شوقـي الطبيــب: هكذا ينخر الفساد الدّولة والمؤسّسات العموميّة
أحالت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد من مارس 2016 إلى حدّ اليوم ما يناهز 200 ملفّ حول شبهات فساد إداري ومالي وتجاوزات وخروقات خطيرة للقوانين والإجراءات الجاري بها العمل، تتعلّق بأفراد ومؤسسات ومنشآت عموميّة وأجهزة تابعة للدولة وذلك من بين آلاف العرائض الصادرة عن المواطنين والملفّات التي باشر التحقيق فيها جهاز التقصّي صلب الهيئة وتلقّى بشأنها ردودا مدعومة بالوثائق والمستندات من مصالح التفقّد والجهات الرقابية في الوزارات والهياكل المعنيّة.
تقف هذه الهيئة كلّ يوم على مدى استشراء الفساد بمختلف أشكاله في تونس في السنوات الأخيرة. وامتداد أخطبوطه إلى قطاعات ومرافق عموميّة ومؤسسات عديدة، ممّا يجعل الدولة مهدّدة في كيانها، وذلك بعد أن استغلّت لوبيات الفساد اضطراب الأوضاع في البلاد وضعف السلطة لتوسيع رقعة هيمنتها وبسط نفوذها سياسيّا واقتصاديّا وإعلاميّا.
يقول العميد السابق للهيئة الوطنية للمحامين والرئيس الحالي للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في هذا الصدد في حديث خصّ به مجلّة ليدرز العربية: «لقد هالنا ما اكتشفنا عندما بدأنا التقصّي في جملة من الملفّات، إذ تبيّن أنّ العديد من المؤسسات والمنشآت العمومية المرصودة لها ميزانيات هامّة والتي تعاني من العجز ينخرها الفساد... لذلك توجّهنا إلى وسائل الإعلام للتنبيه إلى أخطبوط الفساد وجذوره ولكشف وجهه القبيح وتبيان مخاطره على الدولة ومؤسساتها».
ننشر في هذا التحقيق عيّنات من الملّفات المحالة من قبل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد إلى القضاء والتي تنوّعت فيها الجرائم والإخلالات والتجاوزات، وقد تمثّلت في خرق الإجراءات القانونية للصفقات العمومية من خلال الاتفاق المباشر.. والقيام بانتداب موظّف دون المرور بإجراءات المناظرة .. وإهدار المال العامّ .. وتلاعب بالفواتير وبإجراءات الشراء العام وعدم احترام مبدإ المنافسة ومخالفة التراتيب المعمول بها في مجال الطلبيّات العمومية... وتدليس وثائق ماليّة وغشّ في وجبات غذائية لتلاميذ معهد ثانوي بتقديم لحم دجاج فاسد،.. واستيلاءات منظّمة على المال العامّ باقتناء مواد لم يتمّ إعدادها في إطعام الطلبة .. وتدليس طابع لترويج مصوغ مزوّر .. واستلام رشوة مقابل التخفيض في قيمة المعاليم الديوانية الموظّفة على بضاعة مستوردة.. ونهب أدوية في مصحّة تابعة لأحد الصناديق الاجتماعية وفي مرافق صحيّة عموميّة أخرى تقدّر قيمتها بعشرات المليارات.
تجاوزات في التصرّف الإداري والمالي بديوان التونسيين بالخارج
أحيل على أنظار القضاء ملفّ يتعلّق بشبهة جرائم فساد إداري ومالي منسوبة إلى عدد من الإطارات المركزية والجهويّة بديوان التونسيين بالخارج، بعد أن قام المدير العام الحالي بفتح تحقيق أثبت صحّة التجاوزات التي طالت البعض من أوجه التصرّف الإداري والمالي بالديوان.
وتفيد الوقائع أنّ هذه المؤسسة اعتادت تنظيم مصائف لفائدة أبناء التونسيين بالخارج خلال العطلة الصيفيّة باعتبار ذلك من الأنشطة الثابتة المدرجة ببرنامج عملها وذلك بالتعويل على إمكانياتها الذاتيّة في الإعداد اللوجستي لهذه المصائف والتكفّل بما يترتّب عنها من مصاريف، إذ يوجد ضمن الهيكل التنظيمي للديوان إدارة مركزية تختصّ في هذا المجال، إلى جانب مندوبيات جهويّة له تشرف على أنشطته داخل البلاد.
وفي خطوة غير معتادة عدل مدير الشؤون الإدارية والماليّة بديوان التونسيين بالخارج خلال صائفة 2014 عن تكليف مصالح الديوان بتنظيم هذه المصائف وذلك بإبرام ثلاث اتفاقيّات بين المؤسسة في شخص مديرها العام السابق ورئيس جمعية تنشط في مجال الطفولة أُسند بمقتضاها لهذه الجمعية تنظيم المصائف على أساس تكفّلها بتنفيذ النشاط المبرمج لفائدة المشاركين، بما فيها الإقامة الكاملة والرحلات الترفيهيّة والتنقّل.
ويعتبر إبرام هذه الاتفاقيّات بطريقة مباشرة - وقيمتها الجملية حوالي 162 ألف دينار- خرقا للإجراءات القانونية المتعلّقة بالخدمات نظرا لعدم التقيّد بالمبادئ المنظّمة للصفقات العمومية وخاصّة مبدإ المنافسة. وقد أخلّت الجمعية بالتزاماتها ولم تنجز البرامج المنصوص عليها في الاتفاقيات الثلاث، وهو ما انجرّ عنه إلغاء العديد من الرحلات والأنشطة وكذلك عدم تأمين المشاركين، علاوة على تنصّل الجمعية من تعهّداتها الماليّة إزاء إدارة النزل الذي اختير للإقامة، ممّا جعل إدارة الشؤون الإدارية والماليّة تتدخّل للتكفّل بتسديد الفواتير مباشرة تفاديا لتعطيل مغادرة المشاركين وخصم هذه المبالغ من الفاتورة النهائية للجمعيّة. وواصل مدير الشؤون الإدارية والماليّة تمكين الجمعية من تسبقات ماليّة بلغت قيمتها الجملية أكثر من 71 ألف دينار، بالرغم من تنصّلها من الإيفاء بما تعهّدت به.
وقد سبق لهذا المسؤول أن استغلّ صفته وما خوّله له القانون من صلاحيات الخطّة كمندوب جهوي لديوان التونسيين بالخارج بسوسة قصد انتداب ابن شقيقته دون المرور بإجراءات المناظرة، فضلا عن أنّ المنتدب لم تكن له المؤهّلات الكافية للعمل بمصالح الديوان، وذلك قبل أن يعيّن هذا الشابّ على رأس مكتب للديوان بمدينة مساكن فُتح خصّيصا له باقتراح من خاله.
عبد الحفيظ الهرقام
اقرأ المزيد:
ملفات فساد: فواتير مزوّرة ولحم دجاج فاسد في الوجبات الغذائية للتلاميذ
غلال البحر وفواكه جافة وموز وتمور وهدايا، اقتناءات مطعم جامعي بمنّوبة
- اكتب تعليق
- تعليق