أخبار - 2020.03.25

دليل معاضدة جهود الدولة في مجابهة وباء الكورونا "كوفيد 19" وانعكاساته على عقود الشغل والعلاقات المهنية: تدابير الحماية والتوصيات

دليل معاضدة جهود الدولة في مجابهة وباء الكورونا "كوفيد 19" وانعكاساته على عقود الشغل والعلاقات المهنية: تدابير الحماية والتوصيات

1. أعلن رئيس الحكومة، السيد إلياس الفخفاخ، في كلمة توجه بها، مساء السبت الماضي إلى التونسيين عبر القناة العمومية "الوطنية1"، عن حزمة من الإجراءات الاجتماعية والاقتصادية التي حددها بتكلفة 2.5 مليار دينار والرامية إلى تخفيف عبء الأزمة الراهنة الناجمة عن وباء فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، والحد من تبعات قراري حظر الجولان والحجر الصحي العام على الشرائح الاجتماعية وعلى النسيج الاقتصادي.

2. لن نعود هنا، إلى الترددات التي أثرتها في مقالي باللغة الفرنسية المنشور في الجريدة الإلكترونية ليدرز ("صراع القيادة في قمة الدولة؟ بحثًا عن الحكم الرشيد لمنع وباء كوفيد- 19")(1) ، بشأن إعلان رئيس الحكومة عزمه مطالبة مجلس نواب الشعب في غضون الأيام القليلة القادمة بتفويضه بموجب القانون، وفقا للفقرة 2 من الفصل 70 من الدستور، وبثلاثة أخماس أعضائه ولمدة محدودة لا تتجاوز الشهرين، إصدار مراسيم، بغية تنفيذ التدابير والإجراءات التي يتعين اتخاذها للتصدّي، بأقصى قدر من النجاعة، لأكبر "كارثة" صحية واجهتها تونس منذ عقود، ولمنع حدوث أضرار لا حصر لها، يمكن أن تلحق الاقتصاد الوطني، والمؤسسات والعمال، والسكان عامة.

3. وفي المقابل، يكون من الضروري إجراء تحليل سريع لنطاق التدابير الاقتصادية والاجتماعية المصاحبة التي أعلن عنها رئيس الحكومة، مع التذكير بأنه في مقال سابق باللغة الفرنسية تم نشره في الجريدة الإلكترونية ليدرز ليوم السبت الماضي 14 مارس، أعربنا عن أسفنا لخلوّ الكلمة الأولى التي توجّه بها هذا الأخير للتونسيين، يوم الجمعة 13 مارس، من أي إجراء ملموس يمكن أن يساهم في إحداث تعبئة عامة لإنقاذ الاقتصاد ومواطن الشغل(2).

4. من بين هذه الإجراءات الواردة في كلمة رئيس الحكومة ليوم أمس، تأتي تلك التي تم الإعلان عنها لصالح المؤسسات، بصفتها ركيزة النشاط الاقتصادي، وخاصة المؤسّسات الصّغرى والمتوسّطة والنّاشطين الاقتصاديين للحساب الخاص من أشخاص طبيعيين وأصحاب مهن حرّة الذين تضرروا من تباطؤ نشاطهم والتي هي بالتأكيد مفيدة، على غرار:

تأجيل دفع الأداءات لمدة 3 أشهر ابتداء من غرة أفريل؛
تأجيل دفع المساهمة في الضمان الاجتماعي للثلاثية الثانية لمدة 3 أشهر؛
تأجيل خلاص أقساط الديون البنكية والمؤسسات المالية لمدة 6 أشهر؛
جدولة الديون الجبائية والديوانية لمدة 7 سنوات؛
وضع خط ضمان بقيمة 500 م د لتمكين المؤسسات من قروض جديدة للتصرف والأشغال؛
تمكين المؤسسات من استرجاع فائض الأداء على القيمة المضافة في أجل أقصاه شهر".

5. وفي نفس الباب، ومن أجل المحافظة على المؤسسات وتهيئتها للعودة لنشاطها، تم إقرار:

إحداث صناديق استثمارية بمبلغ جملي قدره 700 م د لهيكلة ورسملة المؤسسات المتضررة؛
السماح للشركات المصدرة كليا بترفيع نسبة التسويق في السوق المحلية من 30% إلى 50%؛
تمكين الشركات من إعادة تقييم العقارات المبنية وغير المبنية المضمنة بموازنتها حسب قيمتها الحقيقية.
إقرار عفو جبائي وديواني لفائدة المطالبين بالأداءات المتخلدة بذمتهم؛
إعفاء المؤسسات التي أبرمت صفقات عمومية وتعطل إنجازها نتيجة أزمة الكورونا من خطايا التأخير لمدة أقصاها 6 أشهر".

6. وبهدف المحافظة على مواطن الشغل وضمان تواصل الدخل للعمال والأجراء والموظفين وتخفيف العبء المالي عليهم، تم الإعلان عن بعض الإجراءات تتمثل في:

فتح خط تمويل بقيمة 300 م د كمساعدات لفائدة العمّال المحالين على البطالة الفنية؛
تخصيص اعتمادات مالية استثنائية بقيمة 150 م د لفائدة الفئات الهشة ومحدودي الدخل والفئات ذات الاحتياجات الخاصة سيتم إسنادها في شكل منح. وستتولى وزارة الشؤون الاجتماعية إصدار التوضيحات اللازمة ذات العلاقة؛
تأجيل خلاص أقساط القروض البنكية لمدة 06 أشهر بالنسبة للأجراء الذين لا يتجاوز دخلهم الشهري ألف دينار".

7. ويعنينا في هذا المقال أن نركّز اهتماما أكثر لهذه التدابير الأخيرة التي تهدف إلى حماية التشغيل والتي يمكن تلخيص هدفها العام في تجنب إضافة أزمة الأجور إلى الأزمة الصحية!

ومع ذلك، يبدو لنا أن هذه التدابير، رغم وجاهتها الظاهرة، فهي غير كافية تمامًا للتغلب على الصعوبات المتعلقة بمصير عقود الشغل لعشرات الآلاف من العمال.

8. وسنحاول في هذه المساهمة تقديم بعض الإجابات عن شواغل العمال في القطاع الخاص، ولكن أيضا في بعض الأحيان، في القطاع العمومي، والمعرضين لمخاطر العدوة بوباء فيروس الكورونا المنتشر باستمرار على نطاق واسع، بما في ذلك في مكان العمل.

9. وسيتم تناول ثلاثة محاور وأسئلة أساسية أدناه، يتم بالنسبة لكل منها تحليل الوضع وتقديم بعض التوصيات:

كيف، قبل كل شيء، منع تسريح العمال وأزمة الأجور (I).
ما هي الإمكانيات الحقيقية المتاحة للمؤسسات، وخاصة بفضل العمل عن بعد، لتكييف شروط أداء العمل مع الوضعيات الجديدة الناتجة عن القرارات الصحية المقيدة؟ على وجه الخصوص، هل يمكن للمؤجّر تدارك الساعات الضائعة خلال فترة الحجر ومراجعة شروط إسناد الإجازة السنوية الخالصة (II).
كيفية ضمان الوقاية والحماية من العدوى بموجب التشريعات المهنية وما هو دور المؤجر ومصالح طب الشغل في ذلك؟ هل يمكن للعامل المصاب بالفيروس أن يحصل على علاج لعدواه بموجب التشريعات المهنية وهل يُسمح له كإجراء وقائي بممارسة الانسحاب من العمل؟ (III).

(I) منع تسريح العمال وأزمة الأجور

(أ) تحليل الوضع

10. أعلن رئيس الحكومة في كلمته المذكورة أعلاه عن "فتح خط تمويل بقيمة 300 م د كمساعدات لفائدة العمّال المحالين على البطالة الفنية". من المؤكد أن إجراء التعويض الاستثنائي هذا مرحب به، لأنه مطبوع بطابع التضامن الوطني، وبالتالي يستجيب لإحدى التوصيات التي سبق تقديمها في مقالنا التي نشرته ليدرز ("وباء كوفيد- 19، حظر التجول وعقود الشغل "، 18 مارس 2020)(3).

وفي الواقع، فقد ظل مفهوم البطالة الفنية غير معروف في قانون الشغل التونسي إلى حين صدور القانون عدد 79 لسنة 2008 المؤرخ في 30 ديسمبر 2008 المتعلق بإجراءات ظرفية لمساندة المؤسسات الاقتصادية لمواصلة نشاطها، مثلما تم تنقيحه وإتمامه بمقتضى عدد 35 لسنة 2009 المؤرخ في 30 جوان 2009، تتمثل أساسا في تكفل الدولة بمساهمة الأعراف في النظام القانوني الوطني للضمان الاجتماعي بعنوان الأجور المدفوعة للعمال الذين تتم إحالتهم على البطالة الفنية لأسباب ناتجة عن تقلص نشاطها المرتبط بالأسواق الخارجية، وتستفيد منها فقط فئة محدودة من المؤسسات، على غرار المؤسسات المصدرة كليا كما تم تعريفها بالفصل 10 من مجلة تشجيع الاستثمارات، والمؤسسات المنتصبة بفضاءات الأنشطة الاقتصادية، والناشطة في القطاعات المنصوص عليها بمجلة تشجيع الاستثمارات.

11. وإذا ما استثنينا هذا القانون المذكور أعلاه، فإن مفهوم "البطالة القنية" المشار إليه في كلمة رئيس الحكومة المذكور أعلاه، يبدو غريباً على وضع العمّال والمؤسسات المعنية بالإجراءات الأخيرة المتخذة نتيجة قرار الحجر الصحي الشامل، ضرورة أن هذا المفهوم لا يزال مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالفصل لأسباب اقتصادية أو تكنولوجية.

وبصرف النظر عن ذلك، يبقى السؤال كما بلي: هل أن كل العمال المتأثرين بقرار الحجر الصحي الشامل مشمولون بتخصيص ميزانية 300 مليون دينار وإجراء التعويض عن البطالة الفنية؟

12. وتتصل الصعوبة الأخرى بغياب أي تدابير معلنة لحظر تسريح العمال نتيجة توقف نشاط المؤسسات المعنية بقرار الحجر الصحي الشامل الصادر عن السلطات العمومية. ونشير في هذا الصدد إلى الصعوبات المشار إليها في مقالنا المذكور أعلاه ("وباء كوفيد- 19، حظر التجول وعقود الشغل "، ليدرز 18 مارس 2020) ، والناتجة أحكام الفقرة 3 من الفصل 14 من مجلة الشغل (مثلما تم تنقيحه بالقانون عدد 29 لسنة 1994 المؤرخ في 21 فيفري 1994)، ومقتضاه: "...ينتهي عقد الشغل سواء كان مبرما لمدة معينة أو لمدة غير معينة :...ج) عند تعذر الإنجاز الناتج إما عن أمر طارئ أو قوة قاهرة حدثت قبل أو أثناء تنفيذ العقد ...".

ولا شك في هذا المجال أن وباء الكورونة "كوفيد-19" وقرار الحجر الصحي الشامل المترتب عنه يكتسي جميع خصائص القوة القاهرة على معنى الفصل 283 من مجلة الالتزامات والعقود (استحالة التوقع، استحالة الدرء والصبغة الخارجة عن نطاق المدين). وقد سبق لمحكمة التعقيب الإقرار بذلك في عدة قرارات، على غرار القرار المدني عدد 10138 مؤرخ في 13 أكتوبر 1984، والذي اعتبرت فيه أنه: "لحكام الموضوع الاجتهاد في تقدير القوة القاهرة وتقدير تأثيرها على العلاقة الشغلية إما بتعليقها أو بقطع وإنهاء عقد الشغل(4)" .

وفي قرارها المدني عدد 1990 مؤرخ في 17 أكتوبر 2005، قضت محكمة التعقيب بأنه: "لا يستحق العامل التعويض عن الطرد التعسفي إذا تعذر تنفيذ عقد الشغل بسبب أمر طارءئ أو قوة قاهرة حدثت قبل أو أثناء تنفيذ عقد الشغل(5)" .

13. وفي الوضع الحالي الذي تمر به تونس، وأيا كان تقييم قرار السلط العمومية بشأن الحجر الصحي الشامل والعواقب المترتبة على أنشطة المؤسسات المتضررة على هذا النحو، سواء أجبرت هذه الأخيرة على إنهاء عقود الشغل لعمّالها أو تعليقها فقط، فإن النتيجة ستؤول إلى إمكانية تعليق صرف أجور العمال، على أي حال، ضرورة أن الأجر إنما هو طبقا للفصل 134 ـ 2 من مجلة الشغل (أضيف بالقانون عدد 62 لسنة 1996 المؤرخ في 15 جويلية 1996): "...ما يستحقه العامل من مؤجره مقابل العمل الذي أنجزه".

والأمر مصدر انشغال ثابت، وهو على غاية من الخطورة وهو في حاجة إلى معالجة أشمل تتعدى، على أهميته، قرار "فتح خط تمويل بقيمة 300 م د كمساعدات لفائدة العمّال المحالين على البطالة الفنية".

(ب) التوصيات

14. كما ورد في مقالنا المذكورة أعلاه، يقترح اتخاذ التدابير التالية:
التوصية عدد 1: تلافي أوجه القصور في مجلة الشغل وتشريعات العمل السارية وإعطاء أساس قانوني للتعويض فيما يتعلق بالبطالة الفنية التي أعلن عنها رئيس الحكومة، والسماح لجميع العمال المعنيين بالحصول على تعويض كامل بسب البطالة الفنية.

التوصية عدد 2: القيام، بصفة استثنائية وصريحة، بتعليق تطبيق أحكام الفقرة 3 من الفصل 14 من مجلة الشغل ومنع أي فصل أو تعليق لعقود الشغل لأسباب تتعلق بعواقب وباء الكورونة "كوفيد- 19".

(II) تكييف شروط أداء العمل مع الأوضاع الجديدة الناتجة عن القرارات الصحية التقييدية

15. يتبين مرة أخرى أن قانون الشغل التونسي غير كافٍ فيما يتعلق بالإمكانيات المتاحة للمؤسسات بهدف تكييف شروط أداء العمل مع الوضعيات الجديدة الناشئة عن قرارات الحجر الصحي الشامل التي أصدرتها السلطات العمومية.

وما من شك إن الطريقة الأكثر فعالية لمكافحة انتشار وباء الكورونة "كوفيد-19" هي الحد من الاتصال الجسدي في هذا الصدد، مما يحتّم على الجميع، المؤجرون والعمّال، المساهمة الفعالة في مكافحة انتشار الفيروس، وذلك باستخدام العمل عن بعد كلما أمكن ذلك.

(أ) تدارك ساعات العمل الضائعة

(أ1) تحليل الوضع

16. هناك إمكانية نسبية متاحة لرئيس المؤسسة، وهي تدارك ساعات اعمل الضائعة خلال فترة الحجر، ضمن الحد المنصوص عليه في الفصل92 من مجلة الشغل، وهي أن هذه الساعات الضائعة يمكن تداركها "في الشهرين المواليين لانقطاع العمل"، ودون لإعلام مسبق لتفقدية الشغل بالانقطاع المشترك عن العمل وبكيفية التدارك، ، وذلك تطبيقا لصريح الفصل 92 المذكور أعلاه والذي ينص على أنه: " إذا وقع الانقطاع عن العمل بسبب حادث طارئ فان الإعلام يقع حالا".
وبضيف نفس هذا النص أن : "الساعات الواقع تداركها على هاته الصورة تدفع الأجور عنها بالمقدار الاعتيادي".

(أ2) التوصيات

17. يتعين أن يتضمن مشروع القانون المقترح سنه ما يلي:

التوصية عدد 3: تكييف النظام القانوني لتدارك الساعات الضائعة مع وضع الحال من خلال تجاوز حد الشهرين المنصوص عليه في الفصل 92 من مجلة الشغل المذكور أعلاه واعتماد حد يتناسب مع مدى الصعوبات التي يسببها الحجر الصحي العام، يمكن أن يصل إلى عام أو أساس تحديدا آخر يتم ضبطه بالتشاور مع المنظمات الممثلة للعمال والمؤجرين.

(ب) مراجعة شروط إسناد الإجازة السنوية الخالصة

(ب2) تحليل الوضع

18. هل يُسمح لرئيس المؤسسة مراجعة شروط إسناد الإجازة السنوية الخالصة وإلزام العمال بالتمتع، ولو جزئياً، بها خلال فترة الحجر الصحي العام ؟
تبدو الإجابة على هذا السؤال سلبية، وذلك استنادا لمقتضيات الفصل 117 من مجلة الشغل والتي تشترط إسناد الإجازة السنوية في الفترة ما بين غرّة جوان و31 أكتوبر من كل سنة. ويمكن، في المقابل إسنادها في فترة أخرى من السنة، إذا استوجبت ضرورة العمل ذلك ولكن "بمقتضى اتفاقات جماعية أو فردية أو من طرف المؤجر وبعد أخذ رأي اللجنة الاستشارية للمؤسّسة".

(ب2) التوصيات

19. يتعين أن يتضمن مشروع القانون المقترح سنه ما يلي:
التوصية عدد 4: الإذن، على أساس استثنائي، للمؤسسات بفرض أخذ جزء من الإجازة السنوية الخالصة خلال فترة الحجر الصحي العام، وذلك لفترة دنيا يتم تحديدها بالتشاور مع المنظمات الممثلة للعمال والمؤجرين، علما، على سبيل المثال، أنه تم اعتماد حد أسبوع واحد فقط في فرنسا، تبعا للتدابير التشريعية الاستثنائية المعتمدة منذ بعض الأيام.

(III) ضمان الوقاية والحماية من العدوى بموجب التشريعات المهنية

20. تطرح أسئلة هامة بخصوص المؤسسات الملزمة بضمان استمرارية السلع والخدمات التي تقدّمها، مثل مغازات المواد الغذائية، ولكن أيضًا المستشفيات والعيادات الخاصة ومؤسسات الأشغال العامة والتنظيف وشركات النقل، تحوم حول مخاطر الشغل وتحديدا إصابة العمال بعدوى الفيروس ومضاعفاتها.

(أ) الإصابة بوباء الكورينا "كوفيد 19" حادث شغل؟ مرض مهني؟

(أ1) تحليل الوضع

21. هل يمكن للعامل في صورة الإصابة بالوباء المذكور الحصول على علاج لإصابته وعلى التعويضات بموجب التشريعات المهنية؟
بموجب الفصل 3 من القانون عدد 28 لسنة 1994 المؤرخ في 28 فيفري 1994 المتعلق بالتعويض عن الأضرار الحاصلة بسبب حوادث الشغل والأمراض المهنية في القطاع الخاص المنقح في 27 نوفمبر 1995 بالقانون عدد 103 لسنة 1995، "يعتبر حادث شغل الحادث الحاصل بموجب الشغل أو بمناسبته لكل عامل عندما يكون في خدمـــة صاحب عمل أو أكثر وذلك مهما كان سببه ومكان وقوعه". ويعتبر حادث الشغل أيضا الحادث الحاصل للعامل أثناء تنقله بين مكان شغله ومحل إقامته، بشرط ألا يتم قطع الرحلة أو تحويلها بسبب إملاء من قبله مصلحة شخصية أو لا علاقة لها بنشاطه المهني.

ويعتبر مرضا مهنيا كل ظاهرة اعتلال وكل تعفن جرثومي أو إصابة يكون مصدرها بالقرينة ناشئا عن النشاط المهني للمتضرر. تضبط قائمة الأمراض المعتبرة ذات مصدر مهني وكذلك أهم الأعمال التي قد تكون سببا فيها بقرار مشترك بين وزيري الصحة العمومية والشؤون الاجتماعية. وتقع مراجعة هذه القائمة بصفة دورية وعلى الأقل مرة كل ثلاث سنوات.

22. بشكل ملموس، يمكن أن تقع مخاطر الإصابة بوباء الكورونة "كوفيد-19" بشكل متكرّر في مواقع العمل، حيث ينتقل الفيروس بين البشر من خلال اللعاب والقطرات (السعال والعطس)، ومن خلال الاتصال الوثيق مع المرضى (المصافحة) ومن خلال الاتصال بالأسطح الملوثة. وهكذا، يتم استيفاء الشروط الثلاثة لقيام حادث الشغل، وهي إصابة جسدية، وحقيقة مرتبطة بالعمل وحدث مفاجئ.

23. في المقابل، يصعب ضمان وصف الإصابة بوباء الكورونة "كوفيد-19" بأنه مرض مهني، إذ يشترط ذلك تقديم دليل على حدوث العدوى نتيجة النشاط المهني للمتضرر وأثناء العمل. وبالإضافة إلى ذلك، وعلى افتراض أن العامل يرغب في الإعلان عن مرض مهني، يجب إدخال هذه الإصابة صراحة في قائمة الأمراض المعتبرة ذات مصدر مهني با بموجب قرار مشترك لوزراء الصحة العامة والشؤون الاجتماعية.

(أ2) التوصيات

24. يتعين أن يتضمن مشروع القانون المقترح سنه ما يلي:
التوصية عدد 5: تسجيل الإصابة بوباء الكورونة "كوفيد-19"، على أساس استثنائي، في قائمة الأمراض التي يفترض أنها ذات أصل مهني.

(ب) دور المؤجر ومصالح طب الشغل في الوقاية والحماية من وباء الكورونة "كوفيد-19"

(ب1) تحليل الوضع

25. يمثل مكان العمل أكثر الفضاءات معرضا للخطر بشكل العدوى بوباء الكورونة "كوفيد-19"، حيث تشكل الكثافة العالية للعمال في نفس الموقع وتعدد التبادلات والاتصالات بينهم وبين المواطنين عوامل تفضي إلى انتشار العدوى.

26. ووفقا للفصل 152-2 من مجلة الشغل (أضيف بالقانون عدد 62 لسنة 1996 المؤرخ في 15 جويلية 1996)، "على كلّ مؤجّر أن يتّخذ التدابير اللاّزمة والمناسبة لحماية العمّال ووقايتهم من المخاطر المهنية وعليه بالخصوص القيام بما يلي:

السهر على صحّة العمّال في أماكن العمل،
توفير ظروف وبيئة عمل ملائمة،
حماية العمّال من مخاطر الآلات والمعدّات والمواد المستعملة،
توفير وسائل الوقاية الجماعية والفردية المناسبة وتدريب العمّال على استخدامها،
إعلام وتوعية العملة بمخاطر المهنة التي يمارسونها".

ويتعيّن على العامل من ناحيته، "...الامتثال للمقتضيات المتعلقة بالصحّة والسّلامة المهنية وعدم ارتكاب أيّ فعل أو تقصير من شأنه عرقلة تطبيق هذه المقتضيات. وهو مطالب بالخصوص بما يلي:

تنفيذ التعليمات المتعلقة بحماية صحّته وسلامته وصحّة وسلامة العاملين معه بالمؤسّسة،
استعمال وسائل الوقاية الموضوعة على ذمّته والمحافظة عليها،
المشاركة في الدورات التكوينية والأنشطة الإعلامية والتحسيسية المتعلقة بالصحّة والسلامة المهنية التي تنظمها أو تنخرط فيها المؤسّسة،
إبلاغ رئيسه المباشر فورا بكلّ خلل يلاحظه يمكن أن يتسبّب في خطر على الصحّة والسّلامة المهنية،
الخضوع للفحوص الطبيّة التي يطلب منه إجراؤها" (الفصل 153 من مجلة الشغل).

27. كما تلعب مصالح طبّ الشغل التي يتعيّن إحداثها وتجهيزها خاصة المؤسّسات التي تشغّل 500 عامل على الأقل (فيما تنخرط المؤسّسات التي تشغّل أقلّ من هذا العدد بمجمع لطبّ الشغل أو تحدث مصلحة لطبّ الشغل خاصّة بها) دورا أساسيا في مجال الصحّة المهنيّة وهي مكلّفة بالخصوص "...بفحص ومتابعة صحّة العملة واستعدادهم البدني للقيام بالأعمال المطلوبة منهم سواء عند الانتداب أو أثناء الاستخدام وكذلك بحمايتهم من الأخطار التي يمكن أن تستهدف لها صحّتهم بسبب مهنتهم...". (الفصل 153 من مجلة الشغل).

28. وقد أصدر معهد الصحة والسلامة المهنية دليل تخطيط خطة للوقاية من وباء الكورونا "كوفيد-19"(6)  تضمنت، فضلا عن تدابير الصحة العامة، تدابير محددة في جميع الأعمال وأماكن العمل خلال حالات الوباء، وذلك بهدف تعزيز رصد وفحص ومتابعة الحالات وجهات الاتصال، وتحسين تدابير الوقاية والسيطرة على العدوى وتحدديد التدابير العلاجية والتشخيصية للحالات، لمنع انتشار هذه العدوى إلى المجتمع.
وتقوم الخطة، من جملة أمور، على توصيل المعلومات الهامة حول المخاطر والأحداث باعتماد نهج تشاركي ومعرفة أماكن العمل وتقييم جيد للمخاطر، وتحديد الاحتياجات والحصول على المعدات في الوقت المناسب.

(ب2) التوصيات

29. يتعين معاضدة جهود مصالح طب الشغل في تأمين الوقاية والحماية من وباء الكورونا "كوفيد-19" بالقيام خاصة بما يلي:
التوصية عدد 6: تعزيز طرق نشر المعلومات لدى العمال الذين لا تشملهم قرارات الحظر الصحّي العام والمضطرّين بمواصلة العمل حول خطة استعمال طرق الوقاية التي وضعها معهد الصحة والسلامة المهنية.

التوصية عدد 7: تقديم كل أوجه المساعدة لمصالح طب الشغل لمواصلة تنفيذ خطة الوقاية الموضوعة والمساهمة بشكل فعال في مراقبة الصحة، والعمل على مدّها باستمرار بمعلومات دقيقة ومحدثة حول المخاطر المستجدّة في أماكن العمل.

(ج) هل يحق للعامل الانسحاب من العمل كإجراء وقائي؟

(ب1) تحليل الوضع

30. لا ينص قانون الشغل التونسي على حق الانسحاب (Droit de retrait)  المعترف به، على سبيل المثال، بمقتضى الفصل L.4131-1 من مجلة الشغل في فرنسا، كما تمت إضافته بالقانون المؤرخ في 23 ديسمبر 1982، والذي يحق بموجبه لكل عامل تنبيه صاحب العمل "لحالة عمل لديه سبب معقول للاعتقاد بأنها تشكل خطراً جسيماً ووشيكاً على حياته أو صحته، وكذلك أي خلل في أنظمة الحماية المهنية".

31. وإن الإمكانية الوحيدة المتاحة للعامل هي تلك المنصوص عليها في الفصل 152-3 من مجلة الشغل، كما أضافها القانون رقم 62 لسنة 1996  المؤرخ 15 جويلية 1996 (الباب الثالث حفظ صحة العامل وحفظه): والمتمثلة في "... إبلاغ رئيسه المباشر فورا بكلّ خلل يلاحظه يمكن أن يتسبّب في خطر على الصحّة والسّلامة المهنية... ". وفي المقابل، لا يستطيع العامل ممارسة أي حق في الانسحاب من تلقاء نفسه وعليه إخطار المؤجر بكل صعوبة أو خطر داهم وانتظار تعليماته.

ومع ذلك، إذا كان التهديد وشيكاً وفي حالة فشل التوافق بين الأطراف، فإن النتيجة النهائية يمكن أن إلى قرار القاضي وتقديره لحقيقة الخطر الداهم، وما إذا تم إخطاره رئيس المؤسسة من قبل العامل بحيث تتاح له الفرصة لاتخاذ تدابير الوقاية والحماية اللازمة.

(ج2) التوصيات

32. يتعين أن يتضمن مشروع القانون المقترح سنه ما يلي:

التوصية عدد 8: إقرار حق خاص وظرفي للعامل بعد تنبيه صاحب العمل في الانسحال من مكان العمل إذا توفّر لديه سبب معقول للاعتقاد بوجود خطر جسيم ووشيك على حياته أو صحته، وكذلك أي خلل في أنظمة الحماية المهنية.

الخاتمة

33. بصرف النظر عن المسائل الطارئة التي يثيرها وباء الكورونة "كوفيد-19"، لعله فرصة لتقدير مدى تشبّع التونسيين بقيم الوطنية الصادقة التي تلزم كل شخص بحماية نفسه وعائلته والوطن! ولئن نص الدستور التونسي لعام 2014 على أن "الحفاظ على وحدة الوطن والدفاع عن حرمته واجب مقدس على كل المواطنين" (الفصل 9) وعلى أنه "تضمن الدولة الوقاية والرعاية الصحية لكل مواطن، وتوفر الإمكانيات الضرورية لضمان السلامة وجودة الخدمات الصحية"، فقد خلا في المقابل من أية واجبات صريحة تقع على المواطنين لمواجهة الأعباء الناجمة عن الآفات والجوائح التي تصيب البلاد، على غرار ما تضمنه مثلا الفصل 40 من الدستور المغربي الجديد لعام 2011 مثلا على ما يلي: "على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد".

34. ومع ذلك، يبقى الأمل قائما على وعي المواطن وخصاله لمعاضدة جهود الدولة. كما يكون للقطاع الخاص واجبات أساسية، يجسّم من خلاله دوره الاجتماعي والمواطني!

ويبقى بالأساس على الحكومة أن تتصرف بسرعة، بما في ذلك من خلال تقديم مشروع قانون أو في إطار المراسيم التي يتخذها رئيس الحكومة لو تم التفويض له بموجب المادة 70 من الدستور، بهدف اعتماد تدابير تمكّن من مجابهة وباء الكورونة "كوفيد-19" وتأثيره على نسق الحياة الاقتصادية والاجتماعية، حفاظا على مقدّرات البلاد، والتي يمثّل العمال والموارد البشرية فيها الهدف من كل بناء حضاري ينشد البقاء والدوام!

د. حاتم قطران
أستاذ بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس

(1) Hatem Kotrane, « Conflit de leadership au sommet de l’Etat ? A la recherche d’une bonne gouvernance pour faire barrage à l’épidémie de Covid-19 », Leaders 22 mars 2020,
(2) Hatem Kotrane, « Ce que Elyes Fakhfakh, a omis de dire!  », Leaders 14mars 2020.
(3) Hatem Kotrane, « Covid-19, couvre-feu et contrats de travail », Leaders 18mars 2020.
(4) راجع نشرية محكمة التعقيب لسنة 1984، القسم المدني، ص 45.
(5) راجع نشرية محكمة التعقيب لسنة 2005، القسم المدني، 2 ص 379.
(6)Institut de santé et de sécurité au travail (ISST), « GUIDE DE PLANIFICATION DU PLAN DE CONTINUITÉ DE L’ENTREPRISE- Guide entreprise 2020 I'infection par COVID19).



 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.