كيف نوقف النـّـــزيف؟ خســـائـر المنشـآت والمؤسّسات العموميّة بآلاف المليارات
من الملفّات الشائكة والمعقّدة التي تعكف الحكومة على دراستها منذ نوفمبر 2015 الوضعية التنظيميّة والماليّة للمنشآت والمؤسّسات العموميّة التي أصبح العديد منها يمثّل عبئا ثقيلا على الدولة وعلى الاقتصاد الوطني. ذلك أنّ النتيجة الصافية المجمّعة للمنشآت العمومية بلغت 173.2 مليون دينار سلبي سنة 2014 مقابل 1176.4 مليون دينار سنة 2010 أي بتراجع قدره 1349.6 مليون دينار، في حين سجّلت 51 منشأة عمومية منذ إحداثها وإلى غاية سنة 2010 خسائر متراكمة بما قيمته 1881.7 مليون دينار. وبلغت الخسائر المتراكمة 5445.6 مليون دينار سنة 2014 أي بزيادة بين سنتي 2010 و2014 قدرها 3563.9 مليون دينار وبنسبة 189.4%، دون اعتبار الخسائر المتراكمة للصناديق الاجتماعية. وفي الآن نفسه، شهد دعم الدولة للمنشآت العمومية ارتفاعا ملحوظا، رغم محدودية مواردها، حيث بلغت منح الاستغلال والتوازن مستويات قياسية خلال سنتي 2013 و2014، ومقدارها 5851.5 مليون دينار سنة 2014 مقابل 2609.2 مليون دينار سنة 2010، أي بزيادة بنسبة 124.3%، علما وأنّ الوضعية الماليّة للمنشآت العمومية للفترة التي عقبت سنة 2014 لم يتمّ بعد التدقيق فيها، ورغم غياب الأرقام فإنّ المؤشّرات تدلّ على مزيد تدهورها.
استوجبت هذه الوضعيّة الماليّة الحرجة وضع استراتيجية متعدّدة الجوانب بهدف إعادة هيكلة المؤسسات والمنشآت العمومية وتحسين مردوديتها اعتمدها مجلس وزاري في ماي الماضي، علاوة على مخطّط عمل لتنفيذها تمّ إعداده في موفّى شهر جويلية.
نسلّط الأضواء في هذا الملفّ على النتائج المستخلصة من تشخيص الوضع العام للمؤسسات والمنشآت العمومية وعلى المحاور الكبرى للاستراتيجية المعتمدة لإصلاح أوضاعها وتطوير حوكمتها والمنهجية المتّبعة في هذا الخصوص، وذلك من خلال بيانات زوّدنا بها، مشكورا، السيّد توفيق الراجحي، الوزير المستشار لدى رئيس الحكومة المكلّف برئاسة مجلس التحاليل الاقتصادية ومتابعة الإصلاحات الكبرى.
أشار السيد توفيق الراجحي إلى أنّه يصعب ضبط حدود قطاع المؤسسات والمنشآت العمومية، سيّما عند التعرض لمقترح إحداث مؤسسة أو منشأة جديدة وذلك لتعدّد أصناف المؤسسات والمنشآت العمومية وغياب تعريف واضح. ويمكن في البداية التفريق بين المنشآت العمومية والمؤسسات العمومية التي لا تكتسي صبغة إدارية (EPNA)، إلّا أن القـــانـــون (1989/9) لا يعتبر كــلّ المؤسسات العمــــومية التـــي لا تكتسي صبغة إدارية منشأة عمومية لذلك يحدّد الأمر عدد 2265 لسنة 2004 المؤرخ في 27 سبتمبر 2004 قائمة هذا الصنف من المؤسسات التي تعتبر منشأة عمومية. وتعتبر منشأة عمومية على معنى قانون 74 لسنة 1996 المؤسسات التي تتوفّر فيها الخصائص الثلاث التالية:
- المؤسسات العمومية التي لا تكتسي صبغة إدارية والمضبوطة قائمتها بأمر،
- الشركات الممتلكة كليّا للدولة (100 % من رأس المال)،
- الشركات التي تمتلك الدولــة أكثر مـــن 50 % من رأس مالها كل بمفرده أو بالاشتراك عن طريق الجماعات المحلية أو المؤسسات العمومية أو الشركات العمومية التي تمتلك الدولة رأس مالها كليّا.
ضبابية قانونيّة
يجدر التذكير في هذا الصدد أنّ عددا من المؤسسات العمومية التي لا تكتسي صبغة إدارية والمضبوطة قائمتها بأمر هي ليست في الواقع بمنشآت عمومية لاقتصار نشاطها جزئيا أو كليا على أنشطة غير تجارية. لذلك تتعدّد تسميات المنشآت العمومية من ديوان أو شركة إلى مؤسسة دون أن يطابق ذلك وضعها القانوني. ثم إنّ التفرقة بين المؤسسات العمومية التي لا تكتسي صبغة إدارية، من جانب، والشركات من جانب آخر، لا تخضع لمقياس واضح. لذا من الوارد جدّا أن تصنّف بعض المنشآت العمومية الناشطة في نفس القطاع كشركة والبعض الآخر كمؤسسة عمومية لا تكتسي صبغة إدارية ومثال ذلك الشركة الوطنية للسكك الحديدية التي تنتمي إلى الصنف الأخير بينما تُعتبر كل المنشآت الأخرى للنقل شركات. إضافة الى ذلك، توجد أمثلة أخرى في القطاع الصناعي حيث تعتبر مثلا الشركة التونسية للكهرباء والغاز وكذلك الشركة التونسية لصناعات التكرير مؤسسات عمومية لا تكتسي صبغة إدارية وليست بشركات.
ولئن كان لهذه الضبابية سلبيّات إلا أنها مكّنت من تجاوز بعض العقبات في التسيير والتي تفرضها طبيعة المؤسسات العمومية.
ومهما كانت المبررات فإنّ توضيح مصطلح المنشأة العمومية من وجهة نظر اقتصادية، علاوة على توحيد التسمية في اتجاه مصطلح الشركة مــــن شــأنه إيجاد مقاربة شاملة لمعالجة صعوباتها.
وتبعا للتعريف السابق فإنّ عددا من المنشآت يتمتّع بقانون أساسي للشركات وأخرى تخضع لتعريف المؤسسات العمومية التي لا تكتسي صبغة إدارية.
- المنشآت العمومية: 104
- المؤسسات العمومية التي لا تكتسي صبغة إداريّة: 74
- المؤسسات العمومية للصحّة: 23
- المجمـوع = 201
عبد الحفيظ الهرقام
- اكتب تعليق
- تعليق