مــصطفـى زاد: كوميـــديــا ســوداء ســـاخرة بنمــط إخـــراج مســرحـي
«فيلم قبيح شوية في بلاد قبيحة برشا» هو الشّعار الدّعائي الذي اختاره المخرج السينمائي نضال شطا لشريطه الجديد «مصطفى زاد»، وهو ثالث أشرطته الروائية الطويلة خلال مسيرة سينمائية تميّزت بنزعة فطرية للفيلم الوثائقي وذلك نتيجة تكوينه الأكاديمي وشغفه بعالم البحار والغوص، الشيء الذي جعل منه أحد أبرز المتخصّصين في مجال التصوير تحت الماء في تونس والعالم العربي، ليبقى فلمه الوثائقي القصير «الأفق الضائع» (1984) أكثر أفلامه تتويجا على الصعيد الدولي (سبع جوائز دولية). «مصطفى زادّ» تم عرضه ضمن فعاليات المسابقة الرسمية لأيّام قرطاج السينمائية في دورتها الثامنة والعشرين، ومدّة عرضه لا تتجاوز 81 دقيقة وقد حاز على إثره بطل الفيلم الممثّل «عبد المنعم شويّات» (مصطفى) جائزة أفضل أداء لدور رجالي بعد أن تقاسمت معه الممثلة «فاطمة ناصر» (فرح) دور البطولة بالإضافة إلى مشاركة الفنانيْن القديريْن «عيسى حرّاث» و»توفيق البحري». يذكر أن الفيلم استغرق تصويره سنتين بعد أن عهدت صياغة السيناريو للكاتبة «صوفيا حواص».
بعد «كول التراب» (2000) و«السراب الأخير» (2012) يــطــلّ علينــا المخرج نضال شطا بفيلم مختلف تماما من حيـــث الشّكل والفكرة والمضمون...قصّة فيلم «مصطفى زاد» غير تقليدية في أسلوبها وفنياتها، حيث تدور أحداثها خلال يوم واحد في الليلة التي تسبق الانتخابات الرئاسية التونسية لسنـــة 2014. بطل الفيلم هو شخص من عامّة الناس يحمل اسم «مصطفى زاد» في الأربعينيات من عمره، يشتغل كمقدّم برامج إذاعية في إحدى الإذاعات الخاصّة، متزوّج وأب لطفل مراهق، يجد نفسه مضطرّا لإيجاد التوازن في يوم غير عادي، لاح صعبا منذ بدايته نتيجة العديد من الانتكاسات. فبعد آلام ضرسه التي رافقته طيلة اليوم، وتفاقم مشاكله العائلية مع زوجته وابنه،وصولا إلى رفته من العمل ثمّ تعطّل سيارته نتيجة نفاذ الوقود، ومن ثمّ سحبها إلى مستودع الحجز البلدي وهو قابع بداخلها…تأخذ الأحداث منعطفـــا جـديدا، وتكون هذه الحادثة بمثابة الحافز الذي سيدفعه إلى أن يثور على نفسه ويتمرّد على عجزه وخوفه...
إخراج سينمائي يراعي قواعد المسرح وتقاليده
طابع الفيلم وأسلوبه تمّ الإعلان عنهما في مقدّمة الفيلم، حيث اختار نضال شطا الاعتماد على صورة كاريكاتورية ناقدة من خلال استعراض مجموعة من الصور المتنوّعة التي سلّط من خلالها الضّوء على حالة الفوضى والاضطراب التي خلّفتها الثورة... كل ذلك على إيقاع الأغنية المرحة والمتفائلة «تبّعني نبنيو الدنيا زينة» للفنان الراحل الهادي الجويني.كما اختار مخرج العمل أن يصوّر الفيلم في الزمن الواقعي، أي خلال 24 ساعة اختزلها في81 دقيقة، وهو الزمن الذي تواترت فيه الأحداث المشؤومة حول شخصية «مصطفى زاد» الذي وجد نفسه متورّطا في وقائع قصّة سينمائية صيغت على شكل مسرحية قسّمت إلى ثمانية فصول، تخلّلتها عناوين فرعية حمل كلّ منها مقولة مأثورة أو جملة موحية أو بيت شعر، كانت مشفوعة كلّها بصوت «مصطفى زاد» وفيها إشارة واضحة في كلّ مرّة إلى الموضوع المحوري لكلّ فصل. وفي نفس السياق، اعتمد المخرج على وحدة المكان، حيث تمّ تصوير أغلب مشاهد الفيلم داخل سيارة مصطفى التي كانت مسرح الأحداث الرئيسية في البناء الدرامي للقصة، والذي استند بدوره على شخصية البطل الأوحد التي شكّلت مركز الثقل في فيلم اعتمد على عدد محدود من الممثلين والشخصيات الثانوية، ساعدت على التفاعل بين الأحداث وربطها ببعضها.
بالإضافة إلى سلطة المكان، برز استخدام اللقطات القريبة والمتوسّطة على حساب اللقطة العريضة التي تغطّي مجموع الديكور وذلك سعيا من المخرج إلى إظهار انفعالات الشخصيات الرئيسية وتعابيرها ليضعها في مواجهة مباشرة وعلى مسافة أقلّ قرباً من الشاشة حتّى تكون في طليعة اهتمامات المتفرّج، الشيء الذي أضفى بعدا مسرحيّا على العمل المبنيّ أساسا على عناصر الفنّ المسرحي (المكان، والزمان، والعقدة أو الحبكة الدرامية) والذي صاحبته رؤية إخراجية معاصرة ومتناغمة مع موجة العودة إلى المسرح في السينما الحديثة.
«مصطفى زاد» من صحفيّ مغمور إلى بطل مشهور...
قرار «مصطفى زاد» بأن يتمرّد على القوانين والأوضاع الاجتماعية السائدة شكّل نقطة التحوّل الرئيسية في الفيلم، حيث تحوّل هذا الأخير من شخصية سلبية وانهزامية إلى شخصيّة صدامية ومغامرة، لا تـعــرف معنى التنازل ولا تقبل التراجـــع أو الالتفـاف. صحــوة مفاجئة دفعته لكسـر طــوق الخضوع والاستسلام الذي استمرّ لسنوات، بدءا بزوجته وأمّه ورئيسته في العمل، ومــرورا بعلاقته بالسلطة ومــؤسّسات الدولة. ثورة باطنيّة بحــث مـــن خلالها بطل الفيلم عــن إزالة صدى الزمن ورواسب الماضي التي أرّقته وأغرقته في حلقة مفرغة من الضغوط النفسية، ليتحوّل من مواطن نكرة إلى أيقونة اجتماعية بعد أن وضــع تسجيل فيديو على الفيسبوك يشرح فيه موقفه من عدم تطبيق القانون وتفشّي الفساد والمحسوبيّة... الشّيء الذي أدّى إلى تعاطف عدد كبير من المواطنين مــع قضيّة «مـصطفى زاد» التي تحوّلت إلى قضيّة رأي عام، حازت على تغطية إعلامية كبيرة ومتابعة خاصّة من السلطات العليا.
من المؤكد أنّ الفيلم لا يعتمد على تطوّرات وأحداث غير متوقّعة، وذلك في غياب تامّ للإثارة والتّشويق، رغم أهمية فكرة السيناريو وطرافتها إلا أنّ عدم النّجاح في تجميع هذه العناصر السينمائية جعل إيقاع الأحداث رتيباً في بعض المشاهد التي كانت مملّة وثقيلة أحيانا على مستوى الانسياب البصري والصوتي، بالإضافة إلى ضعف وسطحية الحوار الذي كان بسيطا من الناحية الأدبية والفنية ودون المستوى لغويا وذلك نتيجة الإفراط في استعمال كلمات نابية وبذيئة طيلة الفيلم وفي أغلب المشاهد تقريبا، بقطع النظر عن التوظيف المبرّر حسب الظّرف المحيط بالمشهد أو بالشخصيات، الشّيء الذي أدّى إلى صياغة حوار سطحيّ هشّ.
لا بدّ أن نشير هـنـــا إلى أنّ ظاهـرة استعمال الكلام البذيء في الأفلام السينمائية التونسية أصبحت تثير جدلا واسعا بين النقّاد السينمائيين والمتابعين للشأن الثقافي خاصّة بعد أن أضحت أداة تعبير أساسية في الأفلام بعد الثّورة، ولنا أن نتساءل إن كان هذا مجرّد توظيف فنّي أم تطبيع مع الكلام البذيء؟
نهاية الفيلم جاءت لتقدح في أعماقنا شرارة الوعي بضرورة الحفاظ على مكتسبات الثورة وذلك في إشارة إلى عملية اختطاف «مصطفى زاد» من قبل مجهولين بمجرّد خروجه من سيارته وإنهاء تمرّده المفتوح. في كلّ الأحوال يبقى فيلم «نضال شطا» عملاً فنيًّا منسجما مع الحراك الاجتماعي والواقع الزماني الذي نعيشه، رغم بعض الفجوات الدرامية.
محمّد ناظم الوسلاتي
- اكتب تعليق
- تعليق