منير يوسف مقني: هجرة الأطباء التونسيين, أرقـام مـذهـلة
لفت د. منير يوسف مقني رئيس المجلس الوطني لعمادة الأطبّاء النّظر - استنادا إلى الأرقام - إلى خطورة ظاهرة هجرة الأطباء التونسيين التي ما فتئت تتفاقم، واعدا بالضّغط على المتدخّلين في قطاع الصحّة لإيجاد الحلول الملائمة قبل فوات الأوان.
يقول د. منير يوسف مقني: «في الآونة الأخيرة كثر الحديث عن ظاهرة هجرة الأطباء ممّا جعلنا نولي هذا الموضوع كلّ الاهتمام وقمنا تبعا لذلك بالتحرّي للوقوف على حقيقة الأمر، وأمام غياب سجلّ وطني لرصد هجرة الأطباء التونسيّين قمنا باحتساب عدد شهادات حسن السّيرة المسلّمة للأطبّاء وبطلب منهم قصد الاستظهار بها لدى السلط المعنية بالبلدان المستضيفة قبل التّرخيص لهم بالعمل هناك. ونحن نعتقد في العمادة أنّ عدد شهادات حسن السّيرة المسلّمة يتساوى تقريبا مع عدد الأطبّاء المهاجرين.
احتسبنا الشهادات المسلّمة للغرض على امتداد خمس سنوات من 2013 إلى 2017 وكانت النتيجة مذهلة ومعبّرة عن تنامي هذه الظّاهرة من سنة إلى أخرى، حيث لم نسلّم في 2013 إلاّ 58 شهادة مقابل 926 ترسيما جديدا بجدول العمادة ممّا يمثّل نسبة 6٪ في حين وصل عدد شهادات حسن السيرة 435 في سنة 2017 مقابل 1000 ترسيم جديد ممّا يمثل 43٪ والفرق واضح ومخيف.
وإذا تعمّقنا في الأرقام وقارنّا نسبة زيادة عدد المترشّحين للهجرة من سنة إلى أخرى نجد زيادة أقلّها 47٪ سنويّا في حين أنّ معدّل الترسيم بجدول العمادة مستقرّ، وإذا تواصل نسق الهجرة على نفس الوتيرة فقد يصل عدد الأطبّاء المهاجرين في سنة 2018 إلى 630 طبيبا وفي سنة 2019 إلى 914 طبيبا وهكذا دواليك إلى أن يتجاوز 2700 طبيب سنة 2022 ممّا قد يؤثّر حتما على التّوازن الحالي وقد يجعل بلدنا في حاجة ماسّة إلى استجلاب الأطبّاء من الخارج لتأمين الحاجيّات الأساسيّة للخدمات الطبّية.
هذا ما جعلنا نطلق في الآونة الأخيرة ناقوس الخطر أمام تفاقم هذه الظّاهرة الخطيرة للوقوف على أسبابها ومعالجتها وللحدّ من نزيف هجرة الأطبّاء قبل فوات الأوان، مع العلم وأنّه قبل 2011 كانت هجرة الأطبّاء منظّمة في إطار تعاقدي مع بلدان الخليج العربي ونسبتها ضئيلة وكانت محدودة في الزمن، أمّا الهجرة حاليّا فهي تخصّ ثلاثة أصناف من الأطبّـاء علـى الأقـلّ وهي:
أوّلا: الأطبّاء حديثو التخرّج الذين يهاجرون إلى ألمانيا التي فتحت أبوابها على مصراعيها للأطبّاء التونسيّن لتكوينهم في اختصاصات معيّنة وللعمل في أماكن محدّدة في ألمانيا،
ثانيّا: الأطبّاء المقتدرن والمختصّون في عدّة اختصاصات طبّية وجراحيّة بعضهم من القطاع العام والبعض الآخر من القطاع الخاصّ والذين يختارون الهجرة إلى أوروبا أو إلى بلدان الخليج العربي للعمل في إطار تعاقدي ولفترات زمنية متفاوتة وقد يستقرّ بعد ذلك الكثير منهم في بلدان الإقامة،
ثالثا وحديثا: الأطبّاء الكبار في الخبرة والسنّ من بين خيرة رؤساء الأقسام الاستشفائية والجامعيّة والأساتذة المحاضرين.
النّقطة الإجابية والمضيئة هنا أنّ الطبيب التونسي معروف بمستواه العلمي والإنساني ومحبوب في كل بلدان العالم، التي تسعى جاهدة إلى إغرائه وإلى استقطابه للعمل لديها خلافا لما هو حاصل أحيانا في بلادنا، وقد يرجع تفاقم ظاهرة هجرة الأطبّاء أساسا إلى تدهور ظروف العمل في المؤسّسات الاستشفائية العمومية وإلى قلّة الموارد البشرية والمعدّات والإمكانيّات المادّية والحوافز، زد على ذلك حملات الشيطنة المتكرّرة والممنهجة أحيانا والتي تستهدف الأطبّاء وتجعلهم عرضة إلى العنف اللفظي والجسدي خاصّة في غياب تأمين أفضل لمكان العمل وفي غياب قانون يجرّم هذه الاعتداءات، بالإضافة إلى تدهور المقدرة الشرائية لأطبّاء القطاع العام ولعدد كبير من أطبّاء القطاع الخاصّ في حين تؤمّن لهم بلدان الاستضافة مناخا مناسبا للعمل وإمكانيّات تقنيّة جيّدة تتيح لهم التدرّج العلمي والتكوين المستمرّ بالإضافة إلى الرّواتب المغرية والتى تصل بالنّسبة إلى كبار الأطبّاء منهم إلى أكثر من عشرة أضعاف مرتّباتهم في تونس وبالعملة الصّعبة.
أمام هذه الهجرة المكثّفة وغير المسبوقة للأطبّاء فإنّه من المنتظر أن نسجّل نقصا فادحا في عدد الأطبّاء الممارسين في بلادنا في السّنوات القليلة القادمة وتفاديا لحصول ذلك أتعهّد وزملائي بالمجلس الوطني لعمادة الأطبّاء ببذل كل ما في وسعنا لتوفيرأحسن الخدمات الطبّية لمواطنينا ونتعهّد أيضا بالضّغط على كلّ المتدخّلين في قطاع الصحّة لإيجاد الحلول الملائمة قبل فوات الأوان. والبداية ستكون بالضّغط على وزارة الصحة وعلى وزارة التّعليم العالي وعلى كلّ المنظّمات والهيآت الوطنية والنقابيّة الفاعلة في المجتمع المدني لتحسيسها بخطورة الوضع وكلّنا أمل في تفادي المكروه إن شاء الله».
قراءة المزيد:
هجرة الكفــاءات التــونسيـة: كيـف نـوقــف الــنّـزيـف؟
أيّ حلول لهجرة الأطباء التونسيين؟
د. علي المطيراوي رئيـس جـامـعة ســوسة: أطباؤنا الشبّان تربّوا على الحلم بالهجرة
شهادتا طبيبين اختارا طريق الهجرة
- اكتب تعليق
- تعليق