أخبار - 2017.10.01

شوقي الطبيب: حتّى لا يسقط يوسف الشاهد من فوق الدرّاجة

شوقي الطبيب: حتّى لا يسقط يوسف الشاهد من فوق الدرّاجة

أدّى العميد السابق للهيئة الوطنيّة للمحامين شوقي الطبيب اليمين أمام رئيس الجمهورية في 12مارس 2016 إثر تعيينه رئيسا للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ، لكنّه ســرعان ما اكتشف حجـــم العمـــل الذي ينتظره واصطدم بقلّة الإمكانيات المتاحة للهيئة آنذاك : 11 موظّفا فقط و300 ألف دينــار كميزانية، منها 90 ألف ميزانية تصرّف والبقية لكراء المقرّ.

في حديث خصّ به ليدرز ذكر شوقي الطبيب أنّه رجا الرئيس الباجي قايد السبسي ورئيس الحكومة الحبيب الصيد وقتئذ عدم الإعلان الرسمي عن تسميته، إذ كانت وضعية هذه الهيئة «كارثية»، فبادر كلاهما بالعمل على الترفيع في ميزانية الهيئة ، ممّا مكّن من دعم الإطار البشري وتركيز جهاز للتقصّي صلبها، وهو لم يكن متوفّرا، في نظره،  عندما تولّى سلفه الأستاذ سمير العنابي رئاسة الهيئة منذ 27 مارس 2012، حيث لم يُمنح لا الميزانية الكافية ولا الموارد البشرية الضرورية لإنجاز مهامّه، علاوة على مواجهته لصعوبات كبيرة، لعلّ من أبرزها استقواء الإدارة على السلطة السياسية.

يعرض العميد شوقي الطبيب في هذا الحديث حصيلة أعمال الهيئة منذ مارس 2016  ومدى مساهمتها في التصدّي للفساد ويدلي برأيه في الخطوات التي شرع فيها يوسف الشاهد وحكومته في ماي الماضي لمحاربة هذه الظاهرة، فضلا عن شروط نجاح الخطّة الموضوعة لهذا الغرض وديمومتها وحمايتها من مخاطر التراجع والانتكاس.

ما هي أبرز الأعمال التي قامت بها اللجنة منذ أن تولّيتم رئاستها؟

في البدء يجدر التذكير بأنّ الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد المحدثة في 24 نوفمبر 2011 حلّت محلّ لجنة تقصّي الحقائق حول الفساد والرشوة التي كان يرأسها المرحوم عبد الفتّاح عمر والتي أنشئت عند قيام الثورة. ورثنا عنها قرابة 12 ألف ملفّ ظلّت مكدّسة إذ لم يتيسّر لها أن تفتحها كلّها وأن تدرسها، فلم تقدر حينئذ إِلَّا على النظر في جزء منها، حيث بلغ عدد الملفّات المحالة إلى القضاء  500 ملف. كما يتعيّن الإشارة إلى أنّ لوبيات الفساد استغلَّت التطوّرات الخطيرة التي شهدتها البلاد في السنوات الأولى التي عقبت الثورة، ولا سيّما بروز المعطى الإرهابي وشروع تونس في الانحدار، للتمدّد في كلّ القطاعات.

وقد استضعفت هذه اللوبيات الدولة، متسلّلة من خلال ثغرات المنظومة ووهن الإدارة لبسط هيمنتها.

منذ تعييني ، تركّزت المهمّة على محورين:

  • إعداد العدّة للهيئة الوطنية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، وهي هيئة دستورية ستأخذ مكان الهيئة الحاليّة، من خلال المساهمة في صياغة قانونها الأساسي،
  • تفعيل مشروع الاستراتيجية الوطنية للحوكمة ومكافحة الفساد الذي ظلّ يراوح مكانه منذ إقراره من قبل المجلس الوطني التأسيسي في ديسمبر 2011. وكان بالنسبة إلينا تحدّيا كبيرا ينبغي رفعه حتّى لا يبقى المشروع حبرا على ورق.

وقد أمضت يوم 9 ديسمبر 2016، كلّ من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ورئاسة  الحكومة والهيئة الوقتية للقضاء العدلي ونقابة الصحفيين التونسيين على الميثاق الوطني لتفعيل الاستراتيجية الوطنية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد(2016 - 2020) وخطّة عملها، وذلك خلال أشغال اليوم الثاني والأخير للمؤتمر الوطني لمكافحة الفساد .وكان يوسف الشاهد أوّل الموقعين على الميثاق. ويعتبر التوقيع  على هذا الميثاق تكريسا للمنهج التشاركي في تجنيد كل طاقات المجتمع من أفراد ومنظّمات وقطاعات عامّة وخاصّة لإرساء مقوّمات النزاهة والشفافية، باعتماد تمشّ تفاعلي يمكّن من تبادل المعلومات بين مختلف المتدخّلين وتنسيق جهودهم للحدّ من مخاطر الفساد. بادرنا بوضع رقم أخضر للاتصال بالهيئة فجاءت الملفات من المواطنين، وتشكّل فريق تقصّ بعد دعم الإطار البشري وحلّ الإشكاليات الإدارية وضمّ الفريق أكثر من 80 موظّفا ومحقّقا وتلقّت الهيئة دعما من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والوكالة الكورية للتعاون الدولي والوكالة الألمانية GTZ.

وقد قامت الهيئة بفرز العرائض التي تقدّم بها المواطنون قصد الإجابة عنها وإحالتها سواء إلى الإدارات المعنية أو إلى العدالة أو إلى هيئة الحقيقة والكرامة. واضطلع بهذا العمل فريق من المتطوّعين، من محامين مستشارين ومستشارين للمصالح العمومية وقضاة متقاعدين .وبالتوازي مع ذلك، شرعنا في أعمال التقصّي في جملة من الملفّات. وحتّى جانفي 2017 أحلنا إلى القضاء حوالي 200 ملفّ تتعلّق بشبهة فساد.

ماذا اكتشفتم؟

لقد هالنا ما اكتشفنا، إذ تبيّن أنّ العديد من المؤسسات والمنشآت العمومية  المرصودة لها ميزانيات هامّة والتي تعاني من العجز ينخرها الفساد، نذكر من بينها مؤسسة التلفزة التونسية ومؤسسة الإذاعة التونسية وشركة الخطوط الجوية التونسية والشركة  التونسية للكهرباء والغاز والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه وديوان الموانئ الجوية وديوان الموانئ البحرية والصناديق الاجتماعية وعديد المؤسسات البنكية العمومية ووسائل إعلام خاصّة لها تفرّعات في علاقة بالفساد والمندوبيات الجهوية للفلاحة ومبيتات جامعية ومخابر بحث جامعية والشركة الوطنية للسكك الحديدية والشركات الجهوية للنقل وشركة فسفاط قفصة... لذلك توجّهنا إلى وسائل الإعلام للتنبيه إلى أخطبوط الفساد وجذوره ولكشف وجهه القبيح وتبيان مخاطره على الدولة ومؤسساتها.

وماذا عن الأعمال الأخرى؟

قامت الهيئة بدورات تدريبية لتنمية القدرات على مكافحة الفساد وتعزيز العلاقات مع المجتمع المدني ودعم 49 جمعية في الجهات، إضافة إلى تدريب المدرّبين في مجال الصحافة الاستقصائية وذلك بالتعاون مع المركز الإفريقي لتدريب الصحافيين والاتصاليين والنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين. كما تمّ إنشاء مركز دراسات وبحوث مهمّته إرساء قاعدة بيانات مربوط بالوسط الجامعي وإصدار نشرية تتضمّن النصوص القانونية التي لها علاقة بالفساد. وتقوم الهيئة بثلاثة أنشطة في الأسبوع تقريبا مع الحرص على تشريك المجتمع المدني والناشئة والطلبة فيها.

ومع تحسّن وضع الهيئة سنة 2017 مقارنة بـسنة  2016 -إذ ارتفعت الميزانية من 300 ألف دينار إلى 5 ملايين دينار- فُتحت مكاتب جهوية في صفاقس وسوسة ونابل والكاف والقصرين. وسيتمّ فتح مكتبين في القيروان وسيدي بوزيد في الأيّام القادمة.

وصفوة القول إنّ الهيئة حقّقت بعض الإنجازات، وكانت من ضمن الفاعلين الرئيسيين في تحريك السواكن وفي الدفع نحو جعل مكافحة الفساد ملفّا وطنيّا. لقد ساهمنا في هذا الحراك. كنّا نعيش في ظلّ إنكار الفساد فانتقلنا إلى الإقرار به.

كيف تفاعلتم مع شروع يوسف الشاهد وحكومته في إعلان الحرب على الفساد في ماي الماضي؟

كنّا أوّل من دعّم يوسف الشاهد في الحرب على الفساد من خلال قيامه  بجملة من الإيقافات، لكن كنّا من أوّل المنبهين إلى ضرورة مواصلتها دون هوادة حتّى لا يقتصر الأمر على حملة ظرفية. الإيقافات لا تكفي لأنّها لا تستهدف المنظومة.

إنّنا نحتاج إلى إصلاح تشريعي في أقرب وقت ممكن وتفعيل النصوص القانونية.

لقد رحبّنا بالقانون المحدث للقطب القضائي والمالي وبالقانون الأساسي المتعلّق بحقّ النفاذ إلى المعلومة وبالقانون الأساسي المتعلّق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلّغين غير أنّنا نحتاج إلى إصدار النصوص التطبيقية لهذه القوانين وإلى نصوص أخرى منها قانون يتعلّق بالتصريح بالمكاسب يضبط قائمة الأشخاص المطالبين بالقيام بهذا الواجب ويحرّم تضارب المصالح.

كما نرى ضرورة مراجعة القوانين التي صدرت مؤخّرا، ومنها قانون الأحكام المشتركة للهيئات الدستورية والقانون الأساسي للهيئة الدستورية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، الذي مثّل خيبة أمل وانتصارا لمن لا يريدون أن يمضي قطار مكافحة الفساد بسرعة، لقد خسرنا الكثير من الوقت والجولات ونحن في حاجة إلى إجراءات استثنائية.

ما هي مآخذكم على القانون الأساسي للهيئة الوطنية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد الذي صادق عليه مجلس نوّاب الشعب يوم 19 جويلية الماضي؟

أكرّر ما قلته في تصريح صحفي سابق: يعدّ القانون بصيغته الحالية تراجعا عن روح الدستــور التــونسي الذي نصّ في فصله 122 على أنّ «الهيئات الدستورية تعمل على دعم الديمقراطية وعلى كافة مؤسسات الدولة تيسير عملها».

هذا القانون أعطى للهيئة الجديدة صلاحيات أقلّ من المرسوم المنظّم للهيئة الحالية من جهة،  وأقلّ ممّا تضمّنه مشروع قانون الحكومة في الغرض الذي يمثلّ حدّا أدنى لما يمكن منحه للهيئة، من جهة ثانية، حيث أسقط نواب مجلس الشعب الفصل 19 من مشروع القانون الأساسي المقدّم من طرف الحكومة والذي منح لرئيس الهيئة وأعضاء مجلسها صلاحيات الحجز والتفتيش والمعاينة في حالة التأكّد على أن تتمّ إحالة أعمالهم لاحقا إلى النيابة العمومية في ظرف 24 ساعة. كما تمّ في الفصل 20 من هذا القانون منح ضابطة عدلية مقيّدة بإشراف ومراقبة قضائية سابقة لأعوان جهاز مكافحة الفساد الذين هم مجرّد موظفين في الهيئة بما يعني عمليّا أنّه لن يكون مجلس هيئة منتخب من البرلمان وسيكون متكوّنــا من قضــاة ومحامين ليست لهم أية سلطات أو صلاحيّات.

لنعد إلى موضوع الحرب على الفساد؟

حتّى نتمكّن من القضاء على الفساد على يوسف الشاهد توخّي مقاربة تشاركية لذلك دعونا إلى عقد مؤتمر وطني للحوكمة الرشيدة.

- عليه تنفيذ تعهداته في ما يتعلّق بالاستراتيجية الوطنية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد.

- عليه دعم ونشر خلايا الحوكمة الرشيدة على مستوى الإدارة التونسية بمختلف مكوّناتها وتعزيز أجهزة الرقابة والتدقيق وأجهزة السلط الماليّة.

- عليه الدفع في اتّجاه صدور قوانين أخرى تدعم الترسانة التشريعية.

- عليه ألاّ يلتفت لا يمنة ولا يسرة وألّا يلتفت خاصّة إلى الوراء حتّى يمضي قدما في الحرب على الفساد وعليه أن يحيط نفسه وحكومته بالإطارات المؤمنة حقا بجدوى هذه الحرب وبتأثيراتها في حاضر تونس ومستقبلها.

- وليعلم أنّه في وضعية الراكب على درّاجة إن توقّف سقطت الدرّاجة وسقط هو من فوقها.

عبد الحفيظ الهرقام

اقرأ المزيد:

شوقـي الطبيــب: هكذا ينخر الفساد الدّولة والمؤسّسات العموميّة

ملفات فساد: فواتير مزوّرة ولحم دجاج فاسد في الوجبات الغذائية للتلاميذ

ملفات فساد: خســـائر بعشـرات المليارات جــرّاء نهــب الأدويـة

غلال البحر وفواكه جافة وموز وتمور وهدايا، اقتناءات مطعم جامعي بمنّوبة

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.