عِلَل تونس :لا علاج دون تشخيص دقيق
بكامل الألم والأسى، تابع كل التونسيون يوم الأحد الماضي _ وما تلاه من أيام _ مجريات المجزرة المرورية التي جدت بعمدون، والجنائز التي أقيمت لتشييع 29 من شباب تونس إلى مثواهم الأخير.
مجزرة حقيقية بكل مقوماتها الناظمة لها، بقطع النظر عن مسبباتها الحقيقية - رغم الوعي الجدي بها- إلى حين ما ستسفر عنه التحقيقات، إيمانا منا بعلوية القانون، واحتراما لسيادة التحقيقات.
ومع ذلك، فإن هذا الحادث الأليم يطرح من جديد العديد من الأسئلة التي تطرح في كل مرة بعد أي فاجعة تحل بنا؛ لعل أهمها: إلى متى؟
شباب في عمر الزهور مقبل على الحياة يقصف في حادث مريع أبان للجميع هول الفساد المستشري في كافة القطاعات.
الغريب في الأمر، أننا شهدنا تباينا كبيرا؛ أولا، بين ما صرح به قيس سعيد يوم الفاجعة من تحميل للمسؤولية على الحادث للفاسدين في كل المجالات، واعتبار هذا الحادث ضربا من الإرهاب، وثانيا ما تداوله الجانب الحكومي من تبريرات، وثالثا من تعاطي إعلامي كان في العموم مضللا مهتما بمسائل جانبية: الجسر، السكانار، مسؤولية السائق... وفي الأخير يخرج علينا مجلس وزاري بقرارات هزيلة لا تتماشى مع هول الفاجعة ودون إقرار بهول الفساد المستشري.
ولم يركز أحد على الأسباب الحقيقية التي تسببت في هذه المجزرة و إن لم تفتح هذه الملفات فسنشهد بكل تأكيد فواجع أخرى...
كمتابع للشأن الوطني وناشط في المجتمع المدني، وأحد أفراد هذا الشعب الذي يخشى أن يكون هو، أو أحد احبته ضحية أخرى من ضحايا هذا الإرهاب المروري، فسأسرد التشخيص والحلول في 7 نقاط، هي التالية:
1 - الاعتراف بالفساد في الفحص الفني، إذ يجب إلغاء كل شهادات الفحص الفني للعربات الثقيلة والحافلات التي تتجاوز 10 سنوات، وإعادتها إلى مصالح الفحص في غضون ثلاثة أشهر بشروط مشددة وبحضور مراقبين.
2 - الاعتراف بتفشي الرشوة والفساد في الطرقات وإحداث فرقة خاصة لمكافحة الرشوة، تتكون من امنيين وعسكريين يجولون في عربات مدنية وزي مدني للقضاء على هذه الظاهرة التي تهدد الأمن القومي وسلامة التونسيين.
3 - لا مكان للتهميش في قطاع حساس مثل النقل الجماعي أو الثقيل، ذلك أنه يجب ان يكون من جملة الوثائق الإجبارية في سياقة الحافلات والعربات الثقيلة: عقد عمل السائق، وشهادة الضمان الاجتماعي للتثبت من حالة السائق المادية والمعنوية وأهليته.
4 - إجبارية وجود المتابع بالأقمار الاصطناعية، وهو جهاز بسيط إجباري في الدول المتقدمة يكون خاصا بالسائق وليس بالحافلة او الشاحنة. وهو جهاز يسجل ساعات العمل الأسبوعية و أوقات الراحة الإجبارية. إن هذا الجهاز يشبه الجوال يكون إجباريا مع كل سائق، ويمكن قراءته من طرف الشرطة وحرس المرور عند المراقبة الدورية.
5 - منع الحافلات الغير مجهزة بتقنية المخفض للسرعة الأوتوماتيكي (frein moteur automatique) من التوغل في المرتفعات الغربية.
6 - محاربة التهريب في قطاع الإطارات المطاطية، ومحاربة البارونات المتنفذين في الدولة والمتمعشين من دم التونسيين.
7 - التحقيق من كل مالكي الحافلات، خاصة بعد تفشي ظاهرة خطيرة؛ ألا و هي اقتناء بعض المتنفذين لحافلات مهترأة لا تصلح للجولان والتحصل على شهادة الفحص؛ سوى بالرشوة أو بالمحسوبية، وتجاوز المراقبة المرورية بمنطق"زميل" وهو على ما يبدو حالة الحادثة الأخيرة في عمدون، فالموقوف صاحب وكالة الأسفار تبين وحسب تصريحات شقيق السائق انه يشتغل برئاسة الجمهورية.
جل المعضلات التي تتخبط فيها بلدنا مأتاه التسيب، الفساد، المحسوبية والتهميش متى يفيق المسؤل ليرتقي إلى وعي عامة الناس ولمتى يتواصل سبات الساسة.
علاء الدين سحنون
- اكتب تعليق
- تعليق