أخبار - 2020.03.25

ثريّا الجريبي الخمـيري وزيرة العـدل: ضمـان استـقـلالـية القضاء أولى أولوياتي

ثريّا الجريبي الخمـيري وزيرة العـدل: ضمـان استـقـلالـية القضاء أولى أولوياتي

من بين الملفّات الهامّة المطروحة على حكومة السيّد إلياس الفخفاخ إصلاح مرفق القضاء والنهوض بمختلف هياكله وتعزيز استقلاليته، فضلا عن تطوير المنظومة السجنية بما يجعلها متماشية مع المعايير الدولية.

منذ تشكيل الحكومة الجديدة، أضحى إنجاز هذا الإصلاح الجوهري من أنظار وزيرة العدل السيدة ثريّا الجريبي الخميري، أوّل امرأة تعيّن على رأس وزارة سيادة في تاريخ تونس.

كيف شقٰت هذه القاضية طريقها نحو وزارة العدل؟ وما هي رؤيتها لعمل الوزارة؟ وماهي الأولويات التي ستشتغل عليها في قادم الأيام؟

تلك أسئلة حملتها ليدرز العربية إلى السيّدة ثريّا الجريبي الخميري فكان معها هذا الحديث:

كيف تم اقتراحك على رأس وزارة العدل؟

السيد رئيس الحكومة هو من اقترحني لهذا المنصب ومنحني ثقته لأنّه كان يريد مبدئيا أن تكون امرأة على رأس وزارة العدل. وكما هو معلوم، مكّن الدستور التونسي من ضمان تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في جميع المجالات.وبالتالي، فإنّ تعيين امراة على رأس وزارة سيادة يتماشى مع مبدإ الدستور.وأنا قبلت المهمّة لأنّني قضيت 33 سنة في العمل القضائي، خضت خلالها تجربة الإدارة وتجربة القضاء.

كيف كانت تجربتك على رأس القطبين القضائيين مكافحة الإرهاب والفساد خاصّة وأنّك أتيت في ظرف حسّاس، كانت فيه العديد من القضايا معروضة على أنظار هذين القطبين؟

صحيح، كانت فترة بوشرت فيها عديد قضايا الفساد الكبرى وقضايا الإرهاب، وفيها أيضا تمّ تركيز القانون المتعلّق بالقطب الاقتصادي والمالي وكانت هناك قضايا متشعّبة، حاولنا مباشرتها بكلّ نزاهة وحياد وشفـــافية ولم أتدخّل في عمـل أيّ قاض للضغط عليه، فمـا لا أرضاه لنفسي، لا أرضاه لغيري. وأعتبر أنٰ الزملاء القضاة كانوا يقومون بواجبهم على أحسن وجه. وقد اشتغلنا بكلّ أريحية مع احترام مبدإ استقلالية القضاء.

اليوم أنت تشغلين منصبا سياسيا وقد تُسلطّ عليك ضغوطات أثناء عملك، كما أنّك في حكومة ليس لها حزام سياسي قويّ، ألا يثير ذلك مخاوف لديك؟

لا ليست لديّ مخاوف. إنّي استبشر خيرا بهذه الحكومة، كمأ أنٌني أرى أنّه لزاما علينا أن نكون متناسقين ومتّحدين ونذهب نحو الإصلاح والتطوير. كما أنّنا سنتعامل مع الضغوطات بطريقة سلسة وسنلتزم بنفس القيم والمبادئ، وهي علوية القانون دون أيّ تمييز والنزاهة والشفافية وحبّ العمل والإرادة والشجاعة. وسنحقّق النجاح إن شاء الله. يجب أن نبعث الأمل والثقة في الشعب التونسي الذي ينتظر منّا الكثير.

هل تعتبرين أنّ تحييد وزارات السيادة في هذه المرحلة أمر جيّد؟

أعتبر ذلك أمرا مهمّا جدّا. وأرى أنّ تعيين قاض على رأس إحدى وزارات السيادة اختيار موفّق لأنّه يعرف المرفق القضائي من الداخل ويدرك أهميّة استقلالية القضاء. وأنا لا أتصوّر أنّني ستأجد في هذه المرحلة صعوبات في ممارسة مهامي على رأس وزارة العدل لأنّني متعوّدة على التحديات، خاصّة وأنّني كنت على رأس المحكمة الابتدائية التي تنظر في 56 بالمائة من القضايا المنشورة في كامل تراب الجمهورية. 

ماهي الأولويات التي ستشتغلين عليها؟

هناك أولويات على المدى القصير وأخرى على المدى المتوسّط ولو تمكّنت من تحقيقها، فسأكون قد نجحت في مهمتي. وأولى أولوياتي ضمان استقلال القضاء، وذلك عبر التنسيق ما بين السلطة القضائية وعلى رأسها المجلس الأعلى للقضاء والسلطة التنفيذية، المتمثّلة في وزارة العدل، فالدستور أعطى صلاحيات للمجلس تتمثّل في تسيير مرفق العدالة، في حين أنّ من واجب الوزارة تنظيم مرفق القضاء.

ولكنّ المجلس الأعلى للقضاء اتّهم في عديد المناسبات وزارة العدل بتعطيل قراراته وعمله. فما ردّكم على ذلك؟

من الضروري بالنسبة إلينا أن يكون هناك تواصل بين وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء. وأعتبر أنّه إذا ما التزم كل طرف بصلاحياته، فسيمكن لنا التعاون والتنسيق بشكل أفضل مع بعضنا البعض. وأنا، من جهتي، سأحرص على وجود هذا التنسيق وعدم تدخل السلطة التنفيذية في السلطة القضائية. 

نعود إلى أولوياتك على رأس الوزارة؟

من أولوياتي أيضا العمل على تفعيل مشروع رقمنة العدالة  وتركيزه، وهو مشروع سينطلق أ قريبا جدّا وهناك لجان صلب وزارة العدل تشتغل عليه. ويتمثّل المشروع في رقمنة كلّ الملفات القضائية في كلّ المحاكم على مستوى الجمهورية. وغايتنا هي الوصول إلى صفر ورق داخل المحاكم. ومن المنتظر أن يُسهّل هذا المشروع عمل القضاة وجميع المتدخّلين في الشأن القضائي من كتبة ومحامين ومساعدي قضاة إلخ... وعندما نُيسّر عمل القاضي، فإنّ ذلك يساهم في تحسين جودة آدائه. فكما هو معلوم، يجد القضاة اليوم أنفسهم مُكبّلين بعدد كبير من القضايا. ورغم حرصهم على القيام بعملهم على أكمل وجه، فإنّهم يجدون صعوبات كبيرة في تلخيص الأحكام نظرا لكثرة الملفّات وتشعّبها. من جهة أخرى، فإنّ رقمنة العدالة، ستساهم في تسهيل النفاذ إلى المعلومة، حيث سيكون من الممكن العمل عن بعد. فمثلا سيصبح بإمكان المحامي أن يطّلع انطلاقا من مكتبه على مآل قضيّته. وبالتالي، سيُخفّف ذلك من الاكتظاظ الموجود على مستوى المحاكم، على غرار المحكمة الابتدائية بتونس التي تستقبل يوميا 7000 شخص في حين أنّ المبنى لم يعد يتّسع لكلّ هذا العدد. وبشكل عامّ، ستساهم الرقمنة في تسريع البتّ في القضايا وضمان المحاكمة العادلة والعمل وفق المعايير الدولية.

من الأولويات كذلك، تطوير المنظومة السجنية، حيث سيتمّ تفعيل الهيئة العامّة للسجون والإصلاح لأنّه من المهمّ جدّا أن يشتغل أعوان السجون في ظروف مناسبة. وسأحرص أيضا على أن تتماشى الفضاءات السجنية مع المعايير الدولية بما أنّ البنية التحتية تحتاج إلى تطوير، خاصّة في ظلّ اكتظاظ السجون. كما أننّي سأشّجع على تعميم نظام العقوبات البديلة وإحداث مكاتب المصاحبة في كامل تراب الجمهورية، وهي مكاتب يتمّ وضعها على مستوى المحاكم الابتدائية لتنفيذ العقوبة البديلة والتقليص من نسبة العود. وقد تمّ إلى حدّ الآن تركيز سبعة مكاتب على مستوى المحاكم الابتدائية في كامل البلاد وأطمح أن تكون موجودة في كل محكمة. وقد لاحظنا أنّ نسبة العود في صفوف المساجين الذين يمرّون عبر مكاتب المصاحبة تقلّصت إلى 0.4 بالمائة، في حين أنّ نسبة المساجين الذين لا يختارون العقوبة البديلة تبلغ 38 بالمائة.

سأعمل أيضا على تنمية قدرات الموارد البشرية، سواء القضاة أو كتبة المحاكم أو أعوان السجون، تحقيقا للتخصّص في مرفق العدالة وأنا من دعاة ذلك منذ أن كنت في إدارة التكوين في المعهد الأعلى للقضاء. كما يجب أن يكون التكوين إلزاميا ودائما.

ومن أولوياتي كذلك تحسين البنية التحتية للمحاكم والسجون وتوفير التجهيزات الضرورية، بالإضافة إلى تطوير النصوص وإعادة النظر في المجلّات القانونية مثل المجلّة الجزائية والقانون الأساسي للقضاء وقانون التفقّدية العامة لوزارة العدل.

كيف تنظرين إلى التمثيلية الضعيفة للمرأة في الحكومة؟

أكيد أنّنا نطمح إلى المزيد. ولكن يجب أن نذكّر هنا أنّ النساء، وجميعهن من المستقلّات، يمثّلن 40 بالمائة من المستقلّين داخل الحكومة. والدستور نصّ على تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في جميع المجالات ولابّد من تطبيقه. وأعتبر أنّ رئيس الحكومة طبّق الدستور وأعطى فرصة للمرأة لتكون على رأس إحدى وزارات السيادة. هناك تقدّم في العقليات وتعييني على رأس وزارة العدل هو شرف للمرأة التونسية وتحدّ في الآن نفسه، وهو أيضا رسالة إلى العالم بأسره، مفادها أنّ المرأة التونسية قادرة على أن تكون في مواقع القرار. بالنسبة إليّ، ليس هناك فرق بين المرأة والرجل، فالنساء تقلّدن جميع المسؤوليات وهن موجودات في كل القطاعات. ففي مجال القضاء على سبيل المثال، يتجاوز عدد القاضيات 46 في المائة من مجموع العاملين في هذا المجال، أي تقريبا النصف. وبالتالي، فإن المرأة قادرة على اكتساح جميع المجالات بدون أيّة تفرقة.

الطـريق إلى الوزارة 

لاقى تعيينها وزيرةً للعدل في حكومة إلياس الفخفاخ ترحيبا كبيرا في مختلف الأوساط ولا سيّما في الأوساط القضائيّة، لما عرفت به من نزاهة ونظافة يد، فضلا عن الكفاءة العالية وسعة التجربة المهنية.

السيدة ثريا الجريبي الخميري، وهي أوّل أمرأة تسمّى على رأس وزارة سيادة، مولودة سنة 1960 بتونس.

زاولت تعليمها الابتدائي والثانوي في ضاحية الزهراء. وبعد حصولها على شهادة الباكالوريا التحقت بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس التي تخرّجت منها سنة 1982حاملة للإجازة قبل أن تزاول تعليمها في المرحلة الثالة في اختصاص القانون الخاصّ. وفي بداية مسارها المهني، عملت بالشركة التونسية للتجارة الخارجية التي كانت من مؤسّسيها، حيث شغلت خطّة رئيس مصلحة، كما أنّها ساهمت في وضع القانون الأساسي لهذه الشركة. وهي تصف عملها هذا بالتجربة الإدارية «الممتازة».

شاركت سنة 1984 في مناظرة الكفاءة لمهنة المحاماة، غير أنّها لم تمارس هذه المهنة إذ كانت ترى نفسها قاضية، نظرا لطبعها الحازم، في حين تعتبر أنّ مجال المحاماة يحتاج إلى مرونة أكثر. ورغم حبّها لمهنة القضاء، فقد كان لزاما عليها أن تنتظر بعض سنوات حتى تستطيع اجتياز مناظرة الدخول إلى المعهد الأعلى للقضاء التي توقّفت في بداية الثمانينات. وتمكّنت من النجاح في هذه المناظرة سنة 1987. بدأت عملها عضوا بالمحكمة الابتدائية بالمنستير، ثم تدرّجت في مسارها المهني والتحقت بالمحكمة الابتدائية بتونس التي بقيت بها لمدّة 12 سنة. 

إثر ذلك التحقت بمحكمة الاستئناف بسوسة وبمحكمة الاستئناف بتونس برتبة مستشار. وبقيت في هذه الخطة إلى غاية سنة 2004. ثم عُيّنت رئيسة دائرة مدنية بالمحكمة الابتدائية بتونس وظلّت في هذا المنصب إلى سنة 2008، حيث أصبحت مستشارة بمحكمة التعقيب بدائرة الوكيل الأوّل لرئيس محكمة التعقيب. وعُيّنت قاضيا مقررا بالدوائر المجتمعة في نفس المحكمة، وذلك إلى غاية سنة 2012. 

ثمّ شغلت خطّة رئيسة دائرة جناحية بمحكمة الاستئناف بتونس وهناك بدأت العمل في المجال الجزائي. 

وفي سبتمبر 2016، تمّ تعيينها رئيسة للمحكمة الابتدائية بتونس وهي مهمّة صعبة و«مسؤولية كبيرة جدّا»، على حد قولها، خاصة وأنّ هذه المحكمة تباشر 56 بالمائة من مجمل القضايا في كامل الجمهورية.واعتبرت أنّ تجربتها على رأس هذه المحكمة كانت ناجحة وفتحت لها آفاقا واسعة.

وخلال هذه الفترة أيضا وإلى حدود تعيينها وزيرة، أشرفت على القطبين القضائي المالي وقطب مكافحة الإرهاب. وعلاوة على عملها كقاضيةً، كانت لها تجربة في التدريس في المعهد الأعلى للقضاء منذ 2008، وكذلك في الأكاديمية العسكرية.

أجرت الحوار حنان زبيس

قراءة المزيد:

كــفــاءات نــسـائــيـة فـي حكومة الفخـفـاخ

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.