مالي. فمع جشع رأس المال، جريا وراء مراكمة الأرباح، حيث إستوت أمامه الإحتياجات الأساسية للناس، مثل الصحة والتعليم والثقافة، مع الإحتياجات الإستهلاكية، الأساسية منها والكمالية.

ومن هنا، أخذ رصيد الثقة بين المواطن ودولته في تراجع حثيث منذ نهاية القرن الماضي، وبداية القرن الحالي. هذا إذا أضفنا إلى كل ذالك، الإهمال الواضح لمحيط عيش الإنسان، من بيئة ومناخ، حيث بلغت نسبة التلوث أعلى درجاتها، هواءا وأرضا وبحرا. بما أصبح يهدد مجمل الوجود البشري على الكرة الأرضية، بل ووجود هذا الكوكب من أصله.

بعد هذا التوصيف الموجز للمرحلة السابقة لمداهمة فيروس كورونا للبشرية، لنا أن نتساءل كيف كانت ردَّة فعل مختلف الدول لمواجهة هذا العدو المشترك، المباغت والغامض وفائق الخطورة، من أجل الحد من خطورته؟

2 - تعثر تدابير المواجهة:

من المنطقي ومن نافلة القول أن تشابه ردّات فعل غالب الدول الخاضعة لنمط العيش الرأس مالي الذي كنا أشرنا إلى سماته الرئيسية منذ حين، قد كانت غير مبالية في البداية ومضطربة بعد ذلك لتجد نفسها في النهاية مغلوبة على أمرها أمام إرتفاع الخسائر البشرية من حيث ليس فقط تزايد عدد المصابين بهذا الفيروس، وعدد الوفايات من جرائه. بل وأيضا إزاء الإنهيار المهول والمفاجىء لإقتصادات تلك الدول، وحتى تلك المحسوبة تابعة أو متذيلة لنفس سمات الأنظمة الرأسمالية المتوحشة، أو الموصوفة بالريرالية الجديدة. وإذا أضفنا إلى هذه الخسائر، البطالة المفاجئة التي ضربت عشرات الملايين من اليد العاملة والفكر العامل أيضا في القطاعين المنظم وغير المنظم، العمومي والخاص في هذه الدول، فإن النتيجة التي لا خلاف حولها، على الأقل إلى حد الآن، هي الفشل الذريع لحكومات هذه الدول، بحكم عنصر المفاجأة من ناحية، وتراكم العوامل التي ذكرناها في الفقرة السابقة، مما أدى إلى عدم أخذ الإحتياطات اللازمة مسبقا برغم وجود إنذارات منذ سنوات تحدثت عن إمكان هجوم فيروسي كاسح، وإلى الفشل في المواجهة الصائبة لهذا العدو من ناحية، وفي تأمين سير الحياة الإقتصادية والإجتماعية بالشكل الذي يقيها من الإنهيار.

والنتيجة على النتيجة، كما يقال، أن تلك الدول فقدت أيضا فرصة إسترجاع الثقة المفقودة، بناء على ما سبق، بينها وبين مواطنيها، بل لقد ازدادت تقلصا بينها وبين أولئك المواطنين، جراء تراخيها وترددها وبالتالي فشلها. وهذا ما يفتح أمامنا إمكانية توقع ما سيكون عليه الحال بعد أن تضع هذه الحرب أوزارها في تلك الدول والدول التي تتبعها أو تدور في فلكها أيضا، وبهذا نصل إلى إستشراف المحطة الثالثة:

3 - سيناروهات وملامح فترة مابعد الكورونا:

في صورة ما إذا لم تتدارك هذه الدول أمرها، وتعدل مسارها، وهو ما يبدو صعبا، في ضوء تمشيها السابق والحالي، نتوقع عددا من السيناريوهات لما يمكن أن يكون عليه الوضع ما بعد هذه الجائحة، نورد سياريوهين إثنين من بينها، نراهما الأكثر احتمالا:

أ‌ - السيناريو الأول 

وهو يتمثل في أن يصبح للأصوات الناقدة للأنظمة الرأسمالية وخاصة في مرحلتها الجشعة الضاربة بالقيم عرض الحائط، مستمعون متزايدون ومنتبهون لخطاباتها ونداءاتها. ولعلَّ هذا ما قصده المفكر والناشط السياسي نعوم شومسكي Noam Chomsky في آخر لقاء تلفزيوني له على قناة "الديمقراطية الآن" Democracy Now، عندما أشاد بالسيناتور بارني ساندرس Bernie Sandersـ معتبرا حملته الإنتخابية لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، حملة ناجحة بكل المقاييس، بالرغم من إنسحابه من السباق الرئاسي، وذلك لأنه تمكن فيها من فضح كاريثية فترة رئاسة الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترمب، الذي يعتبر من عُتاة الرأسماليين المتوحشين. وبالتالي فإن أصحاب مثل هاته الأصوات، سوف تتسع قاعدة الإنتباه والإستماع إليهم وإلى أمثالهم وإلى نداءاتهم. فيكون لأفكارهم بالعودة إلى البعد الإنساني كعنصر أساسي في رسم أي سياسة إقتصادية وإجتماعية وثقافية، وقعُها المؤثر والإيجابي في إحداث تغييرات جوهرية على السياسات الحالية المجحفة في حق المواطنين والبشرية بصورة عامة، والطبيعة بنفس القدر. وهذا لا يتم إلا بإسترجاع الدولة لآليات الإشراف والتسيير ومراقبة القطاعات الحيوية التي تهم حياة الناس وتضمن لهم العيش الكريم من شغل ومداواة وسكن لائق وتعليم ورفاه. أي بكلمة، أن تتم إعادة تشكيل وهيكلة القاعدة والبناء الذين أقيمت عليهما تلك السياسات بما يحدّ، بتشاريع وقوانين نافذة، من تغول تلك الشركات والمؤسسات العالمية والمحلية الضخمة ومن هيمنتها على مقدرات الشعوب والأفراد.

ب - السيناريو الثاني:

إزاء الفشل الذي ذكرنا بعضا من سيماته في الفقرات السابقة، إزدادت حدّة التوتر ليس في الأوساط الفقيرة فحسب، بل وفي مختلف الشرائح الإجتماعية الدنيا والمتوسطة منها، حتى إنها وصلت في بعض المناطق وفي عدد من الدول الموصوفة بالمتقدمة في الشمال، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وتلك الفقيرة في الجنوب، إلى تحركات إحتجاجية، إما ظهرت في شكل اكتساحٍ لمؤسساتٍ ونهبٍ لمحتوياتها من مواد غذائية وغيرها، أو في إحياء خلافات وصراعات قبلية أو عقائدية للتغطية، إرتكازا على أسباب تافهة في ظاهرها، مثل منع دفن المتوفين بالفيروس في نفس مقابر سائر السكان. وهي في الواقع أسباب تقف وراءها تراكمات مزمنة كثيرة لعل عناصرها الأساسية هي غياب العدالة الإجتماعية وفقر البرامج التعليمية والتثقيفية وإستفحال الإستغلال والفساد.

وأمام هذه الظواهر والمؤشرات، فإن أحد إحتمالين أفضلهما مرٌّ، قد يكون هو الخيار القادم بمعنى: إما أن يزداد المدّ الشعبوي في السياسة الذي ظهر في الفترة الأخيرة فيسيطر أصحابه على عواطف السواد الأعظم للناس، وبالتالي يزداد الوضع تفاقما في المستقبل، وإما أن تنهض حركات مواطنيه ملتصقة بحياة المواطنين اليومية، في آلامها وأحلامها، متقنة التنظيم  والهيكلة على أسس علمية وإستشرافية بقيادات كفأة، وذات مقدرة عالية على التحليل والإستشراف وإبتكار الحلول خارج المألوف كما يقول المثل الإنجليزي: خارج الصندوق Out Of The Box. غير أن هذا الإحتمال الأخير على ما يبشر به من مستقبل عادل وزاهر للبشرية، ليس من السهولة بمكان، إذا لم تتوفر له العناصر الضرورية الضامنة لتحقيقه على أرض الواقع وحمايته من معاول الهدم والتخريب التي ستكون متربصة به. لذالك هو الخيار الأصعب ولكنه الأضمن لإعادة ترتيب البيت الأرضي من الأساس. وهو ما يستدعي أخذه على محمل الجدّ وبذل قصارى الجهد لإنجاحه مثل التطهر من الأنانية والإنصراف، في ظل دولة مدنية مواطنية،  لخدمة المجموعة البشرية على نطاقيها العالمي والمحلي. وإلا فسوف يعود كل المسعى بالضرر وليس بالنفع.

الجانب المضىء في العتمة:

إن الحديث عن جشع الأنظمة الرأسمالية في العالم وسعيها المحموم للهيمنة على الدول وعلى الشعوب لم ينسنا نوعا آخر من أنمطة الإنتاج في العالم التي بقي للدول فيها مكانتها الفاعلة والمؤثرة في حياة مجتمعاتنا وخاصة من حيث ضمان العيش الكريم من صحة وتعليم وثقافة لمواطنيها برغم تنوع مناهج وأساليب الحكم فيها، غير إنها إجتمعت معا على خيار خدمة الإنسان وتوفير ظروف العيش الكريم له وجعل القانون هو الأعلى والمرجع لتسيير شؤون الحياة بمختلف ميادينها. فتستوي آنذاك البلدان الإسكندنافية مثل السويد وفلندا وغيرهما وبلدان من أمريكا الجنوبية مثل كوبا وبلدان من آسيا مثل الصين وحتى بعض البلدان الرأسمالية مثل اليابان.  وهي الدول التي تميزت بقدرة فائقة في سرعة أخذ التدابير اللازمة والشجاعة لضمان القدر الأكبر من الوقاية لمواطنيها ومن الفعالية في التحرك للحدّ من الخسائر في حال وصول هذا الفيروس إلى بلدانها. بل إن هذه الدول قد أظهر عدد منها من التعاطف والتضامن مع الدول الأكثر ضررا، بالرغم ما يفرق بينها وبين بعضها من سياسات وتوجهات، حيث أرسلت أطباءها ومعداتها إلى تلك الدول لنجدتها ودعم جهودها في حربها ضد هاته الجائحة، مثلما فعلت الصين وكوبا وروسيا وأخيرا تونس بما قدرت عليه. 

يأتي ذلك في الوقت الذي صدمت فيه الدول الرأسمالية العظمى العالم بأسره بأنانيتها المفرطة سواء بإضاعة الوقت في إفتعال تُهمٍ ضد دول أخرى أو بمنع سكان دول شبيهة لها من دخول أراضيها، أو بالتأخر وحتى بالإمتناع في نجدة دول هي حليفة لها. وهذا هو العنصر الأخطر والفاضح لطبيعة تلك الأنظمة غير الإنسانية، أنها لم تبادر بأي إجراء تضامني فيما بينها وخاصة للدول الأكثر ضررا والأقل إمكانيات للمواجهة. وحتى قرارات توجيه مساعدات مالية  إلى الدول الأكثر ضررا والدول ذات الإمكلنيات المحدودة، قد جاءت مأخرة. وهو ما يطرح سؤالا آخر عن طبيعة وفاعلية وجدوى الهياكل الجامعة بين مختلف تلك الدول سواء تمثلت فيما يسمى بالإتحاد الأوروبي او صندوق النقد الدولي أو مجموعة العشرين أو السبعة أو الثمانية أوغيرها.

الخاتمة: 

غير إنه وفي مقابل كل ذلك، ومثلما يقول المثل العربي، رُب ضرة نافعة، فإن لفيروس كورونا منفعة أكيدة على كثرة مضاره، هي زيادة تقريب البشرية من بعضها البعض مهما إختلفت أنظمة بلدانها، وزيادة عمق إحساسها بالتعاطف فيما بينها والتألم لمصاب بعضها البعض والحزن على موتاها في أي بقعة من العالم. فإذا لم تدرك الأنظمة الرأسمالية بمؤسساتها وهيآتها وشركاتها العملاقة، هذه الحقيقة ولم تراجع سياساتها وقوانينها ولم تقلع عن تغليب الربح المادي المباشر على الربح المعنوي القِيمي، وإذا لم تُولِ المحيط والبيئة البالغيْن حدهما الأقصى من التلوث، الأهمية التي يستحقانها ولم تضبط الخطط العملية والناجعة لإنقاذ الكوكب من بلائه وإعادة الإعتبار للإنسان كعمود فقري فيه، أي الكون، فإننا كلنا مقدمون على الهلاك، حيث لافرق بين دول غنية ودول فقيرة.

وإذا كان هذا هو الحال بالنسبة للبلدان الغنية والعظمى فإنه فيما يتعلق بالبلدان التابعة والفقيرة مثل بلدنا تونس، فإنه في حيز الإمكان النجاح شريطة أن يتم الإتعاض أولاً، من تجارب السنوات الماضية وما تسببته من خسائر للبلاد والعباد. وتدارك ما ثبت من ضعف في الإمكانيات والتجهيزات والموارد. وخاصة ما ساد عمل الدولة بمختلف مؤسساتها من فقدان الرؤية الثاقبة في إدارة شؤون البلاد والعباد في السنوات الماضية وفي الإدارة السريعة المحكمة والشفافة في هذه الحرب الشرسة ضد عدوّ فتاك، لا يُرى بالعين المجردة، ولم يسبق للبشرية جمعاء، في العصر الحديث، أن خاضت حربا مماثلة لها. والإقدام ثانيا، على ضبط خطة جريئة لمعالجة الأخطاء السابقة وبناء خطة عمل بديلة تعلو بقوة القانون على اللوبيات والمصالح الشخصية والفئوية والحزبية. وبذلك، تضمن الدولة ليس فقط، النجاح على الحرب على فيروس الكورونا، بل وإسترجاع ثقة المواطنين التي تتحقق وتكتمل برسم مخطط لإنقاذ البلاد من وضعها الإقتصادي المتردي ووضعها الإجتماعي المحتقن، وذلك بجعل الإنسان أينما كان على أرض الوطن، محلَّ إهتمام ورعاية وإنصاف، دائما في ظل القانون بعلويته وعدله . وتلك تكون لا محالة ضمانة لرقي البلاد، وتمتين تماسكها الإجتماعي وتحقيق وحدتها الوطنية الحقة. وبالتالي، الإستعداد والنجاح فيما قد يطرأ من معارك قادمة ضد أي شكل من أشكال الفيروسات، أو غيرها.

مختار اللواتي وخديجة معلّى

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.