أخبار - 2020.04.13

حاتم قطران: وباء كورونا -كوفيد 19- : أي مراسيم لمجابهة نتائج الحجر الصحي الشامل على العلاقات المدنية والتجارية؟

حاتم قطران: وباء كورونا "كوفيد 19": أي مراسيم لمجابهة نتائج الحجر الصحي الشامل على العلاقات المدنية والتجارية؟

1. ختم رئيس الجمهورية قيس سعيّد، أمس الأحد 12 أفريل 2020 القانون المتعلق بالتفويض إلى رئيس الحكومة في إصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19).

2. ومن بين المسائل التي قد تكون بالتالي موضوع مراسيم، تأتي في المقام الأول المسائل التي تتخذ عادة، بموجب الفصل 65 من الدستور، شكل قوانين عادية، بما في ذلك "... الالتزامات المدنية والتجارية"، "... الإجراءات أمام مختلف أصناف المحاكم " وكذلك " المبادئ الأساسية لنظام الملكية والحقوق العينية والتعليم والبحث العلمي والثقافة والصحة العمومية والبيئة والتهيئة الترابية والعمرانية والطاقة وقانون الشغل والضمان الاجتماعي".

3. وفي هذا الصدد بالذات ولغاية مجابهة فيروس كورونا "كوفيد-19"، يمكن الاستناد إلى عدة أحكام من قانون الإجراءات المدنية وقانون الالتزامات والعقود، أو حتى إدخالها بعضها خصيصا، لمعالجة عواقب الحجر الصحي الشامل الناجم عن الأمر الرئاسي عدد 28 لسنة 2020 المؤرخ في 22 مارس 2020(1)، والمتعلق بتحديد الجولان والتجمعات خارج أوقات منع الجولان:

  • ويتطلّب الأمر، من ناحية أولى، اعتماد مرسوم ينشئ نظاماً خاصا في مجال الآجال الحالة خلال فترة الحجر الصحي الشامل وتكييف الإجراءات خلال الفترة نفسها (I)؛
  • ويتطلّب الأمر، من ناحية أولى، اعتماد مراسيم تذهب إلى أبعد من ذلك وتؤثر على آثار الالتزامات ذاتها، بما في ذلك الالتزامات التعاقدية (II).

I - اعتماد نظام خاص في مجال الآجال الحالة خلال فترة الحجر الصحي الشامل وتكييف الإجراءات خلال الفترة نفسها

4. ينبغي أن يكون أحد المراسيم التي سيعتمدها رئيس الحكومة هو منح الأفراد والمؤسسات نظاماً خاصاً للآجال التي حلّت مواعيدها خلال فترة الحجر الصحي الشامل، وذلك في شكل "تمديد أو إمهال خاص" كاستثناء للقاعدة العامة المنصوص عليها بالفصل 137 من مجلة الالتزامات والعقود (م ا ع ) ومقتضاها: " ليس للقاضي أن يضرب أجلا لعاقد أو يمهله على وجه الفضل إذا لم يكن مأذونا بمقتضى العقد أو القانون. وليس له أن يمد في الأجل الذي حدده العقد أو القانون ما لم مأذونا في ذلك من القانون...".  

أ - مجال تطبيق المرسوم وموضوعه

5.  يتعيّن تحديد سريان هذا النظام الخاص للآجال بشكل واسع يشمل جميع الآجال الحالة في الفترة ما بين 22 مارس 2020، تاريخ دخول الأمر الرئاسي عدد 28 لسنة 2020 المؤرخ في 22 مارس 2020 أعلاه حيّز التنفيذ بمقتضى صريح الفصل 4 منه وانتهاء فترة معقولة يمكن تحديدها بشهر من تاريخ إنهاء حالة الحجر الصحي الشامل المعلنة(2).

6. ومادامت حالة الحجر الصحي الشامل، المحددة في وقت أول إلى غاية يوم 4 أفريل 2020 قد تم التمديد فيها في وقت لاحق إلى غاية يوم 19 أفريل 2020، يقترح منح تمديد أو إمهال خاص ينطبق على أي عمل قانوني، أو إجراء، أو طعن، أو شكلية وجوبية، أو تسجيل، أو إعلان، أو تنبيه، أو نشر، أو نحو ذلك مما ينص عليه القانون أو التراتيب كإجراء وجوبي يكون جزاء مخالفته البطلان، أو سقوط الحق، أو التقادم، أو عدم سريان في حق الغير، أو نحو ذلك من صور سقوط الحق مما كان ينبغي القيام به خلال فترة الحجر الصحي الشامل الممتدة من يوم 22 مارس 2020 إلى يوم 19 أفريل 2020، زائد شهر، أي يوم 19 ماي 2020. 

وعلى هذا النحو، يعتبر أي من الأعمال والإجراءات القانونية المشار إليها قد تم في الوقت المحدد قانونا إذا تم في غضون فترة لا يمكن أن تتجاوز، من نهاية الفترة المحددة أعلاه، الوقت المخصص قانونا للقيام. وينطبق الشيء نفسه على أي مبلغ مالي واجب التسديد قانونا لاكتساب حق أو الاحتفاظ به، مع واجب تمديد هذه الفترة بفترة تعادل مدة أي تمديد محتمل لتاريخ إنهاء حالة الحجر الصحي الشامل.

7. ويجب ألا يكون الغرض من المرسوم إلغاء أي عمل أو إجراء شكلي حلّ أجل القيام به خلال الفترة أعلاه، وإنما يتعلّق الأمر باعتبار العمل أو الإجراء القانوني المنفذ في غضون فترة التمديد أو الإمهال نافذا وليس متأخرا.

8. وفي المقابل وعلى أي حال، لا ينطبق المرسوم المقترح اعتماده والمتعلق بإحداث نظام خاص للآجال الحالة خلال فترة الحجر الصحي الشامل على: 

  • الأعمال والإجراءات القانونية المشار إليها أعلاه والتي تم حلول أجلها قبل يوم 22 مارس 2020؛
  • الأعمال والإجراءات القانونية المشار إليها أعلاه والتي حدد أجلها لما بعد يوم 19 ماي 2020.

استثناء الأعمال والالتزامات الموجبة بمقتضى الشروط التعاقدية

9. ينبغي أن يقتصر تمديد الآجال على الأعمال والإجراءات المحددة طبق النصوص القانونية والترتيبية، وألا يمتد ذلك، من حيث المبدأ، إلى الأعمال والالتزامات المتضمنة في العقود ونحوها من الاتفاقات. ولذلك، يجب أن يتم تنفيذ الالتزامات التعاقدية، بما في ذلك تسديد الثمن المتفق عليه، دائما في التاريخ المنصوص عليه في العقد، وفقا للقاعدة المنصوص عليها بالفصل 242 من م ا ع: "ما انعقد على الوجه الصحيح يقوم مقام القانون فيما بين المتعاقدين ولا ينقض إلا برضائهما أو في الصور المقررة في القانون".

وجوب تدابير خاصة ببعض عقود الكراء

10. ينبغي أن ينص المرسوم المقترح اعتماده من قبل رئيس الحكومة والمتعلق بإحداث نظام خاص للآجال الحالة خلال فترة الحجر الصحي الشامل على تدابير خاصة لفائدة بعض المكترين تتعلق بدفع معينات الكراء، بما يشمل خاصة المؤسّسات الصّغرى والمتوسّطة والنّاشطين الاقتصاديين للحساب الخاص من أشخاص طبيعيين وأصحاب مهن حرّة الذين تضرروا من تباطؤ نشاطهم نتيجة إجراءات الحجر الصحي الشامل والذين شملتهم الإجراءات المتخذة لفائدتهم من قبل الحكومة، على غرار تأجيل دفع الأداءات والمساهمة في الضمان الاجتماعي للثلاثية الثانية لمدة 3 أشهر ابتداء من غرة أفريل، وتأجيل خلاص أقساط الديون البنكية والمؤسسات المالية لمدة 6 أشهر، وكذلك الشأن بخصوص بعض المستأجرين المتضررين والمشمولين بتدابير المساعدة الاجتماعية الخاصة التي اتخذتها لفائدتهم الحكومة، على غرار العمّال المحالين على البطالة الفنية(3)، والأشخاص من الفئات الهشة ومحدودي الدخل والفئات ذات الاحتياجات الخاصة، بمن فيهم المستأجرون الأجانب الذين تعترف الحكومة بصعوبة الأوضاع التي يمرّون بها واتخذت لصالحهم بعض تدابير الحماية، مما يحتاج مزيدا من الدعم، بما في ذلك عدم الاقتصار على مجرد "دعوة مالكي العقارات إلى تأجيل خلاص معينات الكراء المستوجبة لشهري أفريل وماي تأسّيا بالأخلاق العالية وروح التضامن الإنسانين" لأن ذلك يبقى" مجرد دعوة" ولا يرتقي إلى مستوى الحقوق المضمونة قانونا، التي تتطلّب تعليق العمل بمقتضيات مجلة الالتزامات والعقود وغيرها من القوانين ذات الصلة بمادة عقود الكراء خلال كامل فترة الحجر الصحي العام، ومنحهم إمكانية تأجيل خلاص معينات الكراء المستوجبة لكامل فترة الحجر الصحي الشامل.

توزيع آجال الدفع

11. ينبغي أن ينص المرسوم المقترح اعتماده من قبل رئيس الحكومة والمتعلق بإحداث نظام خاص للآجال الحالة خلال فترة الحجر الصحي الشامل على توزيع الأقساط المؤجلة من معينات الكراء بالتساوي مع المواعيد المحددة لدفع معينات الكراء اللاحقة والتي حل أجل الوفاء بها بعد اليوم الأخير من الشهر التالي لتاريخ انتهاء حالة الحجر الصحي الشامل، وذلك على مدى فترة لا تقل عن ستة أشهر.

ب - طرق التنفيذ ونظام العقوبات المدنية المترتبة عن الاخلال بالالتزامات التعاقدية

12. في حين أنه من الواضح جداً أن أحكام المرسوم الذي يقترح اعتماده من قبل رئيس الحكومة والمتعلق بإحداث نظام خاص للآجال الحالة خلال فترة الحجر الصحي الشامل لا يقصد بها أن تنطبق على الالتزامات التعاقدية، فإن العقود ينبغي أن تخضع بدورها لأحكام خاصة تحدّد نظام الغرامات والشروط الجزائية والفسخ، ونحوها من العقوبات المدنية المترتبة عن الإخلال بالتزام في غضون فترة محددة، والتي ينبغي اعتبارها غير ذات فاعلية، إذا كان هذا الإخلال بالتزام قد حصل خلال فترة الحجر الصحي الشامل(4).

13. وينبغي أن ينص المرسوم، في الوقت نفسه، على أن هذه الالتزامات ستنفذ وأن تكون لهذه البنود آثارها من انقضاء فترة شهر واحد بعد نهاية تلك الفترة إذا لم يكن المدين قد نفذ التزامه قبل تلك المدة. وفي غضون ذلك، ينبغي تعليق العمل بالعقوبات وبالشروط الجزائية التي كانت ستدخل حيز النفاذ قبل يوم 22 مارس 2020 خلال كامل فترة الحجر الصحي الشامل.

وبناء عليه، فإن الدائنين المتمتّعين بحق ممارسة أي من طرق التنفيذ القهرية والشروط الجزائية في الفترة ما بين 22 مارس 2020 و19 ماي 2020، سيحرمون من هذه الوسائل خلال كامل هذه الفترة.

14. ويبقى واضحا مع ذلك أن تأجيل طرق التنفيذ وتعليق سير نظام العقوبات المدنية، بما في ذلك الشرط الجزائي، خلال فترة الحجر الصحي الشامل لا يعني أن المرسوم المقترح اعتماده سوف يلغي إمكانية التنفيذ وقت حلول الأجل المتفق عليه صلب العقد، بل وطبقا لمقتضيات الفصل 145 من م ا ع، يجدر التذكير بأن "الأجل يعتبر شرطا في منفعة المدين وبناء على ذلك يسوغ له أن يعجّل بوفاء ما تعهّد به إن كان مسكوكا...".

طرق إنهاء العقود المستمرة أو تجديدها 

15. يطرح هذا التساؤل بالنسبة للعقود المستمرة التي يحل أجلها المسقط خلال فترة الحجر الصحي الشامل والتي يخشى في صورة عدم التنبيه من أحد الطرفين على الآخر في الوقت المحدد لها أن تعتبر مجددة بصفة ضمنية، على غرار عقد الكراء الذي يحمل على تجديده بعين الشروط السابقة وعين المدة المذكورة في الكراء الأول (الفصل 793 من م ا ع). وتفاديا لذلك، ينبغي أن ينص المرسوم المقترح اعتماده من قبل رئيس الحكومة على تمديد تاريخ الإعلام بإنهاء العقود إذا تزامن مع فترة الحجر الصحي الشامل بإلى غاية شهر من نهاية تلك الفترة.

II - وباء كورونا "كوفيد 19" وآثار الالتزامات التعاقدية

16. ينبغي أن يكون الغرض من أحد المراسيم التي يقترح اعتمادها من قبل رئيس الحكومة هو الاعتراف صراحة بفيروس كورونا بوصفه "قوة قاهرة" (أ). ويكون من المفيد في ذات الوقت أن يعتمد المرسوم نظرية الحوادث الطارئة، التي لا تزال غير معروفة في القانون التونسي، من أجل السماح للأطراف بإعادة التفاوض على بعض العقود الملزمة لهم، أو حتى قطع علاقاتهم التعاقدية (ب).

أ - الاعتراف صراحة بفيروس كورونا بوصفه "قوة قاهرة"

17. ينص الفصل 282 م ا ع على أنه: "لا يلزم المدين بتعويض الخسارة إذا أثبت سببا غير منسوب إليه منعه من الوفاء أو أخّره عنه كالقوة القاهرة والأمر الطارئ ومماطلة الدائن".

ويعرّف الفصل 283 م ا ع، من ناحيته، القوة القاهرة التي لا يتيسّر معها الوفاء بالعقود بأنها: " ...كل ما لا يستطيع الإنسان دفعه كالحوادث الطبيعية من فيضان ماء وقلة أمطار وزوابع وحريق وجراد أو كغزو أجنبي أو فعل الأمير...".

18. وبطبيعة الحال، لم يُذكر وباء "كوفيد - 19" على وجه التحديد؛ ولكن، من ناحية، فإن الظواهر المذكورة أعلاه في الفصل 283 من م ا ع جاءت في الواقع على سبيل الذكر لا الحصر، ومن ناحية أخرى، فإن هذا الوباء وما نتج عنه من تدابير حجر صحي شامل يدخل في باب الأحداث التي يستحيل التنبؤ بها، ولا درؤها، وهو على أي حال حدث خارج عن إرادة المدين، ما يجعله يقوم مقام القوة القاهرة وفقا لأحكام الفصل 283 من م ا ع المذكر أعلاه.

19. وهنا بالذات تكمن الفائدة من أن يتولّى المرسوم المقترح اعتماده من قبل رئيس الحكومة رفع كل التباس في التأويل بين مختلف المحاكم والهيئات التحكيمية عند النظر في النزاعات المتوقعة بهذا لخصوص وذلك بإقرار صريح بفيروس "كوفيد - 19" بوصفه قوة قاهرة.

آثار القوة القاهرة

20. ينبغي أن يعتمد المرسوم المقترح معنى واسعاً بخصوص آثار القوة القاهرة تتمثّل، حسب الحالات، إما في استحالة تنفيذ العقد، أو في تعليق تنفيذه مؤقتا فقط، ما لم يكن التأخير الناتج عن ذلك يبرّر إنهاء العقد. وإذا كانت الاستحالة نهائية، يترتب عليه إنهاء العقد من أصله، وإخلاء الطرفين من التزاماتهما بموجب أحكام الفصلين 282 و283 من م ا ع.

21. وهذا يعني أنه يرجع للقاضي تقدير، في كل حالة، ما إذا كان فيروس كورونا، المعترف به بمقتضى المرسوم المقترح اعتماده بوصفه "حالة قوة قاهرة" والمحتج به من أحد الطرفين للحصول على الإعفاء من التزاماته التعاقدية، يجعل من المستحيل على المدين الوفاء بهذه الالتزامات أم هل أنه يقتصر على تعليق أداء تلك الالتزامات، بما ينجرّ عنه وجوب الوفاء بها بمجرد رفع حالة الحجر الصحي الشامل.

الحالات التي تجعل من المستحيل الوفاء بالالتزامات التعاقدية:

22. يمكن من ضمن هذه الحالات الإشارة إلى الأمثلة التالية، وهي ليست حصرية: 

  • العاملون في مجال نقل البضائع الخاصة الذين لا يُسمح لهم بالعمل وبأداء خدماتهم بسبب قرار الحجر الصحي الشامل؛ 
  • الفنانون الذين لا يستطيعون أداء عروضهم في المسارح لأن تلك المسارح مغلقة أمام الجمهور؛  
  • المرشدون السياحيون الذين لا يستطيعون أخذ الناس لزيارة مواقع سياحية. 

وهذا يعني أن الأمر يتطلّب النظر في كل حالة على حدة لمعرفة ما إذا كان من الممكن للمدين أن يفي بالتزامه او يستخدم بديلا في الوقت المناسب.

عدم الأخذ بالقوة القاهرة في علاقات الشغل

23. في حين يتعين الاعتراف على وجه التحديد بفيروس كورونا بوصفه قوة قاهرة في العلاقات التعاقدية، ينبغي وضع استثناء في الوقت نفسه يخص علاقات الشغل. ونحيل في هذا الصدد إلى الصعوبات المشار إليها في مقالات سابقة(5) والناتجة عن أحكام الفقرة 3 من الفصل 14 من مجلة الشغل (مثلما تم تنقيحه بالقانون عدد 29 لسنة 1994 المؤرخ في 21 فيفري 1994)، ومقتضاه: "...ينتهي عقد الشغل سواء كان مبرما لمدة معينة أو لمدة غير معينة :...

ج) عند تعذر الإنجاز الناتج إما عن أمر طارئ أو قوة قاهرة حدثت قبل أو أثناء تنفيذ العقد...".

24. والاعتراف بفيروس كورونا كحالة عامة من حالات القوة القاهرة في هذه الظروف من شأنه أن يهدّد عقود شغل عشرات آلاف العمال، رغم حرص فقه القضاء على التخفيف من آثار القوة القاهرة  بالإقرار في عدة قرارات بإمكانية تعليق عقد الشغل بدلا من الحكم بإنهاءه، على غرار القرار المدني عدد 10138 مؤرخ في 13 أكتوبر 1984، والقاضي بأنه: "لحكام الموضوع الاجتهاد في تقدير القوة القاهرة وتقدير تأثيرها على العلاقة الشغلية إما بتعليقها أو بقطع وإنهاء عقد الشغل"(6).

25. ويجدر طبقا للتوصيات السابق تقديمها في المقالات السابقة القيام، بصفة استثنائية وصريحة بمقتضى نص المرسوم المقترح اعتماده من قبل رئيس الحكومة، بتعليق تطبيق أحكام الفقرة 3(ج) من الفصل 14 من مجلة الشغل ومنع أي فصل أو تعليق لعقود الشغل لأسباب تتعلق بعواقب وباء الكورونة "كوفيد- 19"، إلا في الحالات التي تضطرّ فيها المؤسسة نفسها إلى وقف أنشطتها بشكل كامل.

ب - نظرية الحوادث الطارئة وإمكانية مراجعة بعض العقود

26. خلافا لأغلب النظم المقارنة، بما في ذلك القانون الفرنسي الذي تخلّى عن موقف الثابت لمدة أكثر من قرنين والذي شهد تحوّلا جذريا بمقتضى الفصل 1195 (جديد) من المجلة المدنية المنقح بالمرسوم عدد 131 لسنة 2016 مؤرخ في 10 فيفري 2016(7)، ظل القانون التونسي لا يعترف صراحة بنظرية الحوادث الطارئة وما توفّره من إمكانية أن يقوم أحد طرفي العقد بطلب مراجعته كلما طرأت حوادث لا تجعل تنفيذ العقد مستحيلا وإنما من شأنها أن تثقل كاهله وتلحق به خسارة فادحة. مع ذلك، وبصرف النظر عن مسألة القوة القاهرة، ينبغي أحيانا إجبار الطرفين على إعادة التفاوض بشأن العقد الملزم لهما إذا طرأ تغيير غير متوقع في الظروف التي كانت محيطة بالعقد وقت إبرامه العقد.

27. ومن ثم، يتعيّن أن يتيح المرسوم المقترح اعتماده من قبل رئيس الحكومة، بطريقة استثنائية، إمكانية أن يطلب أحد طرفي العقد من المتعاقد معه إعادة التفاوض ومراجعة بعض بنود ذلك العقد نتيجة حدوث فيروس كورونا وتدابير الحجر الصحي الشامل التي أعقبته، إذا ما أدى هذا التغيير في الظروف التي لم يكن بالوسع التنبؤ بها عند إبرام العقد إلى إثقال كاهله بطريقة غير مناسبة بالمرة، ما يخلّ بصفة واضحة بالتوازن التعاقدي بين الطرفين ويمكن أن يكون مخالفا لما يجب في الوفاء بالالتزامات من ضمان مبدأ حسن النية والإنصاف بين طرفي العقد، طبقا لمقتضيات الفصل 243 من م ا ع(8).

28. وفي الوقت ذاته، ينبغي أن يلزم المرسوم الطرف الذي يطلب مراجعة العقد وإعادة التفاوض عليه بمواصلة الوفاء بالتزاماته أثناء إعادة التفاوض. وفي صورة رفض مراجعة العقد من الطرف المقابل أو فشل المفاوضات بين الطرفين، ينبغي منحهما حق إنهاء العقد، في التاريخ وطبق الشروط التي يحددانها، أو أن يطلبا من القاضي المضي قدما في التوصل إلى اتفاق بينهما. وفي حالة عدم وجود اتفاق في غضون فترة زمنية معقولة، ينبغي أن يكون للقاضي الحق، بناء على طلب أحد الطرفين، في تنقيح بنود العقد أو إنهائه في التاريخ والشروط التي يحددها.

(1)أمر رئاسي عدد 28 لسنة 2020 مؤرخ في 22 مارس 2020 يتعلق بتحديد الجولان والتجمعات خارج أوقات منع الجولان، الرائد الرسمي للبلاد التونسية عدد 24، 22 مارس 2020.

(2)وهذه الفترة – شهر- هي ذات الفترة المحددة في فرنسا، على سبيل المثال، بموجب المرسوم عدد 306 لسنة 2020  المؤرخ في 25 مارس 2020 المتعلق بتمديد الآجال النهائية المستحقة خلال فترة الطوارئ الصحية وتكييف الإجراءات خلال الفترة نفسها (المادة 1) 

- Ordonnance n° 2020-306 du 25 mars 2020 relative à la prorogation des délais échus pendant la période d'urgence sanitaire et à l'adaptation des procédures pendant cette même période (Article 1).

(3)راجع مقالنا "دليل معاضدة جهود الدولة في مجابهة وباء الكورونا "كوفيد 19" وانعكاساته على عقود الشغل والعلاقات المهنية: تدابير الحماية والتوصيات"، ليدرز 25 مارس 2020.

(4)راجع مقالنا "هذا نحن وهذه هي قِيَمُنا! حول بيان وزارة الداخلية بخصوص وضعية الأجانب المقيمين في تونس"، ليدرز 04 أفريل 2020.

(5)راجع حاتم قطران "وباء كوفيد- 19، حظر التجول وعقود الشغل"، ليدرز 18 مارس 2020، "دليل معاضدة جهود الدولة في مجابهة وباء الكورونا "كوفيد 19" وانعكاساته على عقود الشغل والعلاقات المهنية: تدابير الحماية والتوصيات".

(6)راجع نشرية محكمة التعقيب لسنة 1984، القسم المدني، ص 45.

(7)Article 1195 (nouveau) du code civil français,: « Si un changement de circonstances imprévisible lors de la conclusion du contrat rend l'exécution excessivement onéreuse pour une partie qui n'avait pas accepté d'en assumer le risque, celle-ci peut demander une renégociation du contrat à son cocontractant. Elle continue à exécuter ses obligations durant la renégociation.

En cas de refus ou d'échec de la renégociation, les parties peuvent convenir de la résolution du contrat, à la date et aux conditions qu'elles déterminent, ou demander d'un commun accord au juge de procéder à son adaptation. A défaut d'accord dans un délai raisonnable, le juge peut, à la demande d'une partie, réviser le contrat ou y mettre fin, à la date et aux conditions qu'il fixe».

(8)الفصل 243 م ا ع: يجب ﺍﻟﻭﻓﺎﺀ باﻻﻟﺘﺯﺍمات مع تمام الامانة ﻭﻻ يلزم ما صرح به ﻓﻘﻁ بل يلزم كل ما ترتب ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻟﺘﺯﺍﻡ من ﺤﻴﺙ ﺍﻟﻘﺎنون ﺃﻭ ﺍﻟﻌﺭﻑﺃﻭ ﺍﻹنصاف ﺤﺴﺏ ﻁﺒﻴﻌﺘﻪ ".

حاتم قطران

أستاذ بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.