سَفَرُ التونسيين إلى الخارج للسياحة: سـوق المليار دينار يتحكّم فيها الدخلاء
عرف سفر التونسيين إلى الخارج منذ العشرية الأخيرة من القرن الماضي طفرة لم يشهدها من قبل فتنامى عدد التونسيين الذين يفضّلون قضاء إجازاتهم في الخارج. وحسب المختصّين في وكالات الأسفار السّفر مرغوب فيه لدى كثير من المواطنين لأسبابٍ عدّة وما كثرة الإعلانات التي تروّج للرحلات السّياحيّة بالخارج في وسائل الاعلام والاتصال المختلفة إلّا مؤشّر على إقبال التونسيين المتزايد على السّفر والتّرحال في العالم على الرّغم من بعض العوائق التي تواجه هذا النشاط.
فلماذا يسافر التونسيون إلى الخارج ؟ وإلى أين ؟ وما هي الصيغ التي يختارونها للسفر؟ وكم بلغت نفقاتهم على السفر إلى الخارج؟ وأيّ تأثير لهذا النشاط في الاقتصاد التونسي اليوم والذي يمرّ بأزمة خانقة؟
يذكر الســيــد جـابــر بــن عطـــوش، رئيــــس الجامعــة التونسية لوكــالات الأسفار والسياحة، أنّ السفر منتوج حديث وثقافة جديدة تترسّخ في مجتمعنا شيئا فشيئا، مشيرا إلى أنّ رغبة التونسي في السفر تنامت منذ حوالي 20 سنة . ويسافر التونسي إمّا للسياحة والترفيه والاستكشاف عندما تكون الجهات جذابة أو للعلاج أو للدراسة أو للتجارة أو بحثا عن عمل، إضافة إلى من يسافر لأسباب مهنية. ولا ننسى هنا السفر لأسباب شخصية مثل حضور المؤتمرات والصالونات الدولية والمعارض الثقافية والأنشطة الرياضية وقد بلغ عدد من سافروا إلى الخارج جوّا وبحرا وبرّا سنة 2017 مليونين و230 ألف شخص وهذا يعني أنّ حوال 20% من الشعب التونسي يسافر إلى الخارج في السنة الواحدة من بينهم حوالي مليون شخص يسافرون للسياحة والترفيه.
هل للتونسي الإمكانيات الماديّة للسفر السياحي؟
أصبح السفر للسياحة ثقافة لدى شريحة هامّة من المواطنين ولا يعتبر ترفا. ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة يؤكّد لنا موظّف في وكالة أسفار مختصّة في الرحلات السياحية للخارج أنّ عددا محدودا من زبائنه يسافرون على الأقلّ مرّة في السنة . وتتصدّر شريحة الكهول وخاصّة الموظفين والمدرّسين المشهد فهم الأكثر سفرا من غيرهم حسب السيد نجيب الدواس رئيس جمعية المسافرين التونسيين لكن إلى الوجهات التي تتلاءم مع إمكانياتهم. وذكر لنا صاحب وكالة أسفار أنّ هناك أثرياء وهم قلّة ينفقون أموالا طائلة على السفر . ونظرا لتدهور المقدرة الشرائية للمواطن التونسي عموما وجدت وكالات الأسفار طريقة جديدة لترويج منتوجها وللتشجيع على السفر وهي الدّفع بالتقسيط المريح جدّا أحيانا . ومن هنا أضاف التونسي في مصاريفه بندا يهمّ السفر وأصبح يدّخر لهذا الغرض.
أين يسافر التونسي للسياحة؟
أمّا الجهات التي يفضّلها التونسي فهي حسب رئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار والسياحة الدول التي لا تفرض تأشيرة مثل تركيا والمغرب والدول التي يسهل الحصول على تأشيرتها مثل لبنان ومصر وفي أوروبا تبقى الوجهة الأولى فرنسا رغم عائق التأشيرة وذلك يعود إلى عامل اللغة والتاريخ وبسبب إقامة آلاف العائلات التونسية هناك . ويؤكّد السيد جابر بن عطوش أنّ فرنسا تحتلّ المرتبة الأولى ضمن الوجهات التي يسافر إليها التونسي تليها في الترتيب تركيا ثمّ ثالثا دول الجوار المغرب والجزائر ومصر ثم السعودية للعمرة والحجّ ثمّ إسبانيا وإيطاليا ودبي للسياحة وكذلك دول شرق آسيا أندونيسيا وماليزيا وتايلندا وهي وجهات يقبل عليها من لهم إمكانيات مادية والمتزوّجون الجدد لقضاء شهر العسل وكذلك أمريكا، علما أنّ هناك نوعا جديدا من الرحلات هي الرحلات البحرية les croisières كان يقبل عليها التونسيون من ميناء حلق الوادي قبل وقوع العملية الإرهابية في باردو وعندما توقّف قدوم البواخر إلى تونس أصبح هؤلاء يسافرون إلى أوروبا ومنها يلتحقون بالرحلة البحرية التي يرغبون فيها.
ما هي الصيغ التي يختارها التونسي للسفر، وكيف يضمن له القانون ذلك؟
يسافر التونسي جوّا وبحرا وبرّا خارج تراب الوطن ويكون سفره إمّا بطريقة منظّمة مع الجهات التي يخوَل لها توفير السفر للتونسيين وتقديم الخدمات المصاحبة أو بطريقة غير منظّمة في السوق الموازية ويكون ذلك من خلال شركات الخدمات ووكالات الأسفار التي ليست من صنف «أ». ذلك أنّ السفر إلى الخارج حسب رئيس الجامعة التونسيىة لوكالات الأسفار والسياحة هو من مشمولات وكالات الأسفار من صنف «أ» حسب ما جاء في كراس الشروط المنظّمة لوكالات الأسفار. ويوجد في تونس 700 وكالة أسفار منها 570 وكالة صنف «أ» منخرطة في الجامعة التونسية لوكالات الأسفار والسياحة وهي نقابة مهنية تنضوي تحت لوائها وكالات الأسفار الراغبة في ذلك وتتولّى الجامعة حماية وكيل الأسفار وتأطيره وتكوينه ومساعدته على ممارسة المهنة. ويشتغل في تنظيم الرحلات إلى الخارج حسب رئيس الجامعة حوالي 20% منها إمّا مباشرة أو من خلال تنظيم مشترك بين الوكالات، وتوفّر وكالات الأسفار تلك للمسافر تذكرة الطائرة والتأمين والإيواء والرحلات الداخلية وهي خاضعة لمراقبة الدولة لتضمن جودة الخدمات المقدّمة للمواطن التونسي إذا اعتبرنا أنّ السفر حقّ دستوري للمواطن التونسي. كما تتدخّل عندما يقع المسافر التونسي في مشكل خارج الوطن لأنّه مؤمّن وبالتالي يجبر الضّرر الذي تعرّض إليه ويحصل على كلّ حقوقه. لكنّ الإشكال حسب رئيس الجامعة أنّ سفر التونسيين إلى الخارج لا ينظّمه قانون موحّد وشامل بنصّ واضح يحدّد الجهة المسؤولة عن سفرهم والخدمات المؤطّرة والمنظّمة التي من حقّهم أن يحظوا بها خلال سفرهم مما يفتح المجال أمام الدخلاء . أمّا منحة السفر المقدّرة بـ 6 آلاف دينار في السنة فهي حقّ المواطن التونسي في التحويل حسب قانون الصرف ومن الملاحظ هنا أنّ البنك لا يطالب المسافر بسندات السفر عند طلب التحويل.
سوق السفر في وسائل التواصل الاجتماعي:
تقوم وسائل التواصل الاجتماعي كالفايسبوك والأنستاغرام وكذلك الانترنات بدور هامّ في انتعاشة سوق السفر في تونس وفي توجيه المسافرين ومدّهم بالمعطيات الضرورية لمساعدتهم على سفر آمن بل وتساعد تلك الصفحات المسافر على اختيار الرحلة بالطائرة واختيار السكن والمطعم المفضل وتوجّهه للمزارات المهمّة فتكسبه الوقت والمال.كما يشارك المسافرون غيرهم صورهم التي التقطوها ومقاطع من فيديوهاتهم في البلدان التي زاروها. وتذكر إحصائيات غير رسمية أنّ أنستغرام ينشر يوميا ما يزيد عن 100 مليون صورة ومقطع فيديو من كلّ أنحاء العالم عدد هامّ منها متعلّق بالسفر يطّلع عليها المستخدمون للموقع فيزيد من رغبتهم في السفر.كما ظهر نشاط جديد تغطّيه الصفحات الفردية للناشطين les blogs في المجال ويركّز على التشجيع على السفر.
أيّ أثر لهذا النشاط في الاقتصاد التونسي؟
يكلّف نشاط السياحة والسفر للخارج الاقتصاد التونسي مبالغ هامّة. فقد بلغت نفقات التونسيين على السفر إلى الخارج بعنوان السياحة لسنة 2017 ما قيمته 1107.1 مليون دينار حسب تقرير البنك المركزي. أمّا بخصوص سنة 2018 فقد بلغت خلال الأشهر الستة الأولى 634.9 مليون دينار بزيادة 96.5 مليون دينار مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2017 والتي قدّرت بـ 538.4 مليون دينار. وهذه التكلفة لا تشمل المبالغ التي تصرف للحصول على التأشيرة.كما لا تشمل التكلفة المبالغ التي تصرف في السوق الموازية والمقدّرة حسب الجامعة بـ 900 مليون دينار . وإضافة إلى هذه التكلفة الهامّة لسوق السفر بالنسبة إلى الاقتصاد التونسي فإنّ الدولة تتكبّد خسارة كبرى من استمرار السوق الموازية في النشاط إذ لو كانت تلك الأموال التي تصرف في السوق الموازية تمرّ عبر الطرق القانونية فإنّه ستعود للدولة منها أداءات بنسبة 19 % وخصم من المداخيل بنسبة 15% أي حوالي 340 مليون دينار تخسرها الدولة من الموارد الجبائية عن الـ 900 مليون دينار التي تصرف في السوق الموازية، إضافة إلى الأداء الذي يوظّف على المرابيح السنوية لوكالات الأسفار والمقدّر بـنسبة 30%، علما أنّ الوكالات القانونية تدفع سنويا للدولة حوالي 14 مليون دينار حسب الجامعة التونسية لوكالات الأسفار والسياحة. ومن التأثيرات السلبية في الاقتصاد التونسي أيضا ما تسجله الديوانة التونسية من مخالفات صرف لها علاقة بالمسافرين إلى الخارج فخلال شهري جانفي وفيفري 2019 فقط سجّلت المصالح الديوانية 260 مخالفة صرف لمسافرين تونسيين عاديين إلى الخارج منها 188 سجّلت في مطار تونس قرطاج والبقية في معابر حدودية أخرى وهذه المخالفات حسب مصدر ديواني تعادل قيمتها المالية مليونين و660 ألف دينار .
أيّ حلول لمشاكل هذا القطاع؟
تدعو الجامعة التونسية لوكالات الأسفار والسياحة الحكومة إلى تحرير قطاع سياحة التونسي بالخارج وإلغاء سقف التحويلات المسموح بها لوكالات الأسفار بالعملة الصعبة والذي يبلغ حاليا 25 مليون دينار ورفع القيود عن هذا النشاط ليصبح مجالا حكرا على وكيل الأسفار المنظّم قانونيا. مما سيوفّر عملة صعبة للاقتصاد التونسي باحتواء الأموال التي كانت تصرف في السوق الموازية فتدخل البنوك الرسمية ويصبح التحويل عن طريقها. وهكذا تستطيع الدولة مراقبة القطاع.
ولحماية السوق من الدخلاء قامت الجامعة بمبادرة جديدة بالتعاون مع منظّمة حماية المستهلك ونقابة الصحافيين بإطلاق حملة تحسيسية لحماية المستهلك من الدخلاء في قطاع السياحة والأسفار انطلقت في شهر فيفري الماضي وتتواصل إلى آخر السنة الحالية. وأصدرت الجامعة قصاصة تحمل شعارها تتولىّ وكالات الأسفار المعتمدة تعليقها في مكاتبها لتطمئن الحريف بأنّها وكالات قانونية.
وتدعو السيدة ندى الغزي صاحبة مركزية حجز (tour opérateur) الحكومة إلى التدخّل ضدّ ما أسمته بالسوق السوداء وأن تحارب النشاط الموازي خاصّة وأنّ الحريف يسافر بدون تأمين ولا ضمانات وأنّ العملة الصعبة تخرج بصورة غير قانونية وأنّ الاقتصاد التونسي لا يكسب شيئا من هذا النشاط كما تدعو إلى الترفيع من سقف تحويلات وكالات الأسفار والتي نقدّر أنّها تتراوح على الأقل بين 150 و200 مليون دينار. واقترحت إمكانية اقتطاع ذلك المبلغ بنسبة 10% من مداخيل السياحة الأجنبية إلى تونس والتي توفّر أكثر من 2000 مليون دينار سنويا.
وقد قامت وزارة السياحة بمشاركة الجامعة التونسية لوكالات الأسفار والسياحة بدراسة موضوع سياحة التونسيين بالخارج وأوصت الدراسة بضرورة التحرير التام والنهائي للسقف الأقصى للتحويلات بالنسبة إلى سياحة التونسيين بالخارج بداية من سنة 2019.
خالد الشّابي
قراءة المزيد:
سَفَرُ التونسيين إلى الخارج للسياحة: سـوق المليار دينار يتحكّم فيها الدخلاء
850 ألف تونسي يسافرون عن طريق وكالات أسفار غير قانونية
مجموعة »سافرنا من أجلكم« على الفايسبوك
- اكتب تعليق
- تعليق